مـــى نائبة المدير
عدد المساهمات : 11237 تاريخ التسجيل : 20/04/2009 العمر : 34 الموقع : من بلادى (مصر) المزاج : كلون تراب ارضـــى
بطاقة الشخصية الوطن: مصر حالتك في المنتدى:
| موضوع: معنى الصلاة من الله على عبــده الجمعة 14 مايو - 14:53:16 | |
| مقالات مختارة من كتب ابن القيم | و أما صلاة الله سبحانه على عبده فنوعان, عامة و خاصة.
أما العامة: فهي صلاته على عباده المؤمنين, قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}الأحزاب: الآية43, ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على آحاد المؤمنين, كقوله: " اللهم صل على آل أبي أوفى", وفي حديث آخر: أن امرأة قالت له: صل علي زوجي, قال: " صلى الله عليك و على زوجك" وسيأتي ذكر هذا الحديث وما شابهه إن شاء الله تعالى. النوع الثاني: صلاته الخاصة على أنبيائه ورسله, خصوصا على خاتمهم و خيرهم محمد صلى الله عليه وسلم
فاختلف الناس في معنى الصلاة منه سبحانه على أقوال:
أحدها: أنها رحمته. قال إسماعيل: حدثنا نصر بن علي, حدثنا محمد بن سواء, عن جويبر عن الضحاك قال: "صلاة الله رحمته وصلاة الملائكة الدعاء". وقال المبرد: " أصل الصلاة الرحمة, فهي ممن الله رحمة, ومن الملائكة رقة واستدعاء الرحمة من الله, وهذا لقول هو المعروف عند كثير من المتأخرين".
والقول الثاني: " أن صلاة الله مغفرته". قال إسماعيل: " حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا محمد بن سواء, عن جويبر, عن الضحاك, {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}الأحزاب:43 قال: "صلاة الله مغفرته, و صلاة الملائكة الدعاء". وهذا القول هو من جنس الذي قبله, وهما ضعيفان لوجوه: أحدها: أن الله سبحانه فرق بين صلاته على عباده, و رحمته, فقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}البقرة:157, فعطف الرحمة على الصلاة, فاقتضى ذلك تغايرهما هذا أصل العطف, و أما قولهم: و ألفى قولها كذبا ومينا
فهو شاذ نادر, لا يحمل عليه أفصح الكلام, مع أن المين أخص من الكذب.
الوجه الثاني: أن صلاة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله و عباده المؤمنين, و أما رحمته فوسعت كل شيء, فليست الصلاة مرادفة للرحمة, لكن الرحمة من لوزام الصلاة وموجباتها وثمراتها, فمن فسرها بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمرتها ومقصودها, و هذا كثيرا ما يأتي في تفسير ألفاظ القرآن, و الرسول صلى الله عليه وسلم يفسر اللفظة بلازمها و جزء معناها, كتفسير الريب بالشك, والشك جزء مسمى الريب, و تفسير المغفرة بالستر, وهو جزء مسمى المغفرة, و تفسير الرحمة بإرادة الإحسان, وهو لازم الرحمة, ونظائر ذلك كثيرة, قد ذكرناها في أصول التفسير. الوجه الثالث: أنه لا خلاف في جواز الرحمة على المؤمنين, واختلف السلف في جواز الصلاة على غير الأنبياء على ثلاثة أقوال, سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى, فعلم أنهما ليسا بمترادفين. الوجه الرابع: أنه لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال الأمر, وأسقطت الوجوب عند من أوجبها إذا قال: " اللهم ارحم محمدا و آل محمد" و ليس الأمر كذلك. الوجه الخامس: أنه لا يقال لمن رحم غيره ورق عليه فأطعمه أو سقاه أو كساه أنه صلى عليه, و يقال: إنه قد رحمه. الوجه الخامس: أن الإنسان قد يرحم من يبغضه و يعاديه, فيجد في قلبه له الرحمة ولا يصلي عليه. الوجه السابع: أن الصلاة لا بد فيها من كلام, فهي ثناء من المصلي على من يصلي عليه, وتنويه به, و إشارة لمحاسنه ومناقبه و ذكره.
ذكر البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة. وقال إسماعيل في كتابه: حدثنا نصر بن علي, حدثنا خالد بن يزيد, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب:56, قال: صلاة الله عز وجل ثناؤه عليه, وصلاة الملائكة عليه الدعاء. الوجه الثامن: أن سبحانه فرق بين صلاته وصلاة ملائكته وجمعهما في فعل واحد, فقال: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} و هذه الصلاة لا يجوز أن تكون هي الرحمة, وإنما هي ثنؤها سبحانه وثناء ملائكته عليه, ولا يقال الصلاة لفظ مشترك, و يجوز أن يستعمل في معنييه معا, لأن في ذلك محاذير متعددة: أحدها: أن الاشتراك خلاف الأصل, بل لا يعلم أنه وقع في اللغة من واضع واحد, كما نص على ذلك أئمة اللغة, منهم المبرد و غيره, و إنما يقع وقوعا عارضا اتفاقيا بسبب تعدد الواضعين, ثم تختلط اللغة فيقع الاشتراك. الثاني: أن الأكثرين لا يجوزون استعمال اللفظ المشترك في معنييه لا بطريق الحقيقة و لا بطريق المجاز, وما حكي عن الشافعي رضي الله عنه من تجويزه ذلك فليس بصحيح عنه, و إنما أخذ من قوله: إذا أوصى لمواليه وله موال من فوق ومن أسفل تناول جميعهم. فظن من ظن أن لفظ المولى مشترك بينهما, أنه عند التجرد يحمل عليهما, و هذا ليس بصحيح فإن لفظ المولى من الألفاظ المتواطئة فالشافعي في ظاهر مذهبه و أحمد يقولان بدخول نوعي الموالي في هذا اللفظ, وهو عنده عام متواطئ لا مشترك.
و أما ما حكي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال في مفاوضة جرت له في قوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}النساء: من الآية43, و قد قيل له: قد يراد بالملامسة المجامعة قال: " هي محمولة على الجس باليد حقيقة, وعلى الوقاع مجازا, فهذا لا يصح عن الشافعي و لا هو من جنس المألوف من كلامه, و إنما هذا الكلام بعض الفقهاء المتأخرين, و قد ذكرنا على إبطال استعمال اللفظ المشترك في معنييه معا بضعة عشر دليلا في مسألة القرء في كتاب التعليق على الأحكام. فإذا كان معنى الصلاة : هو الثناء على الرسول والعناية به, و إظهار شرفه و فضله و حرمته, كما هو المعروف من هذه اللفظة, لم يكن لفظ الصلاة في الآية مشتركا محمولا على معنييه, بل يكون مستعملا في معنى واحد, وهذا هو الأصل في الألفاظ. وسنعود إلى هذه المسألة إن شاء الله تعالى في الكلام على تفسير قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}الأحزاب: الآية56. الوجه التاسع: أن الله سبحانه أمر بالصلاة عليه عقب إخباره بأنه وملائكته يصلون عليه, والمعنى: أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسوله فصلوا أنتم أيضا عليه, فأنتم أحق بأن تصلوا عليه وتسلموا تسليما, لما نالكم ببركة رسالته ويمن سفارته من خير شرف الدنيا والآخرة, ومن المعلوم أنه لو عبر عن هذا المعنى بالرحمة لم يحسن موقعه ولم يحسن النظم, فينقض اللفظ والمعنى, فإن التقدير يصير إلى: أن الله وملائكته ترحم ويستغفرون لنبيه, فادعوا أنتم له وسلموا, و هذا ليس مراد الآية قطعا, بل الصلاة المأمور بها فيها هي طلب من الله ما أخبر به عن صلاته و صلاة ملائكته, وهي ثناء عليه وإظهار لفضله و شرفه و إرادة تكريمه وتقريبه, فهي تتضمن الخبر والطلب, وسمي هذا السؤال و الدعاء منا نحن صلاة عليه, لوجهين:
أحدهما: أنه يتضمن ثناء المصلي عليه, و الإشارة بذكر شرفه وفضله, والإرادة و المحبة كذلك من الله تعالى, فقد تضمنت الخبر والطلب. والوجه الثاني: أن ذلك سمي منا صلاة لسؤالنا من الله أن يصلي عليه, فصلاة الله عليه ثناؤه و إرادته لرفع ذكره و تقريبه, و صلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به, و ضد هذا في لعنة أعدائه الشانئين لما جاء به, فإنها تضاف إلى الله, و تضاف إلى العبد, كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ}البقرة:159, فلعنه الله لهم تتضمن ذمه و إبعاده و بغضه لهم, و لعنة العبد تتضمن سؤال الله تعالى أن يفعل ذلك بمن هو أهل للعنته. وإذا ثبت هذا فمن المعلوم أنه لو كانت الصلاة هي رحمة لم يصح أن يقال لطالبها من الله مصليا, و إنما يقال له مسترحما له, كما يقال لطالب لمغفرة مستغفرا له, و لطالب العطف مستعطفا ونظائره, و لهذا لا يقال لمن سأل الله المغفرة لغيره قد غفر له, فهو غافر, ولا لمن سأله العفو عنه, قد عفا عنه, وهنا قد سمي العبد مصليا, فلو كانت الصلاة هي الرحمة لكان العبد راحما لمن صلى عليه, و كان قد رحمه برحمة, ومن رحم النبي صلى الله عليه وسلم مرة رحمه الله بها عشرا, و هذا معلوم البطلان. فإن قيل: ليس معنى صلاة العبد عليه صلى الله عليه وسلم رحمته, و إنما معناها طلب الرحمة من الله. قيل: هذا باطل من وجوه:
أحدها: أن طلب الرحمة مشروع لكل مسلم, و طلب الصلاة من الله يختص رسله صلوات الله و سلامه عليهم عند كثير من الناس كما سنذكره إن شاء الله تعالى. الثاني: أنه لو سمي طالب الرحمة مصليا, لسمي طالب المغفرة غافرا, و طالب العفو عافيا, و طالب الصفح صافحا ونحوه. فإن قيل: فأنتم قد سميتم طالب الصلاة من الله مصليا. قيل: إنما سمي مصليا لوجود حقيقة الصلاة منه, فإن حقيقتها الثناء و إرادة الإكرام و التقريب و إعلاء المنزلة وهذا حاصل من صلاة العبد, لكن العبد يريد ذلك من الله عز وجل, و الله سبحانه يريد ذلك من نفسه أن يفعله برسوله صلى الله عليه وسلم. وأما على الوجه الثاني, و أنه سمي مصليا لطلبه ذلك من الله, فلأن الصلاة نوع من الكلام الطلبي والخبري والإرادة, و قد وجد ذلك من المصلي، بخلاف الرحمة و المغفرة, فإنها أفعال لا تحصل من الطالب, و إنما تحصل من المطلوب منه, و الله أعلم. الوجه العاشر: أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا, و أن الله سبحانه وتعالى قال له: " إنه من صلى عليك من أمتك مرة صليت عليه بها عشرا" و هذا موافق للقاعدة المستقرة في الشريعة أن جزاء من جنس العمل, فصلاة الله على المصلي على رسوله جزاء لصلاته هو عليه, ومعلوم أن صلاة العبد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست هي رحمة من العبد لتكون صلاة الله عليه من جنسها, و إنما هي ثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم و إرادة من الله أن يعلي ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا, والجزاء من جنس العمل, فمن أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاه الله من جنس عمله بأن يثني عليه ويزيد تشريفه و تكريمه, فصح ارتباط الجزاء بالعمل ومشاكلته له ومناسبة له, كقوله: "من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا و الآخرة, ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخرة, ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه, ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة". " ومن سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار". "ومن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة صلى الله عليه بها عشرا" ونظائره كثيرة. الوجه الحادي عشر: أن أحدا لو قال عن رسول الله "رحمه الله" أو قال: " رسول الله رحمه الله" بدل صلى الله عليه وسلم لبادرت الأمة إلى الإنكار عليه وعدّوه مبتدعا غير موقر للنبي صلى الله عليه وسلم ولا مصل عليه, و لا مثن عليه بما يستحقه, و لا يستحق أن يصلي الله عليه بذلك عشر صلوات, و لو كانت الصلاة من الله الرحمة لم يمتنع شيء من ذلك. الوجه الثاني عشر: أن الله سبحانه وتعالى قال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا}النور: الآية63., فأمر سبحانه أن لا يدعى رسوله بما يدعو الناس بعضهم بعضا, بل يقال: يا رسول الله, ولا يقال: يا محمد, و إنما كان يسميه باسمه وقت الخطاب الكفار, و أما المسلمون فكانوا يخاطبونه برسول الله. و إذا كان هذا في خطابه, فهكذا في مغيبه لا ينبغي أن يجعل ما يدعى به له من جنس ما يدعو به بعضنا لبعض, بل يدعو له بأشرف الدعاء وهو الصلاة عليه. ومعلوم أن الرحمة يدعى بها لكل مسلم, بل و لغير الآدمي من الحيوانات, كما في دعاء الاستسقاء: " اللهم ارحم عبادك وبلادك وبهائمك". الوجه الثالث عشر: أن هذه اللفظة لا تعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة أصلا, والمعروف عند العرب من معناها إنما هو الدعاء والتبريك و الثناء, قال: وإن ذكرت صلى عليها وزمزما
أي برك عليها ومدحها, ولا تعرف العرب قط" صلى عليه" بمعنى رحمه" فالواجب حمل اللفظ على معناه المتعارف في اللغة. الوجه الرابع عشر: أنه يسوغ بل يستحب لكل واحد أن يسأل الله أن يرحمه, فيقول: اللهم ارحمني, كما علم النبي صلى الله عليه وسلم الداعي أن يقول: " اللهم اغفر لي و ارحمني وعافني, و ارزقني", فلما حفظها قال: " أما هذا فقد ملأ يديه من الخير. ومعلوم أنه لا يسوغ لأحد أن يقول: " اللهم صل علي" بل الداعي بهذا معتد في دعائه, و الله لا يحب المعتدين, بخلاف سؤاله الرحمة, فإن الله يحب أن يسأله عبده مغفرته ورحمته, فعلم أنه ليس معناهما واحدا.
الوجه الخامس عشر: أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة لا يحسن أن تقع فيها الصلاة, كقوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}لأعراف: الآية156. وقوله: " إن رحمتي سبقت غضبي". وقوله تعالى:{ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}لأعراف: الآية56, و قوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}الأحزاب: الآية43, و قوله: {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}التوبة: الآية117. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها", وقوله: " ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء", و قوله" من لا يرحم لا يُرحم" وقوله: " لا تنزع الرحمة إلا من شقي", و قوله: " والشاة إن رحمتها رحمك الله". فمواضع استعمال الرحمة في حق الله و في حق العباد لا يحسن أن تقع الصلاة في كثير منها, بل في أكثرها, فلا يصح تفسير الصلاة بالرحمة, والله أعلم. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ}الأحزاب: الآية56, قال يباركون عليه, وهذا لا ينافي تفسيرها بالثناء و إرادة التكريم و التعظيم, فإن التبريك من الله يتضمن ذلك, و لهذا قرن بين الصلاة عليه و التبريك عليه, وقالت الملائكة لإبراهيم: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}هود: الآية73, وقال المسيح: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ}مريم: الآية31, قال غير واحد من السلف: ملما للخير أينما كنت, و هذا جزء المسىَّ, فالمبارك كثير الخير في نفسه الذي يحصله لغيره تعليما و إقدارا و نصحا و إرادة و اجتهاد, و الله تعالى متبارك لأن البركة كلها منه, فعبده المبارك فيه و جعله كذلك, والله تعالى متبارك لأن البركة كلها منه, فعبده المبارك وهو المتبارك{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}الفرقان:1,وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}الملك:1, وسنعود إلى هذا المعنى عن قريب إن شاء الله تعالى. وقد رد طائفة من الناس تفسير الصلاة من الله بالرحمة, بأن قال: معناها: رقة الطبع. وهي مستحيلة في حق الله سبحانه, كما أن الدعاء منه سبحانه مستحيل. وهذا الذي قاله هذا عَرق عِرق جهمي ينض من قبله على لسانه, وحقيقته إنكار رحمة الله جملة, وكان جهم يخرج إلى الجذمى ويقول: أرحم الراحمين يفعل هذا! إنكارا لرحمته سبحانه. وهذا الذي ظنه هذا القائل هو شبهة منكري صفات الرب سبحانه وتعالى, فإنهم قالوا: الإرادة حركة النفس لجلب ما ينفعها ودفع ما يضرها, و الرب تعالى يتعالى عن ذلك فلا إرادة له, و الغضب غليان دم القلب طلب للانتقام, والرب منزه عن ذلك, فلا غضب له وسلكوا هذا المسلك الباطل في حياته و كلامه وسائر صفاته, وهو من أبطل الباطل فإنه أخذ في مسمى الصفة خصائص المخلوق, ثم نفاها جملة عن الخالق, وهذا في غاية التلبيس و الإضلال فإن الخاصة التي أخذها في الصفة لم يثبت لها لذاتها, وإنما يثبت لها بإضافتها إلى المخلوق الممكن, ومعلوم أن نفي خصائص صفات المخلوقين عن الخالق لا يقتضي نفي أصل الصفة عنه سبحانه, و لا إثبات أصل الصفة له يقتضي إثبات خصائص المخلوق له, كما أن نفي عن صفات الرب تعالى من النقائص والتشبيه لا يقتضي نفيه عن صفة المخلوق, ولا ما ثبت لها من الوجوب والقدم و الكمال يقتضي ثبوته للمخلوق, ولا ما ثبت لها من الوجوب و القدم والكمال يقتضي ثبوته للمخلوق, و لا إطلاق الصفة على الخالق والمخلوق, و هذا مثل الحياة و العلم, فإن حياة العبد تعرض له النسيان والجهل المضاد له, وهذا محال في حياة الرب و علمه, فمن نفى علم الرب وحياته لما يعرض فيهما للمخلوق فقد أبطل, وهو نظير نفي من نفى رحمة الرب و علمه, فمن نفى رحمة الرب عنه لما يعرض في رحمة المخلوق من رقة الطبع, وتوهم المتوهم أنه لا تعقل رحمة إلا هكذا, نظير توهم المتوهم أنه لا يعقل علم ولا حياة و لا إرادة إلا مع خصائص المخلوق. وهذا الغلط منشؤه إنما هو توهم صفة المخلوق المقيدة به أولا, وتوهم أن إثباتها لله هو مع هذا القيد, وهذان وهمان باطلان, فإن الصفة الثابتة لله مضافة إليه لا يتوهم فيها شيء من خصائص المخلوقين, لا في لفظها ولا في ثبوت معناها, و كل من نفى عن الرب تعالى صفة من صفاته لهذا الخيال الباطل, لزمه نفي جميع صفات كماله, لأنه لا يعقل منها إلا صفة المخلوق, بل و يلزمه نفي ذاته, لأنه لا يعقل من الذوات إلا الذوات المخلوقة. ومعلوم أن الرب سبحانه و تعالى لا يشبهه شيء منها, و هذا الباطل قد التزمه غلاة المعطلة, وكلما أوغل النافي في نفيه كان قوله أشد تناقضا وأظهر بطلانا, ولا يسلم على محك العقل الصحيح الذي لا يكذب إلا ما جاءت به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم, كما قال تعالى: { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ } الصافات:159 –160 فنزه سبحانه وتعالى عما يصفه به كل أحد إلا المخلصين من عباده, وهم الرسل ومن اتبعهم, كما قال في الآية الأخرى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الصافات: 182-180, فنزه نفسه عما يصفه به الواصفون و سلم على المرسلين لسلامة ما وصفوه به من كل نقص و عيب, وحمد نفسه إذ هو الموصوف به بصفات الكمال التي يستحق لأجلها الحمد, ومنزه عن كل نقص ينافي كمال حمده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام
|
| |
|