كيف يقيم الإنسان نفسه؟!
الأسئلة هي أداة التقييم ولكن ما هي مهمة الأسئلة؟
الأسئلة تنجز ثلاث مهام رئيسية:
المهمة الأولى:
الأسئلة تغير فورا الموضوع الذي تركز فيه، وبالتالي تغير شعورك فإذا كنت في حالة سلبية مثلا وبدأت تسأل أسئلة من نوعية (لماذا لا يحبني الناس؟) فستجد نفسك لا شعوريا تبحث عن إجابة لمثل هذه الأسئلة، وبالتالي ستظل تدور في فلك هذا الشعور السلبي.. أما إذا سألت نفسك أسئلة من نوع (ماذا أفعل لكي أصبح محبوبا أكثر من الناس؟) ستجد أنك ستركز في هذا الاتجاه الإيجابي، سيرشدك عقلك إلى كثير من أسباب السعادة. إن "والت ديزني" لم يسأل نفسه أبدا وهو يستعد لإنشاء "ديزني لاند": (هل ستنجح هذه المملكة السحرية التي أنا بصدد بنائها؟) ولكنه كان يسأل نفسه ويسأل العاملين معه: (كيف نحسن ما نحن بصدده؟ كيف نطوره؟)
المهمة الثانية:
الأسئلة تغير الأولويات في العقل وتتحكم فيما نحتفظ به وما نقرر إسقاطه، فالعقل البشري لا يستطيع أن يركّز في أشياء متعددة في وقت واحد لذلك فهو يخصص جزءا كبيرا من جهده في محاولة لتقييم الأولويات التي سيهتم بها والأشياء التي يمكن إسقاطها..
مثلا إذا سألك أحدهم: (ماذا يحزنك في حياتك؟) ستضطر لأن تبحث عن إجابة لهذا السؤال السلبي وسيضطر عقلك أن يفتش فيما سبق أن أسقطه من مسببات الحزن لكي يزوّدك بإجابة عن هذا السؤال، وحتى إذا أجبت عن السؤال في التوّ واللحظة قائلا إنه ليس هناك شيء حزين في حياتك، إلا أن عقلك الباطن سيواصل البحث عن إجابة لمثل هذا السؤال رغما عنك..
وعلى العكس فإذا سئلت: (ماذا يسعدك في حياتك؟..) فسيظل عقلك يفكر في هذا السؤال حتى يخرج عليك بإجابة محفزة مُرْضية تسعدك وتدفعك إلى الأمام.. فإن العقل دائما يجد ما يبحث عنه وهناك أسئلة هامة ينبغي لك أن تضعها في اعتبارك دائما، مثل السؤال العظيم: (كيف أتعلم من هذا الموقف حتى لا يتكرر مرة أخرى؟) إن هذا سيمنع عقلك من إسقاط هذه المعلومات المفيدة وبالتالي لن يتكرر معك نفس الموقف المؤلم بعد ذلك؛ لأنك استوعبت درس التجربة..
على الجانب الآخر هناك أسئلة موحية يجب أن نتعامل معها بحذر، فهي قد تضللنا، مثل هذه الأسئلة تضع لك افتراضات معينة كأنها مسلمات ثم تطلب ردك عليها.. مثلا إذا سألت نفسك (لماذا أفشل دائما؟).. فإن عقلك سيذهب فورا ليبحث عن الإجابة المطلوبة فهو سيأخذ موضوع الفشل كقضية مسلّم بها وسيحاول أن يرد على السؤال الذي وجهته له وهو "لماذا"...
المهمة الثالثة:
يروي الكاتب تجربة مر بها منذ سنوات، حيث عاد من رحلة عمل ليكتشف اختلاس ربع مليون دولار وأبلغه أحد مستشاريه أنه ليس أمامه إلا إعلان إفلاسه، ولكنه ظل يفكر كيف يظل طافيا على السطح وظل يسأل نفسه (كيف أستطيع أن أقلب الميزان لصالحي؟) في البداية ظلت الإجابة التي تأتيه (ليست هناك وسيلة لتحقيق ذلك) ولكنه واصل توجيه السؤال بإلحاح شديد وتوصل إلى إجابات عظيمة لقد توصل إلى فكرة منح حق استغلال برنامجه ومحاضراته لعشرات يستطيعون تمثيله والتحدث باسمه في مختلف الولايات، وتوصّل لفكرة طبع هذه البرامج والمحاضرات على شرائط فيديو ومنذ ذلك الوقت باعت شركته أكثر من 7 مليون شريط...
تلك الأسئلة هي التي تنير لنا الطريق وتكشف لنا عن مواهبنا الخفية... وكلنا نملك هذه الأداة، فلماذا لا نستخدمها لنحقق نفس النجاح؟!
في وقت ما يجب أن تتوقف الأسئلة لتبدأ الإجابة ومن ثم العمل..
الإجابة:
الإجابة تتكون من كلمات والكلمة سلاح جبار استخدمه العلماء والفلاسفة، والأدباء والشعراء؛ ليحولوا جميعا مسار الإنسانية.. فهناك كلمات غيرت وجه التاريخ، وكلمات حوّلت مصائر دول وشعوب، إن انتقاء الكلمات واستخدامها عامل هام في الحياة، نوّع في الكلمات فالشخص ذو القاموس المحدود تظل حياته فقيرة، فمثلا إذا كنت معتادا على استخدام الفعل "أكره" بصفة متكررة (أكره هذا اللون، أكره عملي الحالي).. ستحقق نتائج سلبية تؤثر في حالتك النفسية.
جرّب استخدام كلمات أقل حدة لوصف مشاعرك وستجد نفسك تبتسم في الموقف الذي تعودت أن تغضب فيه..
غير مفرداتك، فبدلا من كلمة "مكتئب" استخدم كلمة "غاضب"، حين تتخلص من الكلمة تتخلص من الشعور بالحالة التي كانت تعبر عنها الكلمة.
قد تقول لنفسك هنا: أي لغو هذا؟ ماذا يفيد اللعب بالكلمات؟ هل مجرد تغيير كلمة يغير تصرفا؟
كلا بالطبع إذا كان كل ما تفعله هو تغيير الكلمة فقط، ولكن المطلوب هو أن يجعلك تغيير الكلمة تغير عاداتك الشعورية المصاحبة..
انظر مثلا إلى بعض الممثلين فهم حين يستعدون للقيام بدورهم قد تنتابهم بعض الأعراض مثل اضطراب ضربات القلب بعضهم يسميه "رعب ما قبل التمثيل" مما جعل ممثلين عظاما يبتعدون عن مواجهة الجماهير على خشبة المسرح وبعضهم يسميه "الإثارة الفنية" مما يجعلهم متشوقين للخروج على المسرح ومواجهة الجماهير، إن الأحاسيس قد تعمل كصديق أو كعدو.. المهم هو "اللافتة" التي تضعها أنت على هذه الأحاسيس.
ويضيف الكاتب إن التشبيهات تقرّب المعاني فمثلا هناك تعبير شائع يقول: "إني أصارع من أجل إبقاء رأسي خارج الماء".. هل تشعر بوقع هذا التعبير على حالتك إذا كنت تحاول التخلص من مأزق، قارن هذه التعبيرات بتعبيرات أخرى مثل: "إني أتسلق حاليا سلم المجد"، أو "أنا أبحر في محيط النجاح"...
وهناك بعض الأمثلة العامة التي يمكن أن نذكرها لتبين كيف أن هناك بعض التعبيرات لها مدلول شديد، فحين خرجت صرخة الحفاظ على البيئة كان الشعار (حافظوا على أمّنا الأرض) مما دفع الناس فعلا إلى الامتثال، فالكل يريد أن يرى أمه نظيفة..
كذلك التشبيهات التي تستخدم في الحروب.. فمثلا أثناء المرحلة الأولى من حرب الخليج الثانية حين غزا "صدام حسين" الكويت كان اسم العملية الدولية ضده "درع الصحراء" مما يوحي بأنها عملية دفاعية يمثلها الدرع.. أما حين تقرر ضرب العراق فقد تغير اسم العملية إلى "عاصفة الصحراء" مما يوحي بأنها ستدمر العدو وهذه المسميات لها تأثير السحر في نفوس المحاربين!!!