ثانياً: دلائل الهجوم بالأسلحة الحيوية
معظم
الهجمات بالأسلحة الحيوية، يصعب أن تكشف بسهولة بالحواس الطبيعية، ولكن
يمكن لأفراد الإستطلاع المدربة، أن تتنبأ عن بعض الدلائل المعينة السابقة لرغبة الأعداء في استخدام الأسلحة الحيوية. ومنها ما يلي:
1. ظهور طائرات العدو فجأة، وإسقاطها على الأرض، أو نشرها في الجو مواد غير معروفة.
2. سماع صوت انفجارات مكتومة.
3. ظهور ضباب دخاني كثيف لا يعرف مصدره ولا مكوناته.
4. زيادة وجود الحيوانات المريضة أو الميتة على غير المألوف.
5. ظهور أعداد غير عادية من الحشرات مثل البعوض، والقُراد، أو القُمِّل فجأة.
ثالثاً: الأسلحة الحيوية عبر التاريخ
إن
استخدام الأحياء في الحرب للتعذيب أو الهلاك لقديم بقدم الخَلق، ولقد عذب
المولى سبحانه وتعالى قوم فرعون عندما عصوا بأن أرسل عليهم الجراد،
والقُمَّل، والضفادع، وفي هذا يقول المولى سبحانه: ]فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ
وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا
مُّجْرِمِينَ[ (سورة
الأعراف: الآية 133). ومن خلال التصفح للتاريخ العسكري نطالع العديد من
الأمثلة على استخدام الأسلحة الحيوية في عام 1960، صدر عن مركزالبحوث
الكيماوي العسكري الأمريكي، إن الإنسان منذ عصوره الأولى، حاول أن يستخدم
المواد الكيماوية، والأمراض الفتاكة، كأسلحة في الحرب. إلا أن ذلك لم يكن ممكناً إلا في القرن العشرين بعد أن حقق العلم ذلك.
لقد
سطر المؤرخون قديماً، العديد من الشواهد التي حصلت قبل ألفي عام ق.م، إذ
استعملت حواجز الدخان، والحرائق، والأبخرة السامة، التي تسبب الارتخاء
والنعاس والتثاؤب. وفي عام 184
ق.م، استقدم "هانيبعل"، خوابي مملؤة بالثعابين، وألقاها على ظهور سفن
أعدائه، مما أدى إلى ذعر البحارة وارتباكهم وبالتالي هزيمتهم، ومنذ
ذلك الحين، أصبح تسميم مياه الشرب، والمأكولات، أمراً شائعاً في الحروب.
ولقد
استخدمت أسهل الوسائل لهذا الغرض، وذلك بإلقاء جثث الحيوانات والجنود
المتعفنة في مصادر المياه التي يشرب منها الأعداء. ففي عام 1155، احتل
الإمبراطور "فريدريك بربوس"، مدينة تورنوتا Tortuna، الإيطالية، بعد تسميم
خزانات المياه فيها، وفي الحروب الصليبية جربت الحرب
الجرثومية،
إذ كانت جثث الموتى بالطاعون، ترمى في معسكرات المسلمين. ومن المؤكد إن
الأوربيين المستعمرين، استخدموا الأسلحة الجرثومية ضد الهنود الحمر في
أمريكا.
فقبل وصول الرجل الأبيض من الأوربيين إلى أمريكا لم يعرف الهنود الحمر،
مرض الجدري Smallpox، ولم يكن لديهم مناعة طبيعية ضده، مما أدى إلى موت
الآلاف منهم. وتعمد الأوربيون توسيع انتشار هذا المرض بين الهنود الحمر،
إذ أرسل قائد الحملة الإنجليزية السير جفري امهرست Sir Jefery Amherst، عام
3563، مناديل وأغطية من مستشفى العزل لمرضى مصابين بالجدري، إلى رؤساء
القبائل الهندية، فكانت النتيجة انتشار هذا المرض بين جميع الهنود الحمر. وفي
الحروب الأهلية الأمريكية، درج الخصمان المتحاربان، على تلويث مصادر مياه
الشرب،
قبل انسحابهم في أية منطقة ينزلون بها. ففي عام 1863، عندما انسحب الجنرال
جونستون Jonston، من فيكسبرغ، وكان يلاحقه الجنرال شيرمن Sherman، ملأ
البحيرات بجثث الخنازير، والحيتان. ومنذ بداية القرن العشرين بدأ
القادة العسكريون، يهتمون اهتماماً متزايداً بالأسلحة الجرثومية، بعد أن
عرفوا مقدرتها التخريبية الهائلة، حيث شهدت الفترة ما بين حرب البوير،
والحرب العالمية الأولى، مؤتمرين
متتاليين للسلام، عقدا في مدينة لاهيك، عام 1899، وعام 1907، اتخذت فيه
الدول الكبيرة قرارات تمنع استعمال تلك الأسلحة، ولم تعارض تلك القرارات سوى
الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن جميع هذه التوقيعات كانت حبراً على ورق،
ففي
أول حرب اشتعلت بعد ذلك، وهي الحرب العالمية الأولى خان بعض الموقعين،
وتراجعوا عن توقيعاتهم، واستعملت هذه الحروب على نطاق واسع من قبل الطرفين
المتحاربين. إن
المعلومات عن الأسلحة الحيوية، وراء ستار كثيف من السرية والكتمان، حتى
تسرب فيما بعد أن النازيين، بدءوا أبحاثا واسعة حول تطوير هذه الأسلحة عام
1936، لذلك حذرت روسيا عام
1938، بأنه إذا استعمل أعداؤها الألمان، أسلحة حيوية ضدهم فإنهم مستعدون
تماماً
لاستعمالها أيضا على أرضهم نفسها. وفي عام 1940، أسست بريطانيا، مركز
أبحاثها للأسلحة الحيوية، (البيولوجية) في محطة وزارة التموين في بورتن
Porton، حيث قامت في عام 1941، بإجراء أول البحوث العملية بأن جهزت قنبلة
مملئة بالجمرة الخبيثة Anthrax Bomb، وألقتها في جزيرة جرينارد
الأسكتلندية gruiinard، وكان من نتائجها أن أدت إلى موت العديد من
الماشية، وإغلاق
تلك الجزيرة كلياً عن التجوال، والسكن، حيث جراثيم تلك الجمرة، لا زالت
باقية إلى اليوم، ويتوقع العلماء بقاءها وازدياد خطورتها لألف عام قادم. ولقد
كشفت حالياً، إحدى الكنائس في بريطانيا، التي تسعى إلى عملية نزع السلاح،
عن
بعض الوثائق السرية، ومفادها أن بريطانيا، كانت تخطط لهجوم جرثومي، على
عشر مدن في الاتحاد السوفيتي، غداة الحرب العالمية الثانية عام 1946. وفي
عام 1941، تابعت الولايات المتحدة الأمريكية، المسيرة، حيث طلبت وزارة
الدفاع، من الجامعات الوطنية للعلوم، تشكيل لجنة لدراسة الموضوع، ووضع
الترتيبات المقبلة.
فقررت
اللجنة أن الأسلحة الجرثومية ممكنة، ومن هذا المنطلق أسس في عام 1942، أول
مكتب
لبحوث الحرب الحيوية، في وزارة الدفاع الأمريكية، وترأسه جورج مرك George
W. Mrek. وفي عام 1946، كتب المحرر العسكري بجريدة النيويورك تايمز
الأمريكية "هانسون بولدوين Botuliinus Hanson " إن اليابانيين أجروا تجارب
عدة على الأسلحة الجرثومية وحضروا قبل نهاية الحرب العالمية الثانية قنبلة
مملئة بجراثيم "مرض الجمرة الخبيثة Anthrax، وقد كان لديهم معمل بحوث "
قرب هربين Harbin في منشوريا، ينتج السموم والجراثيم إلا أن الروس استولوا
عليه ونقلوه إلى بلادهم فيما بعد. وفي عام 1955، كتبت صحيفة بونجي شونجو
Bungi Shungi، اليسارية، أن اليابانيين كانوا يجرون تجاربهم على الأسرى في
الحرب وكانوا يحقنونهم بجراثيم مرض الطاعون، والتيفوس،
أو إعطائهم مواد غذائية أو مياه ملوثة بميكروبات الكوليرا،. ثم اشتعلت
الحرب الكورية فاتهم الصينيون، والكوريون الشماليون، أمريكا باستعمال الأسلحة
الحيوية ضدهم. ودعيت اللجنة العلمية الدولية الأمم المتحدة للتحقيق وكانت
تشمل علماء من السويد، وفرنسا، وإيطاليا، وروسيا، والبرازيل، وبريطانيا، وبعد
دراسة مستفيضة وتقص للحقائق أوصت اللجنة بتقرير تقول فيه: "إن الشعب في
كوريا والصين تعرض فعلاً لأسلحة جرثومية، وقدم التقرير في اجتماع
في الأمم المتحدة عام 1952، ويذكر التقرير أن أشياء ملوثة بجراثيم
الكوليرا والجمرة الخبيثة وبراغيث مصابة بجراثيم الطاعون وبعوضاً يحمل
فيروسات الحمى الصفراء،
وحيوانات قاضمة كالأرانب كلها قد استخدمت لنشر الأمراض الوبائية، المذكورة
ولكن لم ينشر أي خبر عن مدى صحة انتشار أي من هذه الأمراض لا في كوريا الشمالية ولا في الصين. ولقد
اهتم العالم في هذه الأيام بمشكلة الأسلحة الحيوية واهتمت معظم الصحف
اليومية كذلك بأبعاد هذه المشكلة فجاء فيها ما ملخصه أن سكرتير الأمم
المتحدة قد تقدم بتقرير إلى
الأمم المتحدة في الدورة الرابعة والعشرين حول أخطار هذه الأسلحة مشيراً
إلى أكثر من خطر يهدد البشرية جمعاء وذلك للأسباب التالية: