أحسن كما أحسن الله إليك ( 2 )
قال تعالى : " وأحسن كما أحسن الله إليك .... "
والله تذكرتها مرارا هذه الاية لها وقع كبير على نفسيتي وذهبت ابحث فنظرو ما وجدت شكرا لكم
تذكر
الصالحون إحسانه فقاموا يذكرون أنفسهم والدنيا من حولهم , يذكرونهم أنه
يجب عليهم الإحسان في مواجهه الإحسان يذكرونهم بنعمته جل وعلا عليهم .
انظروا لما ذكر الله تبارك وتعالى نبيه موسى بإحسانه فقال : " إذا
تمشى أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقرعينها ولا
تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم
جئت على قدر يا موسى واصطنعك لنفسي اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في
ذكرى اذهبا إلى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا
ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع
وأرى "
ذهب
نبي الله موسى صلوات الله وسلامه عليه وقد امتلأ قلبه ونفسه بالشكر لله جل
وعلا , والشعور بهذا الإحسان الذي أحسن به ربنا تبارك وتعالى إليه وكان
الصبر والثبات وكان الوقوف في مواطن الحق يسأله فرعون وهو من هو طغيانا
وكفرا يقول له " فمن ربكما يا موسى " يقول " ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" , يذكره بإحسان الله عليه " قال
ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها
عند ربى في كتاب لا يضل ربى ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم
فيها سبلا وأنزل من السماء ماءاً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى كلوا
وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم
ومنها نخرجكم تارة أخرى " , ثم قال جل في علاه : " ولقد آتيناه آياتنا كلها فكذب وأبى
" , واجه هذا الإحسان بإساءة من عنده ، وهو لو تبصر في مقولته لأحسن
المسير إلى الله , وما اجتح صاحب بدعة على بدعته بدليل إلا وكان في الدليل
ما يرد عليه ويدحض بدعته عندما يقول للمصرين " أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي " حتى لو كان له ملك مصر ، من الذي وهبه ذلك ، من الذي ملكه ذلك ؟!
و إلا فالأرض ومن فيها ملك لله عز وجل " يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء "
فكان الواجب عليه أن يعبد ربه لا أن يتنطع , ولا أن يدعى الربوبية والألوهية مع الله حتى قال " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " , ولو كان الأمر حقاً من الذي وهبه هذا العقل ، من الذي وهبه هذه الفطنة , هذه الآراء الرشيدة التي يزعمها " وما أمر فرعون برشيد " , و إلا فلو كان صاحب عقل لأحسن المسير إلى الله , لواجه إحسان ربه بإحسان من عنده وأقام الدنيا على أساس من دين الله جل وعلا
انظروا إلى اعتراف الأنبياء والمرسلين بهذا الإحسان , نبى الله يوسف صلوات الله وسلامه عليه يتعرض لفتنة ولمحنة فيقول : " معاذ الله إنه ربى أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون "
ويقص علينا ربنا تبارك وتعالى قصة ذي القرنين " حتى
إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا
القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم
يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً وأما من آمن وعمل صالحا ًفله جزاء الحسنى
وسنقول له من أمرنا يسرا ثم اتبع سببا " ,
هل
يستوي من أحسن مع من أساء ، يختلفان اختلافاً عظيماً في الدنيا والآخرة
فمن أحسن فسيقول له حسناً ثم إذا مارد إلى ربه تبارك وتعالى كان الجزاء
الحسن .
قص علينا ربنا من الآيات ومن القصص ما فيه عظة وعبرة وقال : " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أو حينا إليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين "
وقصصه
سبحانه هو أحسن القصص فيه عظة وعبرة ، فيه تذكرة لك حتى تحسن المسير إلى
الله , حتى تتذكر نعمة ربك عليك ، حتى تتواضع لجناب الله ، بدلاً من
التنطع والغرور ، بدلاً من الكبر والعجب ، بدلاً من الصد عن سبيل الله ,
بدلاً من أن تنصب نفسك ندا وإلها مع الله ، عندما تتذكر إحسانه ستحسن
المسير إليه " أحسن كما أحسن الله إليك "
قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم قصة الأعمى والأبرص والأقرع
جاءهم الملك في صورة سائل لاختبارهم ولامتحانهم , وكان الكل فقيراً وكان
الكل ذا عاهة , فامتن عليهم ربنا تبارك وتعالى ، جحد الأبرص , وجحد الأقرع
نعمة ربه عليه ، وقال للسائل إنما ورثتة كابراً عن كابر ، وكله كذب وكله
جحود للاحسان ، ثم أتى هذا الأعمى ، يقول سائل وابن سبيل شيء أتبلغ به في
سفري ، فيقول : خذ ما شئت ودع ما شئت , لا أجهدك في شيء أخذته لله تبارك
وتعالى ، كنت أعمى فرد الله على بصري ، كنت فقيراً فأغناني الله ، يعترف
بإحسان الله إليه , فلما اعترف اعترافه هذا حفظ الله عليه النعمة , مثل
مضروب حتى نأخذ منه العبرة والعظة .
لما
ذهب بلال رضوان الله عليه لكي يخطب لأخيه , ماذا قال لأسرة العروس , قال :
كنا عبدين فأعتقنا الله , كنا فقيرين فأغنانا الله , كنا ذليلين فأعزنا
الله , فإن تزوجونا فالحمد لله , وإن تردونا فسبحان الله
اعتراف
بلال بإحسان الله إليه , هذا الإحسان لم يمنع بلال من أن يذكر حالته , وما
انتقل إليه , وما انتقل إلى ذلك إلا بفضل الله عليه , كان هذا شأن
المحسنين من عباد الله , يحسنون المسير إلى الله , يعترفون بإحسان الله
عليهم .
وأنت
تطالع السير والقصص ستجد الكثير من ذلك , انظر في سير سلفك الصالح رضوان
الله عليهم أجمعين كان الواحد منهم إذا ما سئل كيف أصبحت ؟ يقول : أصبحت
بين نعمتين لا أدري أيتهما أشكر , بين ذنوب سترها الله علي لا يستطيع أن
يعيرني بها أحد , ومحبة قذفها الله في قلوب عباده لا يبلغها عملي , اعتراف
منه بإحسان الله إليه ,
ويكتب
الأخ لأخيه يقول له : أما بعد ، فقد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه مع
كثرة ما نعصيه ، فلا ندرى أيتهما نشكر أجميل ما يسر أم قبيح ما ستر ،
ثم يخرجون للخلق للحكام وللمحكومين , للأغنياء وللفقراء يذكرونهم بإحسان الله إليهم
يخرج
العز بن عبد السلام للسلطان أيوب في يوم عيد وقد اصطفت الحاشية وهو في
قلعته , فيقول له العز بن عبد السلام : يا أيوب ما قولك إن وقفت بين يدي
الله غداً , فقال لك : ألم أبوأ لك ملك مصر ، وأنت تبيح الخمور ، قال :
هذا قد كان ؟ قال : نعم حانة كذا يباع فيها الخمر ، فقال له السلطان أيوب
بل هذا كان من زمن أبى , قال له: بل أنت ممن قال الله فيهم : " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون
" , يذكره العز بإنعام الله عليه , بإحسان الله إليه ، بوأه الله على مصر
، فكيف لا يحسن المسير إلى الله ، كيف لا يُحَكِّم شرع الله , كيف لا
ينقاد لأمر الله ، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .
وتحدث
المحاورة بين سعيد بن جبير وبين الحجاج بن يوسف الثقفي وكان ما كان ثم ضحك
سعيد بن جير ، فسأله الحجاج عن سبب ضحكه فقال ، عجبت من جرأتك على الله
وحلم الله عنك , إحسان كان على الحجاج أن يواجهه بإحسان لا أن يجترأ على
مثل هذا النحو لا أن يصد عن سبيل الله , لا أن يمنع من طاعة الله جل جلا ،
لا أن يقف مثل هذا الموقف الذي دعاه لجبروت ولظلم ولتعد حتى سأل سعيد بن
جبير وقال له : أنت شقي بن كسير قال : بل كانت أمي أعلم باسمي منك ، قال :
شقيت وشقيت أمك , قال : الغيب يعلمه غيرك , قال : لأبدلنك بالدنيا ناراً
تلظى ، قال : لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها , انظروا محاورة تدل على
جبروت من جهة و ثبات من جهة أخرى , تذكير بإحسان الله إلى خلقه وإلى عباده
.
يقف
أبو حازم مع سليمان بن عبد الملك ، فيقول له عظني ، فيقول له : إن آباءك
أخذوا هذا الأمر بغير حق وسفكوا في سبيله دماً كثيراً ، فلو عملت مكانهم
عند الله غدا , ضجت القاعة لقولة أبي حازم وقالوا له بئس ما قلت لأمير
المؤمنين , قال : بل بئس ما قلتم أنتم إن الله أخذ علينا العهد والميثاق
لنبينن لله أمره ولا نكتمه , قال له أبو سليمان : عظني ، قال له : احذر أن
يراك حيث نهاك وأن يفتقدك حيث أمرك , هكذا كانوا قوامين بالحق ، وقافين
عند حدود ما أنزل الله , معترفين بإحسان الله إليهم ، مذكرين الخلق أجمعين
بوجوب إحسان المسير إلى الله .
كان
أبو بكر وعمر يقول : وليت عليكم ولست بخيركم فإذا أحسنت فأعينوني وإن أسأت
فقوموني ، أطيعوني ما أطعت اله فيكم فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم
كان هذا هو شأنهم , لما
استشعروا إحسان الله إليهم وعلموا أن النفس إلى موت , وأن المال إلى فوت
وأن الإنسان لا يحسن إلى نفسه بأعظم من القيام بأمر الله تبارك وتعالى
باعوا الغالي والرخيص، والنفس والنفيس في سبيل الله , فكيف يدخرون
وسعاً في طاعة ربهم , كيف لا يحسنون المسير إليه ، فهان عليهم المال ،
وهانت عليهم النفس ، و بذلوا ذلك كله في سبيل الله راضية بذلك نفوسهم
مطمئنة بذلك قلوبهم ،
" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
" الواحد منهم يبذل ماله ، فإذا ما قيل له في ذلك ما تركت لأولادك ، يقول
لهم : تركت لهم الله ورسوله ، فالمال منه واليه , والملك هو ملك الله جل
وعلا , أحسن إليك , فكيف لا تحسن أنت المسير إليه ؟!
ومن قبل كان الأنبياء والمرسلون ، نبي الله إبراهيم يُواجْه بصلف و ظلم وتحد , فيقول : " إني ذاهب إلى ربى سيهدين
" ينيب إلى الله , يتوكل عليه , يحسن المسير إليه , يؤمر بذبح ولده
فَيَهِمُ بذبحه نزولاً على أمر لله ، هو طوع إشارة ورهين أمر , كلهم طالع
إحسان الله عليه فكان الحياء وكان الخجل
كان البعض يقول : لو ضمنت الجنة لظلت هموم الحياء تؤرقني ، هذا هو الحياء من الله
هذا
هو إحسان المسير إلى الله , في سرهم وعلانيتهم ، في جلوتهم وخلوتهم كانوا
يحرصوا على طاعة ربهم ، فأتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها
وخالق الناس بخلق حسن
وإذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ســاعة ولا أن ما يخفى عليه يــــغيب
ومن
ظن أن الله لا يراه فقد كفر ، ومن علم أن الله يراه فكيف يجعله أهون
الناظرين إليه , فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه
يراك , " هو الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين
" , فليكن منك العدل في الغضب والرضا ، والإخلاص في السر والعلانية ,
والقصد في الفقر والغنى , وادع ربك تبارك وتعالى أن يجعل صمتك فكرا ,
ونطقك ذكرا , ونظرك عبرا , انه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .