رحلة إلى الدول
الاسكندنافية (1) فنلندا
الحديث عن الأقليات
الإسلامية في دول العالم المختلفة.
نحن نعلم أن الأقلية
المسلمة هي مجموعة من المسلمين تعيش تحت سلطات دولة غير مسلمة وفي وسط
أغلبية غير مسلمة.
أي أنها تعيش في مجتمع لا يكون فيه
الإسلام هو الدين السائد, ومن ثم لا يحظى فيه الإسلام بمؤثرات إيجابية
تساعد على ازدهار مثله ومبادئه, بل على العكس قد يجد فيه الكثير من
الصعوبات التي تعوق تقدمه وأهله, ولا يساعد على تحقيق هويتهم الإسلامية ,
إذ إنه لا يوجد في مثل هذا المجتمع دوافع قوية لتنمية القيم والمعايير
الإسلامية, وقد يعاني المسلمون في حالات كثيرة من محاولات مستميتة للنيل
منهم وإبعادهم عن دينهم.
ولقد غدت عوامل التذويب ومحاربة
الإسلام اليوم أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى باعتبار الإسلام فكرًا
وعقيدة، فالحرب إذن تدخل ضمن إطار الفكر إن الخطة المدروسة حول محنة
الأقليات المسلمة لا يمكن فصلها عن محنة الإسلام ككل لأن مخططات
أعداء الإسلام هي ملاحقة الإسلام وأتباعه في أي مكان وأي زمان, ونحن اليوم
نحاول الكشف عن الأقليات الإسلامية في أحدى الدول الاسكندينافية وهي فنلندا
فهيا بنا إلى هناك.
فنلندا: جمهورية فنلندا، هي إحدى دول
أوروبا الاسكندينافية والتي كانت موضع للصراع بين كل من روسيا والسويد
لفترة كبيرة من الزمن،إلى أن تمكنت من نيل استقلالها في السادس من ديسمبر
عام 1917م.وتتميز فنلندا بكثرة الغابات والبحيرات بها الأمر الذي دعا البعض
لإطلاق اسم البلد الأخضر أو بلد الغابات عليها.
الموقع: تقع فنلندا شمال القارة
الأوربية، تشترك في حدودها الشرقية والشرقية الجنوبية مع روسيا، وفي حدودها
الشمالية الغربية مع السويد، ويفصل خليج بوثنيا بين كل من فنلندا والسويد،
ويفصل خليج فنلندا من الجنوب بينها وبين استونيا ، وتحدها النرويج من
الشمال.
المساحة: تبلغ مساحة فنلندا 338.145
كم2.
عدد السكان: يبلغ عدد السكان حسب آخر
إحصائية لعام 2009م 5.238.460 نسمة.
العاصمة: هلسنكي.
أهم المدن: تامبيري وأولو وتوركو(كانت
توركو العاصمة السابقة للدولة).
المجموعات العرقية: 97.6% من سكان
فنلندا فنلنديون ,بينما 5.6% سويديين,0,11% من السكان هم من الساميين أما
باقي السكان فهم 0,6% من المهاجرين الروس و0,02% من المهاجرين التتار
المسلمين بالإضافة إلى المهاجرين الجدد من أوروبا وإفريقيا وآسيا. يتركز
الفنلنديون ممن يتكلمون السويدية في المناطق الساحلية الغربية والجنوبية
وفي أرخبيل آلاند وقلما يتواجدون في المناطق الداخلية.
اللغة: الفنلندية هي اللغة الرسمية
للبلاد بنسبة 93,4% %، السويدية 5.6%، هذا بالإضافة إلى لغات الأقليات
الأخرى كالروسية، الاستونية والسامية وغيرها.
الديانة:84 % من الفنلنديين ينتمون إلى
للكنيسة الإنجيلية اللوثرية الفنلندية، 1% للكنيسة الفنلندية
الأرثوذكسية,1% من السكان يدينون بالبروتستانتية، الكاثوليكية،
الإسلام واليهودية، إلى جانب 14% بدون ديانة.
عدد المسلمين: يصل عدد المسلمين في
فنلندا إلى قرابة 100ألف نسمة وهم من أعراق من مختلفة" صوماليون6.267, عرب
وعراقيون2.99, أكراد2.560, إيرانيون1.658, أتراك وتتر1.357, ألبان784,
تايلانديون16, جنسيات أخرى522.
نبذة تاريخية
قام الإنسان بالاستيطان في
فنلندا بعد العصر الجليدي، فقد توافد عليها المستوطنين من روسيا في الشرق،
وعدد من الدول المجاورة والتي تعرف بدول البلطيق، وقد شهد التاريخ الفنلندي
العديد من الصراعات بين كل من روسيا والسويد لمحاولة فرض السيطرة على
الأراضي الفنلندية.
عرفت فنلندا كإقليم سويدي منذ العصور
الوسطى أي منذ عام 1284م وفي عام 1323م تم التوصل لمعاهدة يتم بمقتضاها
تقسيم فنلندا بين كل من روسيا والسويد فيكون كل من غرب وجنوب فنلندا تابعًا
للسويد، أما المنطقة الشرقية فتتبع روسيا,ثم أصبحت فنلندا تابعة لروسيا
بعد خسارة السويد الحروب الشمالية بين عامي 1700 م-1721 م أمام روسيا..
بدأت السيطرة السويدية على فنلندا
تتوسع تدريجيًا حيث قامت السويد في عام 1353م بتحويل فنلندا إلى دوقية طبقت
عليها القوانين السويدية، تراجعت القوة السويدية بعد ذلك، وبحلول القرن
الثامن عشر تحولت السيطرة على فنلندا إلى روسيا.
وبعد فترة من الحكم الروسي لفنلندا
تمكنت من نيل استقلالها عام 1917م،ثم اندلعت الحروب الأهلية في فنلندا عام
1918م وذلك بين كل من البيض " الملكيين"، والحمر " الشيوعيين"، وانتهت هذه
الحرب بفوز البيض في مايو 1918م، وتم إعلان الجمهورية بالبلاد عام 1919م.
وقد وقعت فنلندا اتفاق عدم اعتداء مع
الاتحاد السوفيتي عام 1932م، إلا أنه مالبثت أن اندلعت بفنلندا حرب أخرى
عندما قام الاتحاد السوفيتي بشن حرب عليها عام 1939م، خلال الحرب العالمية
الثانية، فوقعت الحرب بين فنلندا والاتحاد السوفيتي مرتين الأولى في الفترة
بين 1939 – 1940، تنازلت فنلندا على إثر ذلك عام 1940م بعشر مساحتها
للاتحاد السوفيتي ولكنها سرعان ما أعلنت عام 1941م نصرة ألمانيا في حربها
ضد الاتحاد السوفيتي.ثم قامت حرب ثانية عام 1941- 1944م، ومن الآثار التي
ترتبت على هذه الحرب تنازل فنلندا عن منطقة كاريالا وعدد من المناطق الأخرى
للاتحاد السوفيتي.
بعد سلسلة الحروب التي خاضتها فنلندا
بدأت الأوضاع بها تستقر حيث حافظت على علاقاتها المتوازنة مع كل من الغرب
والشرق، كما بدأت مرحلة من الاستقرار الاقتصادي،هذا بالإضافة لتحسن الخدمات
الاجتماعية والصحية والتعليم وغيرها من المجالات. وقعت لاحقًا فنلندا
والاتحاد السوفيتي اتفاقية صداقة وتعاون عام 1948م.
انضمت فنلندا عام 1956م إلى المجلس
الشمالي وعام 1989م إلى مجلس أوروبا.ثم انضمت فنلندا إلى المجموعة الأوربية
عام 1995م. وقد تعرض الاقتصاد الفنلندي لهزة قوية مع سقوط الاتحاد
السوفيتي حيث عانى من حالة كساد شديدة نتيجة لفقدانه التعامل التجاري مع
الاتحاد السوفيتي، إلا أن فنلندا سريعًا ما نهضت واخترقت الأسواق
الاقتصادية.
دخول الإسلام إلى فنلندا:
بدأ دخول الإسلام إلى فنلندا عن طريق
التتر,و يعتبر التتر الفنلنديون هم أقدم أقلية مسلمة في فنلندا وفي دول
اسكندنافيا كلها، وهم شعب من الشعوب التركية الذين يعتنقون الدين الإسلامي,
وقد كان عددهم بين800-1000نسمة ،وترجع أصولهم التاريخية إلى تركيا ولغتهم
تنتمي لمجموعة اللغات التركية، وهم يشكلون أقلية متماسكة دينيًا وثقافيًا
ولغويًا.
خلال السنوات الأولى من دخول فنلندا
تحت حكم قياصرة الروس- عام 1809م- ، تم جلب التتر من قبل الجيش الروسي
لبناء قلعة بومارسوند على البر وقلعتي سومنلينا-سفيبورج على جزيرة مقابل
سواحل هلسنكي ،وبعد ذلك عاد أغلبيتهم إلى روسيا،وبالنسبة للأفراد الذين لم
يعودوا فتشهد المقبرة الإسلامية في بومارسوند على وجودهم في فنلندا.
يشكل أجداد التتر الحاليين أساس
المجتمع التقليدي وقد كانوا حوالي 1000 من التجار التتريين الذين قدموا من
روسيا بنهاية القرن التاسع عشر - أتوا إلى فنلندا خلال سبعينيات القرن
التاسع عشر إلى منتصف العشرينات من القرن العشرين من مجموعة من 20 قرية في
إقليم سرجاتش على نهر الفولجا إلى الجنوب الشرقي من نزني-نوفجورود-والتي
كان يطلق عليه سابقًا بإقليم جوركي-, كان غالبيتهم مزارعين ولكنهم استقروا
في فنلندا كتجار,واختاروا في البداية السكنى في هلسنكي والمناطق المحيطة
بها.
وفي عام 1925 م تأسس أول مجمع إسلامي
فنلندي تتري بشكل رسمي،وكانت فنلندا بذلك أول دولة أوروبية غربية تعترف
رسميًا بمجمع إسلامي وذلك تأكيدًا على مبدأ حرية العقيدة الذي تم تبنيه في
عام 1922م، واليوم يتبع المجمع مساجد في هلسنكي وفي منطقة أخرى.
وقد أنشأ التتر مجمعًا أخر تم تأسيسه
في تامبر عام 1943 م، بيد أن المسلمين من غير الأصول التترية لايمكنهم أن
يحصلوا على عضوية المجمع الإسلامي الفنلندي. وتوجد المقابر الإسلامية
التترية في هلسنكي وتوركو وتامبره.
التتر متداخلون تمامًا في نسيج المجتمع
الفنلندي ويشاركون بفاعلية في الحياة الاقتصادية والثقافية الفنلندية وهم
يعملون في العديد من المهن،وفي ذات الوقت نجحوا في الحفاظ على هوية متميزة
والحفاظ على اللغة التترية باستخدامها داخل إطار العائلة وفي دوائرهم
الخاصة وكذلك في مؤسساتهم، منذ عام 1935 م تنظم الجمعية الثقافية التترية
أحداثًا وفعاليات ثقافية باللغة التترية.
كما أن هناك ناد رياضي تم تأسيسه عام
1945 م ويعمل بالتعاون مع المجمع الإسلامي، وتقدم المدرسة التترية دراسات
إضافية في العطلات, وبعد ساعات الدراسة دروسًا منتظمة في اللغة والحضارة
التترية والدين والتاريخ باللغة التترية كلغة للتدريس كما أن هناك حضانة
ودورات صيفية في مركز التدريب التتري بالقرب من العاصمة هلسنكي.
أغلبية التتر المسلمين يعيشون في إقليم
هلسنكي ، وفي عام 1980م ، كان عدد المسلمين يصل إلى حوالي 900 أغلبهم يوجد
في هلسنكي، وكانوا يجدون صعوبة في إدارة جميع المؤسسات التي تحتاجها
مجموعة اجتماعية لقلة عددهم.
انتهى حديثنا اليوم ونواصل اللقاء
لنكمل المسير على أرض فنلندا في الحلقة القادمة إن شاء الله فإلى الملتقى.