المعاصي و نظرية الـ Behaviorism
نتعلم في المدارس و التلفاز و غيرهما عن عظم الحرائق و خطرها ، و نعمل جاهدا على تجنبها و الوقاية منها و التحضر لها .. ما استطعنا لذلك سبيلا . و كذا نتعامل مع الأوبئة و أنواع الإنفلونزا و غيرها . أحسب أن تلك الاحتياطات نابعة من فطرة الإنسان لتجنب ما يهدده و يعرضه للخطر ، لكن ..
ماذا عن احتياطاتنا من الوقوع في المعاصي ؟ ، أليست من أعظم الأخطار المحدقة بنا ؟ .. أليس تجنبها هو من أسس ( الحياة ) في شرعنا ؟ ، لمَ إذن كثيرا ما نتجاهل الاتقاء من المعاصي رغم علمنا بخطرها و عظم أثرها ؟
.. لو أننا فعلا نعي حجم أثر المعصية ، هل كنا لنقترفها بالسهولة التي نفعل ؟ ، هل كنا لنهون من أمر غيبة نسمعها ؟ .. من أمر صلاة نؤخرها ؟ .. من أمر صلة رحم نقطعها ؟ .. من ... ؟
و .. أليس عجيبا كيف أن خشيتنا من "القيل و القال " قد تكون أعظم في قلوبنا من خشيتنا أن نعصي الله ؟ ، لكن .. لمَ ؟ ألأننا لا نعي ( حسيا ) أثر المعاصي علينا ؟ ، ماذا عن قلوبنا التي يعلوها الران ؟ .. ماذا عن الرزق الذي نُحرَمه ؟
اليوم ، حُرِمتُ رزقًا لمعصية ارتكبتها . لا أقول هذا مجاهرة بها ، أستغفر الله منها و أتوب إليه . حزني على فوات الرزق لم يكن شيئا مقارنة بحرقة الذنب ، أنْ : " من الذي جرّأكِ غيري يا نفس ؟ " . و دفعتني -حرقتي- لأتفكر بحالنا مع المعاصي . بقلوبنا التي تُغمَس في الدنيا ثم في شهواتها ، كما يُغمَس مثلثُ الخبزِ في الزيتِ ثم في الزعتر .. كلما ازدادت الطبقات سماكة ، كلما ازداد الطعم لذة و إغراء للمزيد . لكنا إن كنا نعي كم لتلك الطبقات من سعرات حرارية و دهون مضرة بأجسادنا ، لتفكرنا بدل المرة ألفا بكل غمسة قبل أن نغمسها ، و بكل لقمة قبل أن نقضمها .
مما طرح : كيف أزيد نفسي توعية بأثر الذنوب ؟ .. كيف أجعل لارتكاب المعاصي -بكل أنواعها- لسعًا يجعلني أحرّم الاقتراب منها ؟
خرجت ببضعة أفكار ، لم أجربها بعد ؛ لكن أحببت مشاركتها طمعا في أجر قد أناله ، أو في تحسينا قد تقترحونه ، أو حتى تحفيزا للمزيد ما في جعبتكم .
1. بناء على إحدى النظريات النفسية في التعلم ، Behaviorism ، الشخص يتعلم بناء على ( محفز ) ما تتكون ( ردة فعل ) تلقائية لدى الشخص ؛ ردات الفعل هذه من الممكن تطويرها من خلال ( تعزيز ) ، أي تعليقات إيجابية أو عطايا ، تثبت في النفس ردة الفعل المرغوبة . مثلا ، لمس شيء حارق =محفز ، مرتبط بـ ردة فعل معينة = رفع اليد بشكل تلقائي ناتجة عن تجارب سابقة مع الأشياء الحارقة و اللسع الذي ينتابنا . نظرية اشتهرت في بداية القرن الماضي ، و ارتبطت بأهم المؤسسين B.F. Skinner.
عليه ، من الممكن تحديث أشبه ما يكون بنظام نتبعه مع أنفسنا لننشئ بها ردات الفعل المطلوبة . و حين نرتكب معصية ، لنقل كذبة ، نقوم بعقاب فوري يربط ألم ذلك العقاب بالكذب ؛ و تدريجيا مع تكرار الربط بين الألم و الكذب ، سينشئ في أنفسنا نفورا من الكذب . العقاب قد يكون ( قرصة ) على طرف اليد ، أو حرمان من شيء محبب أو .. . و العكس بالعكس للطاعات ، فكلما نصلي صلاة في وقتها مثلا ، نكرم أنفسنا بعطية فورية تربط الصلاة في وقتها بشعور إيجابي يحببنا بها أكثر و أكثر . قطعة حلوى مثلا ، أو راحة .
2. تطبيقا بشكل أو بآخر لنظرية الـ Behaviorism من طرق تخفيف الوزن ، إلزام النفس بتدوين كل / أي شيء يتناوله الشخص على دفتر يحمله معه بشكل دائم مع كتابة الكمية . شيئا فشيئا ، حياء من كثرة ما يكتَب على الدفتر -خاصة إن كان سيراه أحد ، أو استيعابا لحجم الطعام الذي يستهلكه الشخص ، تتكون ردة فعل نفسية اتجاه الطعام تساعد في النفور منه بشكل كافٍ للتخلص من الوزن الزائد على مر الزمن .
عليه ، من الممكن أيضا اتخاذ دفتر صغير بحجم كف اليد و معلق به قلم ، يكون بشكل دائم معنا . كلما نرتكب ذنبا أو معصية ، ندونها في الدفتر . و نراجع الدفتر في آخر اليوم . نحاسب النفس ، و نتفكر بطرق لمنع ما تم تدوينه في المستقبل . شيئا فشيئا سينمي في أنفسنا حس الوزاع الداخلي الذي ينهانا عن ارتكاب المعاصي خوفا من ( الدفتر ) .
3. أيضا ، كتطبيق آخر للنظرية ، في تربية الأطفال يستخدم بعض المربون لوحة للأخطاء و أخرى للأمور الحسنة . بحيث كلما يخطئ الطفل ، توضع نقطة سوداء أو وجه حزين في لوحة الأخطاء .. أو ربما تزال إشارة حسنة ، و كلما أحسن وضعت له إشارة حسنة أو وجه مبتسم في الطرف الآخر . بهذه الطريقة ، يجد الطفل أثرا ملموسا لأفعاله ، و ينمي الحس التوعوي بأخطائه و إنجازاته . و بمعادلة يتم الاتفاق عليها مع الأهل ، يتم رصد جائزة كلما وصل عدد معين من الإشارات الحسنة .
عليه ، رغم بساطة الفكرة أو "طفولتها" ، نستطيع في مكان خاص بنا ، تخصيص 4 ورقات من حجم ورق الطباعة A4 ، نضع فيها وجه حزين مثلا كلما ارتكبنا معصية . مما يسهل من أمر متابعة الذنوب ، و يعزز فكرة مراقبة النفس .
بهذه الطرق .. أظن أن أحدنا يستطيع تنمية حس ملموس بأثر الذنوب و عاقبتها ، مما يعين على تجنبها . بدلا من الاتكال على العلم النظري فقط بأثرها . و قبل كل هذا طبعا اللجوء إلى الله و إحكام النية في التقرب إليه سبحانه و تعالى ، عملا بحديث قدسي صحيح الذي يقول فيه الله :
إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة
أسأل الله لي و لكم المغفرة و الرحمة .
فاعلة خير .
_______
هامش :
نظرية الـ Behaviorism ذات تطبيقات عديدة ، من أهمها التطبيق فيما يخص شرح طريقة اكتساب اللغة الأم لدى الأطفال . للاستزادة عن النظرية :
Demirezen, M. (1988). Behaviorist theory and language learning. Hacettepe Vniversitesi Eğitim Fakültesi Dergisi, 3, 135-140. Retrieved from http://193.140.216.63/19883MEHMET%20DEM%C4%B0REZEN.pdf
Graham, G. (2006). Behaviorism, Retrieved from Stanford Encyclopedia of Philosophy, http://plato.stanford.edu/entries/behaviorism
Skinner, B.F. (1950). Are theories of learning necessary?. Psychological Review, 57, 193-216. Retrieved January 2, 2009, from http://psychclassics.yorku.ca/Skinner/Theories/
منقول من مدونة اتفكر