موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش الخميس 24 يونيو - 13:00:13
القصيدة الخامسة والعشرون
حــــالة حصـــار
محمود درويش - فلسطين
هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ، نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ، وما يفعل العاطلون عن العمل: نُرَبِّي الأملْ!
بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر: لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ في حلكة الأَقبية
هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً
سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ
السَّماءُ رصاصيّةٌ في الضُحى بُرْتقاليَّةٌ في الليالي. وأَمَّا القلوبُ فظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ
هنا، لا أَنا هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ...
يقولُ على حافَّة الموت: لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ: حُرٌّ أَنا قرب حريتي. وغدي في يدي. سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي، وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن، وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ...
في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ بين تذكُّرِ أَوَّلها. ونسيانِ آخرِها.
هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، على دَرَج البيت، لا وَقْتَ للوقت. نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلى الله: ننسي الأَلمْ.
الألمْ هُوَ: أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيل صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ.
لا صدىً هوميريٌّ لشيءٍ هنا. فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها. لا صدىً هوميريّ لشيء. هنا جنرالٌ يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ
يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ بمنظار دبّابةٍ...
نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.
أَيُّها الواقفون على العَتَبات ادخُلُوا، واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ فقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا. أَيها الواقفون على عتبات البيوت! اُخرجوا من صباحاتنا، نطمئنَّ إلى أَننا بَشَرٌ مثلكُمْ!
أُفكِّر، من دون جدوى: بماذا يُفَكِّر مَنْ هُوَ مثلي، هُنَاكَ على قمَّة التلّ، منذ ثلاثةِ آلافِ عامٍ، وفي هذه اللحظة العابرةْ؟ فتوجعنُي الخاطرةْ وتنتعشُ الذاكرةْ
عندما تختفي الطائراتُ تطيرُ الحماماتُ، بيضاءَ بيضاءَ، تغسِلُ خَدَّ السماء بأجنحةٍ حُرَّةٍ، تستعيدُ البهاءَ وملكيَّةَ الجوِّ واللَهْو. أَعلى وأَعلى تطيرُ الحماماتُ، بيضاءَ بيضاءَ. ليت السماءَ حقيقيّةٌ قال لي رَجَلٌ عابرٌ بين قنبلتين
الوميضُ، البصيرةُ، والبرقُ قَيْدَ التَشَابُهِ... عمَّا قليلٍ سأعرفُ إن كان هذا هو الوحيُ... أو يعرف الأصدقاءُ الحميمون أنَّ القصيدةَ مَرَّتْ، وأَوْدَتْ بشاعرها
إلي ناقدٍ: لا تُفسِّر كلامي بملعَقةِ الشايِ أَو بفخِاخ الطيور! يحاصرني في المنام كلامي كلامي الذي لم أَقُلْهُ، ويكتبني ثم يتركني باحثاً عن بقايا منامي
شَجَرُ السرو، خلف الجنود، مآذنُ تحمي السماءَ من الانحدار. وخلف سياج الحديد جنودٌ يبولون ـ تحت حراسة دبَّابة ـ والنهارُ الخريفيُّ يُكْملُ نُزْهَتَهُ الذهبيَّةَ في شارعٍ واسعٍ كالكنيسة بعد صلاة الأَحد...
نحبُّ الحياةَ غداً عندما يَصِلُ الغَدُ سوف نحبُّ الحياة كما هي، عاديّةً ماكرةْ رماديّة أَو مُلوَّنةً.. لا قيامةَ فيها ولا آخِرَةْ وإن كان لا بُدَّ من فَرَحٍ فليكن خفيفاً على القلب والخاصرةْ فلا يُلْدَغُ المُؤْمنُ المتمرِّنُ من فَرَحٍ ... مَرَّتَينْ!
قال لي كاتبٌ ساخرٌ: لو عرفتُ النهاية، منذ البدايةَ، لم يَبْقَ لي عَمَلٌ في اللٌّغَةْ
إلي قاتلٍ: لو تأمَّلْتَ وَجْهَ الضحيّةْ وفكَّرتَ، كُنْتَ تذكَّرْتَ أُمَّك في غُرْفَةِ الغازِ، كُنْتَ تحرَّرتَ من حكمة البندقيَّةْ وغيَّرتَ رأيك: ما هكذا تُسْتَعادُ الهُويَّةْ
إلى قاتلٍ آخر: لو تَرَكْتَ الجنينَ ثلاثين يوماً، إِذَاً لتغيَّرتِ الاحتمالاتُ: قد ينتهي الاحتلالُ ولا يتذكَّرُ ذاك الرضيعُ زمانَ الحصار، فيكبر طفلاً معافي، ويدرُسُ في معهدٍ واحد مع إحدى بناتكَ تارِيخَ آسيا القديمَ. وقد يقعان معاً في شِباك الغرام. وقد يُنْجبان اُبنةً (وتكونُ يهوديَّةً بالولادةِ). ماذا فَعَلْتَ إذاً ؟ صارت ابنتُكَ الآن أَرملةً، والحفيدةُ صارت يتيمةْ ؟ فماذا فَعَلْتَ بأُسرتكَ الشاردةْ وكيف أَصَبْتَ ثلاثَ حمائمَ بالطلقة الواحدةْ ؟
لم تكن هذه القافيةْ ضَرُوريَّةً، لا لضْبطِ النَغَمْ ولا لاقتصاد الأَلمْ إنها زائدةْ كذبابٍ على المائدةْ
الحصارُ هُوَ الانتظار هُوَ الانتظارُ على سُلَّمٍ مائلٍ وَسَطَ العاصفةْ
وَحيدونَ، نحن وحيدون حتى الثُمالةِ لولا زياراتُ قَوْسِ قُزَحْ
لنا اخوةٌ خلف هذا المدى. اخوةٌ طيّبون. يُحبُّوننا. ينظرون إلينا ويبكون. ثم يقولون في سرِّهم: ليت هذا الحصارَ هنا علنيٌّ.. ولا يكملون العبارةَ: لا تتركونا وحيدين، لا تتركونا.
خسائرُنا: من شهيدين حتى ثمانيةٍ كُلَّ يومٍ. وعَشْرَةُ جرحى. وعشرون بيتاً. وخمسون زيتونةً... بالإضافة للخَلَل البُنْيويّ الذي سيصيب القصيدةَ والمسرحيَّةَ واللوحة الناقصةْ
في الطريق المُضَاء بقنديل منفي أَرى خيمةً في مهبِّ الجهاتْ: الجنوبُ عَصِيٌّ على الريح، والشرقُ غَرْبٌ تَصوَّفَ، والغربُ هُدْنَةُ قتلي يَسُكُّون نَقْدَ السلام، وأَمَّا الشمال، الشمال البعيد فليس بجغرافيا أَو جِهَةْ إنه مَجْمَعُ الآلهةْ
قالت امرأة للسحابة: غطِّي حبيبي فإنَّ ثيابي مُبَلَّلةٌ بدَمِهْ
إذا لم تَكُنْ مَطَراً يا حبيبي فكُنْ شجراً مُشْبَعاً بالخُصُوبةِ، كُنْ شَجَرا وإنْ لم تَكُنْ شجراً يا حبيبي فكُنْ حجراً مُشْبعاً بالرُطُوبةِ، كُنْ حَجَرا وإن لم تَكُنْ حجراً يا حبيبي فكن قمراً في منام الحبيبة، كُنْ قَمرا هكذا قالت امرأةٌ لابنها في جنازته
أيَّها الساهرون ! أَلم تتعبوا من مُرَاقبةِ الضوءِ في ملحنا ومن وَهَج الوَرْدِ في جُرْحنا أَلم تتعبوا أَيُّها الساهرون ؟
واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا. ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون. ومن بعده نحن مُخْتَلِفُونَ على كُلِّ شيء: علي صُورة العَلَم الوطنيّ (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ يا شعبيَ الحيَّ رَمْزَ الحمار البسيط). ومختلفون علي كلمات النشيد الجديد (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ أُغنيَّةً عن زواج الحمام). ومختلفون علي واجبات النساء (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخْتَرْتَ سيّدةً لرئاسة أَجهزة الأمنِ). مختلفون على النسبة المئوية، والعامّ والخاص، مختلفون على كل شيء. لنا هدف واحد: أَن نكون ... ومن بعده يجدُ الفَرْدُ مُتّسعاً لاختيار الهدفْ.
قال لي في الطريق إلى سجنه: عندما أَتحرّرُ أَعرفُ أنَّ مديحَ الوطنْ كهجاء الوطنْ مِهْنَةٌ مثل باقي المِهَنْ !
قَليلٌ من المُطْلَق الأزرقِ اللا نهائيِّ يكفي لتخفيف وَطْأَة هذا الزمانْ وتنظيف حَمأةِ هذا المكان
على الروح أَن تترجَّلْ وتمشي على قَدَمَيْها الحريريّتينِ إلى جانبي، ويداً بيد، هكذا صاحِبَيْن قديمين يقتسمانِ الرغيفَ القديم وكأسَ النبيذِ القديم لنقطع هذا الطريق معاً ثم تذهب أَيَّامُنا في اتجاهَيْنِ مُخْتَلِفَينْ: أَنا ما وراءَ الطبيعةِ. أَمَّا هِيَ فتختار أَن تجلس القرفصاء على صخرة عاليةْ
إلى شاعرٍ: كُلَّما غابَ عنك الغيابْ تورَّطتَ في عُزْلَة الآلهةْ فكن ذاتَ موضوعك التائهةْ و موضوع ذاتكَ. كُنْ حاضراً في الغيابْ
:يَجِدُ الوقتَ للسُخْرِيَةْ هاتفي لا يرنُّ ولا جَرَسُ الباب أيضاً يرنُّ فكيف تيقَّنتِ من أَنني !لم أكن ههنا
:يَجدُ الوَقْتَ للأغْنيَةْ في انتظارِكِ، لا أستطيعُ انتظارَكِ لا أَستطيعُ قراءةَ دوستويفسكي ولا الاستماعَ إلى أُمِّ كلثوم أَو ماريّا كالاس وغيرهما في انتظارك تمشي العقاربُ في ساعةِ اليد نحو اليسار... إلي زَمَنٍ لا مكانَ لَهُ في انتظارك لم أنتظرك، انتظرتُ الأزَلْ
يَقُولُ لها: أَيّ زهرٍ تُحبِّينَهُ فتقولُ: القُرُنْفُلُ .. أَسودْ يقول: إلى أَين تمضين بي، والقرنفل أَسودْ ؟ تقول: إلى بُؤرة الضوءِ في داخلي وتقولُ: وأَبْعَدَ ... أَبْعدَ ... أَبْعَدْ
سيمتدُّ هذا الحصار إلى أَن يُحِسَّ المحاصِرُ، مثل المُحَاصَر، أَن الضَجَرْ صِفَةٌ من صفات البشرْ
لا أُحبُّكَ، لا أكرهُكْ ـ قال مُعْتَقَلٌ للمحقّق: قلبي مليء بما ليس يَعْنيك. قلبي يفيض برائحة المَرْيَميّةِ قلبي بريء مضيء مليء، ولا وقت في القلب للامتحان. بلى، لا أُحبُّكَ. مَنْ أَنت حتَّى أُحبَّك؟ هل أَنت بعضُ أَنايَ، وموعدُ شاي، وبُحَّة ناي، وأُغنيّةٌ كي أُحبَّك؟ لكنني أكرهُ الاعتقالَ ولا أَكرهُكْ هكذا قال مُعْتَقَلٌ للمحقّقِ: عاطفتي لا تَخُصُّكَ. عاطفتي هي ليلي الخُصُوصيُّ... ليلي الذي يتحرَّكُ بين الوسائد حُرّاً من الوزن والقافيةْ
جَلَسْنَا بعيدينَ عن مصائرنا كطيورٍ تؤثِّثُ أَعشاشها في ثُقُوب التماثيل أَو في المداخن، أو في الخيام التي نُصِبَتْ في طريق الأمير إلي رحلة الصَيّدْ...
على طَلَلي ينبتُ الظلُّ أَخضرَ والذئبُ يغفو علي شَعْر شاتي ويحلُمُ مثلي، ومثلَ الملاكْ بأنَّ الحياةَ هنا ... لا هناكْ
الأساطير ترفُضُ تَعْديلَ حَبْكَتها رُبَّما مَسَّها خَلَلٌ طارئٌ ربما جَنَحَتْ سُفُنٌ نحو يابسةٍ غيرِ مأهولةٍ، فأصيبَ الخياليُّ بالواقعيِّ، ولكنها لا تغيِّرُ حبكتها. كُلَّما وَجَدَتْ واقعاً لا يُلائمها عدَّلَتْهُ بجرَّافة. فالحقيقةُ جاريةُ النصِّ، حَسْناءُ بيضاءُ من غير سوء ...
إلي شبه مستشرق: ليكُنْ ما تَظُنُّ لنَفْتَرِضِ الآن أَني غبيٌّ، غبيٌّ، غبيٌّ ولا أَلعبُ الجولف لا أَفهمُ التكنولوجيا، ولا أَستطيعُ قيادةَ طيّارةٍ! أَلهذا أَخَذْتَ حياتي لتصنَعَ منها حياتَكَ؟ لو كُنْتَ غيرَكَ، لو كنتُ غيري، لكُنَّا صديقين يعترفان بحاجتنا للغباء. أَما للغبيّ، كما لليهوديّ في تاجر البُنْدُقيَّة قلبٌ، وخبزٌ، وعينان تغرورقان؟
في الحصار، يصير الزمانُ مكاناً تحجَّرَ في أَبَدِهْ في الحصار، يصير المكانُ زماناً تخلَّف عن أَمسه وَغدِهْ
هذه الأرضُ واطئةٌ، عاليةْ أَو مُقَدَّسَةٌ، زانيةْ لا نُبالي كثيراً بسحر الصفات فقد يُصْبِحُ الفرجُ، فَرْجُ السماواتِ، جغْرافيةْ !
الشهيدُ يُوَضِّحُ لي: لم أفتِّشْ وراء المدى عن عذارى الخلود، فإني أُحبُّ الحياةَ علي الأرض، بين الصُنَوْبرِ والتين، لكنني ما استطعتُ إليها سبيلاً، ففتَّشْتُ عنها بآخر ما أملكُ: الدمِ في جَسَدِ اللازوردْ.
الشهيدُ يُحاصِرُني: لا تَسِرْ في الجنازة إلاّ إذا كُنْتَ تعرفني. لا أُريد مجاملةً من أَحَدْ.
الشهيد يُحَذِّرُني: لا تُصَدِّقْ زغاريدهُنَّ. وصدّق أَبي حين ينظر في صورتي باكياً: كيف بدَّلْتَ أدوارنا يا بُنيّ، وسِرْتَ أَمامي. أنا أوّلاً، وأنا أوّلاً !
الشهيدُ يُحَاصرني: لم أُغيِّرْ سوى موقعي وأَثاثي الفقيرِ. وَضَعْتُ غزالاً على مخدعي، وهلالاً على إصبعي، كي أُخفِّف من وَجَعي !
سيمتدُّ هذا الحصار ليقنعنا باختيار عبوديّة لا تضرّ، ولكن بحريَّة كاملة!!.
أَن تُقَاوِم يعني: التأكُّدَ من صحّة القلب والخُصْيَتَيْن، ومن دائكَ المتأصِّلِ: داءِ الأملْ.
وفي ما تبقَّى من الفجر أَمشي إلى خارجي وفي ما تبقّى من الليل أسمع وقع الخطي داخلي.
سلامٌ على مَنْ يُشَاطرُني الانتباهَ إلي نشوة الضوءِ، ضوءِ الفراشةِ، في ليل هذا النَفَقْ.
سلامٌ على مَنْ يُقَاسمُني قَدَحي في كثافة ليلٍ يفيض من المقعدين: سلامٌ على شَبَحي.
إلي قارئ: لا تَثِقْ بالقصيدةِ ـ بنتِ الغياب. فلا هي حَدْسٌ، ولا هي فِكْرٌ، ولكنَّها حاسَّةُ الهاويةْ.
إذا مرض الحبُّ عالجتُهُ بالرياضة والسُخْريةْ وَبفصْلِ المُغنِّي عن الأغنيةْ
أَصدقائي يُعدُّون لي دائماً حفلةً للوداع، وقبراً مريحاً يُظَلِّلهُ السنديانُ وشاهدةً من رخام الزمن فأسبقهم دائماً في الجنازة: مَنْ مات.. مَنْ ؟
الحصارُ يُحَوِّلني من مُغَنٍّ الى . . . وَتَرٍ سادس في الكمانْ!
الشهيدةُ بنتُ الشهيدةِ بنتُ الشهيد وأختُ الشهيدِ وأختُ الشهيدةِ كنَّةُ أمِّ الشهيدِ حفيدةُ جدٍّ شهيد وجارةُ عمِّ الشهيد الخ ... الخ .. ولا نبأ يزعج العالَمَ المتمدِّن، فالزَمَنُ البربريُّ انتهى. والضحيَّةُ مجهولَةُ الاسم، عاديّةٌ، والضحيَّةُ ـ مثل الحقيقة ـ نسبيَّةٌ الخ ... الخ ف
هدوءاً، هدوءاً، فإن الجنود يريدون في هذه الساعة الاستماع إلي الأغنيات التي استمع الشهداءُ إليها، وظلَّت كرائحة البُنّ في دمهم، طازجة.
هدنة، هدنة لاختبار التعاليم: هل تصلُحُ الطائراتُ محاريثَ ؟ قلنا لهم: هدنة، هدنة لامتحان النوايا، فقد يتسرَّبُ شيءٌ من السِلْم للنفس. عندئذٍ نتباري على حُبِّ أشيائنا بوسائلَ شعريّةٍ. فأجابوا: ألا تعلمون بأن السلام مع النَفْس يفتح أبوابَ قلعتنا لِمقَامِ الحجاز أو النَهَوَنْد ؟ فقلنا: وماذا ؟ ... وَبعْد ؟
الكتابةُ جَرْوٌ صغيرٌ يَعَضُّ العَدَمْ الكتابةُ تجرَحُ من دون دَمْ..
فناجينُ قهوتنا. والعصافيرُ والشَجَرُ الأخضرُ الأزرقُ الظلِّ. والشمسُ تقفز من حائط نحو آخرَ مثل الغزالة. والماءُ في السُحُب اللانهائية الشكل في ما تبقَّي لنا من سماء. وأشياءُ أخرى مؤجَّلَةُ الذكريات تدلُّ على أن هذا الصباح قويّ بهيّ، وأَنَّا ضيوف على الأبديّةْ.
رام الله ـ يناير 2002
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله
موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش الخميس 24 يونيو - 13:05:25
القصيدة السابعة والعشرون
فراغ فسيح
محمود درويش - فلسطين
فراغ فسيح. نحاس. عصافير حنطيَّة اللون. صفصافَة. كَسَل. أفق مهْمَل كالحكايا الكبيرة. أَرض مجعَّدة الوجه. صَيْف كثير التثاؤب كالكلب في ظلِّ زيتونة يابس . عرَق في الحجارة. شمس عمودية. لا حياة ولا موت حول المكان . جفاف كرائحة الضوء في القمح لا ماء في البئر و القلب . لا حبَّ في عَمَل الحبِّ... كالواجب الوطنيِّ هو الحبّ. صحراء غير سياحيَّةٍ، غير مرئيَّةٍ خلف هذا الجفاف. جفاف كحرية السجناء بتنظيف أعلامهم من براز الطيور. جفاف كحقِّ النساء بطاعة أزواجهنَّ وهجر المضاجع. لا عشب أَخضر، لا عشب أَصفر. لا لون في مَرَض اللون. كلّ الجهات رمادٌية لا انتظارٌ إذاً للبرابرة القادمين إلينا غداة احتفالاتنا بالوطنْ
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله
موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش الخميس 24 يونيو - 13:18:00
القصيدة التاسعة والعشرون
عندما يبتعد
محمود درويش - فلسطين
للعدوّ الذي يشرب الشاي في كوخنا فرسٌ في الدخان. وبنتٌ لها حاجبان كثيفان. عينان بنّيتان. وشعرٌ طويلٌ كليل الأغاني على الكتفين. وصورتها لا تفارقه كلّما جاءنا يطلب الشاي. لكنّه لا يحدّثنا عن مشاغلها في المساء، وعن فرسٍ تركته الأغاني على قمّة التلّ... ... في كوخنا يستريح العدوّ من البندقيّة، يتركها فوق كرسيّ جدّي. ويأكل من خبزنا مثلما يفعل الضيف. يغفو قليلاً على مقعد الخيزران. ويحنو على فرو قطّتنا. ويقول لنا دائمًا: لا تلوموا الضحيّة! نسأله: من هي ؟ فيقول: دمٌ لا يجفّفه الليل.../ ... تلمع أزرار سترته عندما يبتعد عم مساءً! وسلّم على بئرنا وعلى جهة التين. وامش الهوينى على ظلّنا في حقول الشعير. وسلّم على سرونا في الأعالي. ولا تنس بوّابة البيت مفتوحةً في الليالي. ولا تنس خوف الحصان من الطائرات، وسلّم علينا، هناك إذا اتّسع الوقت.../ هذا الكلام الذي كان في ودّنا أن نقول على الباب... يسمعه جيّدًا جيّدًا، ويخبّئه في السّعال السريع ويلقي به جانبًا. فلماذا يزور الضحيّة كلّ مساءٍ ؟ ويحفظ أمثالنا مثلنا، ويعيد أناشيدنا ذاتها، عن مواعيدنا ذاتها في المكان المقدّس ؟ لولا المسدس لاختلط الناي في الناي ... ... لن تنتهي الحرب ما دامت الأرض فينا تدور على نفسها! فلنكن طيّبين إذًا. كان يسألنا أن نكون هنا طيّبين. ويقرأ شعرًا لطيّار (ييتس): أنا لا أحبّ الذين أدافع عنهم، كما أنني لا أعادي الذين أحاربهم... ثم يخرج من كوخنا الخشبيّ، ويمشي ثمانين مترًا إلى بيتنا الحجريّ هناك على طرف السّهل.../ سلّم على بيتنا يا غريب. فناجين قهوتنا لا تزال على حالها. هل تشمّ أصابعنا فوقها ؟ هل تقول لبنتك ذات الجديلة والحاجبين الكثيفين إنّ لها صاحبًا غائبًا، يتمنّى زيارتها، لا لشيءٍ... ولكن ليدخل مرآتها ويرى سرّه: كيف كانت تتابع من بعده عمره بدلاً منه؟ سلّم عليها إذا اتّسع الوقت... هذا الكلام الذي كان في ودّنا أن نقول له، كان يسمعه جيّدًا جيّدًا، ويخبّئه في سعالٍ سريع، ويلقى به جانبًا، ثم تلمع أزرار سترته، عندما يبتعد...
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله
موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش السبت 10 يوليو - 18:05:54
القصيدة الخامسة والثلاثون
يختارني الإيقاعُ ، يشرقُ بي
محمود درويش - فلسطين
أنا رَجْعُ الكمان، ولستُ عازِفَهُ أنا في حضرة الذكرى صدى الأشياء تنطقُ بي ...فأنطقُ كُلَّما أصغيتُ للحجرِ استمعتُ الى هديلِ يَمامةٍ بيضاءَ تشهَق بي: أخي! أنا أُخْتُكَ الصُّغْرى، فأَذرف باسمها دَمْعَ الكلامِ وكُلَّما أَبْصَرْتُ جذْعَ الزّنْزَلخْتِ على الطريق الى الغمامِ، سمعتُُ قلبِ الأُمِّ يخفقُ بي: أنا امرأة مُطلَّقةٌ، فألعن باسمها زيزَ الظلامِ وكُلَّما شاهدتُ مرآةً على قمرٍ رأيتُ الحبّ شيطاناً يُحَمْلِقُ بي: أنا ما زلْتُ موجوداً ولكن لن تعود كما تركتُك لن تعود، ولن أعودَ فيكملُ الإيقاعُ دَوْرَتَهُ
ويشرَقُ بي...
عدل سابقا من قبل عبد القدوس في السبت 10 يوليو - 18:13:47 عدل 1 مرات
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله
موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش السبت 10 يوليو - 18:07:49
القصيدة السادسة والثلاثون
لي حكمة المحكوم بالإعدام
محمود درويش - فلسطين
ليَ حكمةُ المحكوم بالإعدامِ: لا أشياءَ أملكُها لتملكني، كتبتُ وصيَّتي بدمي: "ثِقُوا بالماء يا سُكّان أُغنيتي!" ونِمْتُ مُضرّجاً ومتوَّجاً بغدي... حلِمْتُ بأنّ قلب الأرض أكبرُ من خريطتها، وأوضحُ من مراياها ومِشْنَقتي. وهِمْتُ بغيمةٍ بيضاء تأخذني الى أعلى كأنني هُدْهُدٌ، والريحُ أجنحتي. وعند الفجر، أَيقظني نداءُ الحارس الليليِّ من حُلْمي ومن لغتي: ستحيا ميتةً أخرى، فعدِّلْ في وصيّتك الأخيرة، قد تأجَّل موعدُ الإعدام ثانيةً سألت: الى متى؟ قال: أنتظر لتموت أكثر قلتُ: لا أشياء أملكها لتملكني كتبتُ وصيّتي بدمي: "ثِقُوا بالماء يا سُكّان أغنيتي!" وأنا، وإن كنت الأخير وأنا، وإن كُنْتُ الأخيرَ، وجدْتُ ما يكفي من الكلماتِ... كلُّ قصيدةٍ رسمٌ سأرسم للسنونو الآن خارطةَ الربيعِ وللمُشاة على الرصيف الزيزفون وللنساء اللازوردْ... وأنا، سيحمِلُني الطريقُ وسوف أحملُهُ على كتفي الى أن يستعيدَ الشيءُ صورتَهُ، كما هي، واسمَه الأصليّ في ما بعد/ كلُّ قصيدة أُمٌّ تفتش للسحابة عن أخيها قرب بئر الماء: "يا ولدي! سأعطيك البديلَ فإنني حُبْلى..."/ وكُلُّ قصيدة حُلمٌ: "حَلِمْتُ بأنّ لي حلماً" سيحملني وأحملُهُ الى أن أكتب السطر الأخيرَ على رخام القبرِ: "نِمْتُ... لكي أطير" ... وسوف أحمل للمسيح حذاءَهُ الشتويَّ كي يمشي، ككُلِّ الناس،
من أعلى الجبال... الى البحيرة
عدل سابقا من قبل عبد القدوس في السبت 10 يوليو - 18:12:20 عدل 1 مرات
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله
موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش السبت 10 يوليو - 18:09:02
القصيدة السابعة والثلاثون
في بيت أمي
محمود درويش - فلسطين
في بيت أُمِّي صورتي ترنو إليّ ولا تكفُّ عن السؤالِ: أأنت، يا ضيفي، أنا؟ هل كنتَ في العشرين من عُمري، بلا نظَّارةٍ طبيةٍ، وبلا حقائب؟ كان ثُقبٌ في جدار السور يكفي كي تعلِّمك النجومُ هواية التحديق في الأبديِّ... (ما الأبديُّ؟ قُلتُ مخاطباً نفسي) ويا ضيفي... أأنتَ أنا كما كنا؟ فمَن منا تنصَّل من ملامحِهِ؟ أتذكُرُ حافرَ الفَرَس الحرونِ على جبينكَ أم مسحت الجُرحَ بالمكياج كي تبدو وسيمَ الشكل في الكاميرا؟ أأنت أنا؟ أتذكُرُ قلبَكَ المثقوبَ بالناي القديم وريشة العنقاء؟ أم غيّرتَ قلبك عندما غيّرتَ دَربَكَ؟ قلت: يا هذا، أنا هو أنت لكني قفزتُ عن الجدار لكي أرى ماذا سيحدث لو رآني الغيبُ أقطِفُ من حدائقِهِ المُعلَّقة البنفسجَ باحترامً... ربّما ألقى السلام، وقال لي: عُدْ سالماً... وقفزت عن هذا الجدار لكي أرى ما لا يُرى
وأقيسَ عُمْقَ الهاويةْ
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله
موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش الأحد 11 يوليو - 3:09:46
القصيدة الثامنة والثلاثون
لا ينظرون وراءهم
محمود درويش - فلسطين
لا ينظرون وراءهم ليودِّعوا منفى، فإنَّ أمامهم منفى، لقد ألِفوا الطريق الدائريَّ، فلا أمام ولا وراء، ولا شمال ولا جنوب. "يهاجرون" من السياج الى الحديقة. يتركون وصيةً في كل مترٍ من فناء البيت: "لا تتذكروا من بعدنا إلا الحياة"... "يسافرون" من الصباح السندسي الى غبارٍ في الظهيرة، حاملين نُعوشَهُم ملأى بأشياء الغياب: بطاقة شخصية، ورسالةٍ لحبيبةٍ مجهولةِ العنوانِ: "لا تتذكري من بعدنا إلا الحياة" و"يرحلون" من البيوت الى الشوارع، راسمين إشارة النصر الجريحة، قائلين لمن يراهُمْ: "لم نَزَلْ نحيا، فلا تتذكّرونا"! يخرجون من الحكاية للتنفُّس والتشمُّس. يحلُمون بفكرةِ الطيرانِ أعلى... ثم أعلى. يصعدون ويهبطون. ويذهبون ويرجعون. ويقفزون من السيراميك القديم الى النجوم. ويرجعون الى الحكاية... لا نهاية للبدايةِ. يهربون من النعاس الى ملاك النوم، أبيضَ، أحمرَ العينين من أثر التأمُّل في الدم المسفوك: "لا تتذكروا من بعدنا
إلا الحياة"...
عدل سابقا من قبل عبد القدوس في الأحد 11 يوليو - 3:17:07 عدل 1 مرات
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله
موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش الأحد 11 يوليو - 3:11:36
القصيدة التاسعة والثلاثون
الظل
محمود درويش - فلسطين
الظلُّ، لا ذَكرٌ ولا أنثى رماديٌّ، ولو أشعلْتُ فيه النارَ... يتبعُني، ويكبرُ ثُمَّ يصغرُ كنت أمشي. كان يمشي كنت أجلسُ. كان يجلسُ كنت أركضُ. كان يركضُ قلتُ: أخدعُهُ وأخلعُ معطفي الكُحْليَّ ...قلَّدني، وألقي عنده معطفَهُ الرماديَّ... استدَرْتُ الى الطريق الجانبيةِ .فاستدار الى الطريق الجانبية. قلتُ: أخدعُهُ وأخرجُ من غروب مدينتي فرأيتُهُ يمشي أمامي ...في غروب مدينةٍ أخرى... فقلت: أعود مُتّكئاً على عكازتين فعاد متكئاً على عكازتين ،فقلت: أحمله على كتفيَّ، ...فاستعصى... فقلتُ: إذنْ، سأتبعُهُ لأخدعهُ سأتبعُ ببغاء الشكل سخريةً أقلِّد ما يُقلِّدني لكي يقع الشبيهُ على الشبيه
فلا أراهُ، ولا يراني.
عدل سابقا من قبل عبد القدوس في الأحد 11 يوليو - 3:14:02 عدل 1 مرات
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله
موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش الأحد 11 يوليو - 3:12:44
القصيدة الاربعون
هو هادئٌ ، وأنا كذلك
محمود درويش - فلسطين
هوَ هادئٌ، وأنا كذلك يحتسي شاياً بليمونٍ، وأشربُ قهوةً، هذا هو الشيءُ المغايرُ بيننا. هوَ يرتدي، مثلي، قميصاً واسعاً ومُخططاً وأنا أطالعُ، مثلَهُ، صُحُفَ المساءْ. هو لا يراني حين أنظرُ خلسةً، أنا لا أراه حين ينظرُ خلسةً، هو هادئٌ، وأنا كذلك. يسألُ الجرسون شيئاً، أسألُ الجرسونَ شيئاً... قطةٌ سوداءُ تعبُرُ بيننا، فأجسّ فروةَ ليلها ويجسُّ فروةَ ليلها... أنا لا أقول لَهُ: السماءُ اليومَ صافيةٌ وأكثرُ زرقةً. هو لا يقول لي: السماءُ اليوم صافيةٌ. هو المرئيُّ والرائي أنا المرئيُّ والرائي. أحرِّكُ رِجْليَ اليُسرى يحرك رجلَهُ اليُمنى. أدندنُ لحن أغنيةٍ، يدندن لحن أغنية مشابهةٍ. أفكِّرُ: هل هو المرآة أبصر فيه نفسي؟ ثم أنظر نحو عينيه، ولكن لا أراهُ... فأتركُ المقهى على عجلٍ. أفكّر: رُبَّما هو قاتلٌ، أو رُبما هو عابرٌ قد ظنَّ أني قاتلٌ
هو خائفٌ، وأنا كذلك!
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله
موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش الإثنين 12 يوليو - 17:33:51
القصيدة الخامسة والاربعون
مقهى وأنت مع الجريدة
محمود درويش - فلسطين
مقهى، وأنت مع الجريدة جالس لا، لست وحدك. نصف كأسك فارغ والشمس تملأ نصفها الثاني ...
ومن خلف الزجاج تري المشاة المسرعين ولا تُرى [إحدي صفات الغيب تلك: ترى ولكن لا تُرى] كم أنت حر أيها المنسي في المقهى! فلا أحدٌ يرى أثر الكمنجة فيك، لا أحدٌ يحملقُ في حضورك أو غيابك، أو يدقق في ضبابك إن نظرت إلى فتاة وانكسرت أمامها.. كم أنت حر في إدارة شأنك الشخصي في هذا الزحام بلا رقيب منك أو من قارئ! فاصنع بنفسك ما تشاء، إخلع قميصك أو حذاءك إن أردت، فأنت منسي وحر في خيالك، ليس لاسمك أو لوجهك ههنا عمل ضروريٌ. تكون كما تكون ... فلا صديق ولا عدو يراقب هنا ذكرياتك / فالتمس عذرا لمن تركتك في المقهى لأنك لم تلاحظ قَصَّة الشَّعر الجديدة والفراشات التي رقصت علي غمازتيها / والتمس عذراً لمن طلب اغتيالك، ذات يوم، لا لشيء... بل لأنك لم تمت يوم ارتطمت بنجمة.. وكتبت أولى الأغنيات بحبرها... مقهى، وأنت مع الجريدة جالسٌ في الركن منسيّا، فلا أحد يهين مزاجك الصافي، ولا أحدٌ يفكر باغتيالك كم انت منسيٌّ وحُرٌّ في خيالك!
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله
موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش الإثنين 12 يوليو - 17:36:16
القصيدة السادسة والاربعون
هو لا غيره
محمود درويش - فلسطين
هو، لا غيره، من ترجل عن نجمة لم تصبه بأيّ أذى. قال: أسطورتي لن تعيش طويلاً ولا صورتي في مخيلة الناس / فلتمتحني الحقيقة قلت له: إن ظهرت انكسرت، فلا تنكسر قال لي حُزْنُهُ النَّبٌَّوي: إلي أين أذهب؟ قلت إلى نجمة غير مرئية أو إلى الكهف/ قال يحاصرني واقع لا أجيد قراءته قلت دوّن إذن، ذكرياتك عن نجمة بعُدت وغد يتلكأ، واسأل خيالك: هل كان يعلم أن طريقك هذا طويل؟ فقال: ولكنني لا أجيد الكتابة يا صاحبي! فسألت: كذبت علينا إذاً؟ فأجاب: على الحلم أن يرشد الحالمين كما الوحي / ثم تنهد: خذ بيدي أيها المستحيل! وغاب كما تتمنى الأساطير / لم ينتصر ليموت، ولم ينكسر ليعيش فخذ بيدينا معاً، أيها المستحيل !
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله
موضوع: رد: مساحة للشاعر محمود درويش الإثنين 12 يوليو - 17:37:45
القصيدة السابعة والاربعون
برتقالية
محمود درويش - فلسطين
برتقالية، تدخل الشمس في البحر / والبرتقالة قنديل ماء على شجر بارد
برتقالية، تلد الشمس طفل الغروب الإلهيَّ / والبرتقالة خائفة من فم جائع
برتقالية، تدخل الشمس في دورة الأبدية / والبرتقالة تحظى بتمجيد قاتلها: تلك الفاكهة مثل حبة الشمس تقَشرُ باليد والفم، مبحوحة الطعم ثرثارة العطر سكرى بسائلها... لونها لا شبيه له غيرها، لونها صفة الشمس في نومها لونها طعمها: حامض سكري، غني بعافية الضوء والفيتامين c..
وليس على الشعر من حرج إن تلعثم في سرده، وانتبه إلى خلل رائع في الشبه
عبد الكريم. سفراء المنتدى
عدد المساهمات : 3793تاريخ التسجيل : 22/05/2009 الموقع : اتمني ان يكون الجنة المزاج : مرح والحمد لله