الفريق سعد الدين الشاذلى.. اسم من ذهب فى تاريخ العسكرية العربية.. رجل السباحة ضد التيار باقتدار.. تعوّد أن يقول كلمته ويمضى من دون اعتبار للعواقب والمآلات.. ففى الوقت الذى كانت فيه الخدمة فى «الحرس الملكى» المصرى فى أربعينيات القرن الماضى قمة الأحلام وسدرة المنتهى لضباط الجيش، تركها مفضلا الحياة فى التشكيلات المرابطة فى الصحارى المصرية، حيث حياة الصبر والجلد.
وفى الوقت الذى كانت تسارع فيه القوات المصرية بالانسحاب فى اتجاه الشط الغربى لقناة السويس فى حرب يونيو 1967، كان الشاذلى قد اتجه شرقا هو ورجاله واحتل موقعا فى صحراء النقب الفلسطينية.
وفى الوقت الذى كانت فيه الغالبية تخطب ودّ الرئيس السادات عارضه فى غرفة العمليات حول تصفية ثغرة «الدفرسوار» فى حرب أكتوبر 1973، حيث كان رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية بوازع من ضميره وشرفه العسكرى.
طوال رحلته الطويلة فى السباحة ضد التيار، حتى لاقى ربه ظهر أمس الأول فات الشاذلى أن الودعاء الطيبين هم الذين يرثون الأرض فى نهاية المدى؛ لأنهم لا يبعدون.. لا يهمشون.. ولا يسجنون كما حدث معه شخصيا، وهو مهندس عملية عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف الذى لا يزال يدرس فى كبريات الأكاديميات العسكرية فى العالم إلى اليوم كمعجزة على أى مقياس عسكرى.
مولد الفريق الشاذلى كان فى قرية «شبرتنا» مركز «بسيون» فى محافظة الغربية عام 1922، كان والده من الأعيان، كما أن عائلته عائلة عسكرية بامتياز، حيث مات جده وهو يقاتل فى حروب الخديو إسماعيل (1878) فى السودان، وشارك أفراد من عائلته فى الثورة العرابية وثورة 1919، وانقطعت صلة العائلة بالحياة العسكرية بعد انكسار الثورة العرابية والاحتلال البريطانى لمصر عام 1882، لتعود الصلة بالتحاق الشاذلى بالكلية الحربية عام 1939.
تخرج الشاذلى فى الكلية الحربية فى يوليو 1940 ضابطا برتبة ملازم فى سلاح المشاة، منذ بداية حياته العسكرية اكتسب الشاذلى سمعة طيبة فى الجيش؛ ففى عام 1941 قررت القيادة المصرية البريطانية المشتركة (فى الحرب العالمية الثانية) الانسحاب من مرسى مطروح (شمال غرب مصر) شكلت مجموعة مؤخرة مهمتها تدمير المعدات والمخزونات التى اضطرت القوات المصرية لتركها عند انسحابها من المنطقة، وكان الملازم سعد الشاذلى ضمن هذه المجموعة، وأدى دورا رائعا.
فى العام عام 1943 تم انتداب الشاذلى للخدمة فى «الحرس الملكى» الذى كان حلم كل الضباط آنذاك بالنظر إلى بعده عن الصحراء، وتمتع من يخدم فيه بامتيازات خاصة، إلا أن الشاذلى بعد فترة وجيزة من الخدمة فيه طلب الانتقال للخدمة فى التشكيلات التعبوية، المرابطة فى الصحارى المصرية.
ومع حلول عام 1954 ترأس الشاذلى أول كتيبة لقوات المظلات فى الجيش المصرى، وفى عام 1960 ترأس القوات العربية المتحدة فى «الكونغو» ضمن قوات الأمم المتحدة، ثم عُيّن ملحقا عسكريّا فى السفارة المصرية بالعاصمة البريطانية لندن (1961 ــ 1963)، وهو ما مكّنه من الاحتكاك بالعقيدة القتالية الغربية، بالإضافة إلى تكوينه وفق العقيدة القتالية الشرقية التى كانت تعتمدها مصر فى تنظيم قواتها، وأساليب قتالها آنذاك.
الاحتلال فى النقب
على الرغم من المرارة التى تجرعتها العسكرية المصرية والعربية فى حرب يونيو 1967، فإن الشاذلى أظهر تميزا نادرا وقدرة كبيرة على القيادة والسيطرة والمناورة بقواته، فقبل بدء المعركة شكّل الجيش المصرى مجموعة من القوات الخاصة (الكوماندوز) لحراسة منطقة وسط سيناء (بين المحور الأوسط والمحور الجنوبى) أسندت قيادتها للشاذلى، وعرفت فيما بعد فى التاريخ العسكرى المصرى باسم «مجموعة الشاذلى».
مع بدء المعركة صبيحة 5 يونيو بضرب سلاح الجو المصرى، واتخاذ القيادة العامة المصرية قرارها بالانسحاب، فقد الشاذلى الاتصال مع قيادة الجيش فى سيناء، وهنا اتخذ القرار الأصعب بعد أن شاهد الطيران الإسرائيلى يسيطر تماما على سماء سيناء، فقام بعملية من أروع عمليات المناورة فى التاريخ العسكرى العربى، حيث عبر بقواته شرقا وتخطى الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيو، وتمركز بقواته داخل صحراء النقب الفلسطينية، وعندها ظنه الطيران الإسرائيلى وحدة تابعة له فلم يهاجمه على الإطلاق.
وبقى الشاذلى فى النقب يومين إلى أن تمكن من تحقيق اتصال بالقيادة العامة بالقاهرة التى أصدرت إليه الأوامر بالانسحاب فورا.
فاستجاب لتلك الأوامر وقام بعملية انسحاب فى ظروف غاية فى الصعوبة على أى قائد فى مثل ظروفه، ورغم هذه الظروف لم ينفرط عقد قواته، كما حدث مع وحدات أخرى، لكنه ظل مسيطرا عليها بمنتهى الكفاءة، واستطاع بحرفية نادرة أن يقطع أراضى سيناء كاملة من الشرق إلى الشط الغربى لقناة السويس (نحو 200 كم) فى عملية انسحاب لا تقل عظمة عن انسحاب القائد الألمانى فيلد مارشال «روميل» فى الحرب العالمية الثانية، باعتبار أن الشاذلى كان يسير فى أرض يسيطر العدو تماما عليها، ومن دون أى دعم جوى، وبالحدود الدنيا من المؤن، إلى أن وصل قبل غروب يوم 8 يونيو بكامل قواته ومعداته غرب القناة.
بعد عودة الشاذلى إلى غرب القناة اكتسب سمعة كبيرة فى صفوف الجيش المصرى كله، فتم تعيينه قائدا للقوات الخاصة (الصاعقة والمظلات) فى الفترة (1967 ــ 1969)، ثم قائدا لمنطقة البحر الأحمر العسكرية (1970 ــ 1971).
المآذن العالية
فى 16 مايو 1971، أى بعد يوم واحد من إطاحة السادات بأقطاب النظام الناصرى، فيما سماه بـ«ثورة التصحيح» عين الشاذلى رئيسا للأركان بالقوات المسلحة المصرية، باعتبار أنه لم يكن يدين بالولاء إلا لشرف الجندية، فلم يكن محسوبا على أى من المتصارعين على الساحة السياسية المصرية آنذاك.
بمجرد وصول الشاذلى لمنصب رئيس الأركان دخل فى خلافات مع الفريق أحمد صادق وزير الحربية حينذاك حول خطة العمليات الخاصة بتحرير سيناء، حيث كان الفريق صادق يرى أن الجيش المصرى يتعين عليه ألا يقوم بأى عملية هجومية إلا إذا وصل إلى مرحلة تفوّق على العدو فى المعدات والكفاءة القتالية لجنوده، عندها فقط يمكنه القيام بعملية كاسحة يحرر بها سيناء كلها.
عندما تولّى سعد الدين الشاذلى رئاسة الأركان وجد أن هذا الكلام لا يتماشى مع الإمكانيات الفعلية للجيش، ولذلك طالب بأن يقوم بعملية هجومية فى حدود إمكانياته، تقضى باسترداد من 10 إلى 12 كم فى عمق سيناء.
وبنى الشاذلى رأيه ذلك على أنه من المهم أن تفصّل الاستراتيجية الحربية على إمكانياتك وطبقا لإمكانيات العدو.. وسأل الشاذلى الفريق صادق: هل لديك القوات التى تستطيع أن تنفذ بها خطتك؟ فقال له: لا.. فقال له الشاذلى: على أى أساس إذن نضع خطة وليست لدينا الإمكانيات اللازمة لتنفيذها؟.
يقول الشاذلى فى كتابه «حرب أكتوبر» عن الخطة التى وضعها للهجوم على إسرائيل واقتحام قناة السويس التى سماها «المآذن العالية» إن «ضعف الدفاع الجوى يمنعنا من أن نقوم بعملية هجومية كبيرة.. ولكن من قال إننا نريد أن نقوم بعملية هجومية كبيرة.. ففى استطاعتنا أن نقوم بعملية محدودة، بحيث نعبر القناة وندمر خط بارليف ونحتل من 10 إلى 12 كيلومترا شرق القناة».
وكانت فلسفة هذه الخطة تقوم على أن لإسرائيل مقتلين.. الأول هو عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية نظرا لقلة عدد أفرادها، والمقتل الثانى هو إطالة مدة الحرب.. فهى فى كل الحروب السابقة كانت تعتمد على الحروب الخاطفة التى تنتهى خلال أربعة أسابيع أو ستة أسابيع على الأكثر؛ لأنها خلال هذه الفترة تقوم بتعبئة 18% من الشعب الإسرائيلى وهذه نسبة عالية جدّا.
ثم إن الحالة الاقتصادية تتوقف تماما فى إسرائيل والتعليم يتوقف والزراعة تتوقف والصناعة كذلك؛ لأن معظم الذين يعملون فى هذه المؤسسات فى النهاية ضباط وجنود فى القوات المسلحة؛ ولذلك كانت خطة الشاذلى تقوم على استغلال هاتين النقطتين.
الخطة كان لها بعدان آخران على صعيد حرمان إسرائيل من أهم مزاياها القتالية يقول عنهما الشاذلى: «عندما أعبر القناة وأحتل مسافة بعمق 10: 12 كم شرق القناة بطول الجبهة (نحو 170 كم) سأحرم العدو من أهم ميزتين له؛ فالميزة الأولى تكمن فى حرمانه من الهجوم من الأجناب؛ لأن أجناب الجيش المصرى ستكون مرتكزة على البحر المتوسط فى الشمال، وعلى خليج السويس فى الجنوب، ولن يستطيع الهجوم من المؤخرة التى ستكون قناة السويس، فسيضطر إلى الهجوم بالمواجهة وعندها سيدفع الثمن فادحا».
وعن الميزة الثانية قال الشاذلى: «يتمتع العدو بميزة مهمة فى المعارك التصادمية، وهى الدعم الجوى السريع للعناصر المدرعة التابعة له، حيث تتيح العقيدة القتالية الغربية التى تعمل إسرائيل بمقتضاها للمستويات الصغرى من القادة بالاستعانة بالدعم الجوى، وهو ما سيفقده لأنى سأكون فى حماية الدفاع الجوى المصرى، ومن هنا تتم عملية تحييد الطيران الإسرائيلى من المعركة.
حرب أكتوبر 1973
فى أكتوبر 1971 أقال السادات الفريق صادق من وزارة الحربية، وعيّن مكانه المشير أحمد إسماعيل، لاختلافه (السادات) مع رؤية صادق لتحرير الأرض، واقتناعه برؤية الشاذلى، إلا أنه لم يأتِ بالأخير وزيرا للحربية للكاريزما الكبيرة التى يتمتع بها الشاذلى، فأتى السادات بأحمد إسماعيل الذى كان قد أحيل للتقاعد فى أواخر أيام عبدالناصر، وبالتالى سيدين للولاء للسادات الذى أعاده للجيش مرة أخرى كقائد عام ووزير للحربية بعد أن «لبس الجلبية» والاستفادة بالشاذلى العنيد، ولكن كرجل ثان، ليست فى يده صلاحيات القائد العام، وهذا ستظهر آثاره جلية فيما بعد.
جاء 6 أكتوبر 1973 وشن الجيشان المصرى والسورى هجوما كاسحا على إسرائيل، بطول الجبهتين، ونفذ الجيش المصرى خطة «المآذن العالية» التى وضعها الشاذلى بنجاح غير متوقع، لدرجة أن الشاذلى يقول فى كتابه «حرب أكتوبر»: «فى أول 24 ساعة قتال لم يصدر من القيادة العامة أى أمر لأى وحدة فرعية.. قواتنا كانت تؤدى مهامها بمنتهى الكفاءة والسهولة واليسر كأنها تؤدى طابور تدريب تكتيكى».
تطوير الهجوم شرقًا
نتيجة للموقف السيئ الذى تعرضت له القوات السورية فى اليوم السادس للقتال، أرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبا عن العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع السورى، للقيادة الموحدة للجبهتين بقيادة المشير أحمد إسماعيل تطلب زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب السادات من إسماعيل تطوير الهجوم شرقا لتخفيف الضغط على سوريا، فأصدر إسماعيل أوامره بذلك على أن يتم التطوير صباح 12 أكتوبر، وهو ما عارضه الشاذلى بشدة، معتبرا أن أى تطوير خارج نطاق الـ12 كيلو التى تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوى، معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلى.
وبناء على أوامر تطوير الهجوم شرقا هاجمت القوات المصرية فى قطاع الجيش الثالث الميدانى (فى اتجاه السويس) بعدد 2 لواء، هما اللواء الحادى عشر (مشاة ميكانيكى) فى اتجاه ممر الجدى، واللواء الثالث المدرع فى اتجاه ممر «متلا».
وفى قطاع الجيش الثانى الميدانى (اتجاه الإسماعيلية) هاجمت الفرقة 21 المدرعة فى اتجاه منطقة «الطاسة»، وعلى المحور الشمالى لسيناء هاجم اللواء 15 مدرع فى اتجاه «رمانة».
وكان الهجوم غير موفق بالمرة كما توقع الشاذلى، وانتهى بفشل التطوير، مع اختلاف رئيسى، هو أن خسرت القوات المصرية 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية فى ساعات معدودات من بدء التطوير للتفوق الجوى الإسرائيلى.
وبنهاية التطوير الفاشل أصبحت المبادأة فى جانب القوات الإسرائيلية التى استعدت لتنفيذ خطتها المعدة من قبل والمعروفة باسم «الغزالة» للعبور غرب القناة، وحصار القوات المصرية الموجودة شرقها.
ثغرة الدفرسوار
المعارك الحربية مثل «لعبة الشطرنج» فحركة واحدة بالخطأ كفيلة لأن يترتب عليها تدهور سريع فى الدور كله، هذا ما حدث مع القوات المصرية بعد تطوير الهجوم شرقا، فبعد الخسائر الكبيرة فى القوات المدرعة المصرية، نجح إرئيل شارون قائد إحدى الفرق المدرعة الإسرائيلية بالعبور إلى غرب القناة من ثغرة بين الجيشين الثانى والثالث، عند منطقة الدفرسوار القريبة من البحيرات المرّة بقوة محدودة ليلة 16 أكتوبر، وصلت إلى 6 ألوية مدرعة، و3 ألوية مشاة مع يوم 22 من نفس الشهر.
واحتل شارون المنطقة ما بين مدينتى الإسماعيلية والسويس، ولم يتمكن من احتلال أى منهما وكبدته القوات المصرية والمقاومة الشعبية خسائر ربما أكثر فداحة من التى تكبدها شرق القناة.
فى هذا التوقيت بالذات حدث الخلاف الأشهر بين السادات وأحمد إسماعيل من جهة وبين الشاذلى من جهة أخرى حول تصفية الثغرة ــ وهو موضوع يطول شرحه ــ فكان رأى الشاذلى أن يتم سحب عدد 4 لواءات مدرعة مصرية من الشرق إلى الغرب؛ ليزيد من الخناق على القوات الإسرائيلية الموجودة فى الغرب، والقضاء عليها نهائيّا، وهذا يعتبر ــ من وجهة نظر الشاذلى ــ تطبيقا لمبدأ من أهم مبادئ الحرب الحديثة، وهو «المناورة بالقوات»، علما بأن سحب هذه الألوية لن يؤثر مطلقا على أوضاع الفرق المشاة الخمس المتمركزة فى الشرق، فضلا عن أنه سيسمح للقوات المصرية بتدمير قوات العدو المتمركزة فى غرب القناة.
لكن السادات وأحمد إسماعيل اللذين كانت بينهما مع الشاذلى خلافات قديمة رفضا هذا الأمر، بدعوى أن الجنود المصريين لديهم عقدة نفسية من عملية الانسحاب للغرب منذ هزيمة 1967، وبالتالى رفضا سحب أى قوات من الشرق للغرب، وهنا وصلت الأمور بينهما وبين الشاذلى إلى مرحلة الطلاق، وبدأ السادات يدخل فى مفاوضات فض الاشتباك الأول والثانى مع إسرائيل.
السادات عاشق الأضواء والكاميرات فى السياسة المصرية بلا منازع، فبعد انتهاء الحرب، وعبور الجيش المصرى لشرق القناة، أراد ألا يشاركه أحد فى الفرح، أو يزاحمه أمام الكاميرات، فقام بعزل الشاذلى من منصبه فى 12 ديسمبر 1973، وعينه سفيرا لمصر فى إنجلترا، ثم سفيرا فى البرتغال. ورغم أن هدف السادات من تعيين الشاذلى سفيرا فى لندن هو إبعاده عن مصر، فإن صراعه (الشاذلى) مع اللوبى الصهيونى فى لندن زاده شهرة، حيث اتهمه هذا اللوبى بقتل الأسرى الإسرائيليين فى الحرب.
وفى عام 1978، عارض الشاذلى اتفاقية «كامب ديفيد» ووجّه لها انتقادات حادة؛ وهو ما أدى إلى فصله من منصبه، فعاش فى المنفى لعدة سنوات.
فى سنوات المنفى (بالجزائر) نشر الشاذلى كتابه (حرب أكتوبر)، اتهم فيه السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغما عن جميع النصائح من المحيطين أثناء سير العمليات على الجبهة أدت إلى وأد النصر العسكرى، والتسبب فى الثغرة وتضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة وتدمير حائط الصواريخ، وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر وكانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلى، كما اتهم فى كتابه الرئيس السادات بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة فى مفاوضات فض الاشتباك الأول وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس السادات بإساءة استعمال سلطاته.
وكانت كلفة نشر هذا الكتاب عالية جدا، حيث وجهت للشاذلى تهمتان الأولى هى نشر كتاب بدون موافقة مسبقة عليه من القوات المسلحة، واعترف الشاذلى بارتكابها. أما التهمة الثانية فهى إفشاء أسرار عسكرية فى كتابه، وأنكر الشاذلى صحة هذه التهمة الأخيرة بشدة، بدعوى أن تلك الأسرار المزعومة كانت أسرارا حكومية وليست أسرارا عسكرية، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة، مع التحفظ على ممتلكاته.
وفى عام 1992، عاد الشاذلى إلى مصر بعد 14 سنة قضاها فى الخارج، وتم القبض عليه بالمطار لدى عودته، وقضى الشاذلى بقية مدة عقوبته فى السجن، وخرج بعدها ليعيش بعيدا عن أى ظهور رسمى.
لم تتذكر الدولة المصرية الفريق الشاذلى إلا فى نوفمبر الماضى عندما أرسل الرئيس مبارك مندوبا عنه للاطمئنان على صحة رئيس أركانه فى حرب أكتوبر، وكان الرجل وقتها قد تقدم به المرض بدرجة كبيرة. رحم الله الشاذلى الذى ظل وسيظل فى سويداء قلب كل مصرى.. فهذا الشعب يعرف تماما من ضحى لأجل تراب هذا الوطن.. ومن يبحث عن مكسب شخصى زائل.