وعلى الرغم من عدم الاختلاف على الطريقة التى انتهجها شيخ الأزهر منذ توليه منصبه، وثمن الجميع مواقفه فى حل المشكلات الداخلية، إلا أن المتابعين للأزهر راعهم تجاهل المؤسسة لما تشهده مصر من ثورة، حتى أن مجمع البحوث الإسلامية فى اجتماعه الذى عقد الخميس السابق لقرار التنحى لم يتطرق إلى أى من هذه الأحداث، ليفتى الشيخ فى النهاية بـ«حرمانية الثورة».
الموقف المضطرب
بعد أحداث جمعة الغضب ازداد موقف الأزهر اضطرابا، خاصة بعدما أعلن المتحدث باسمه السفير محمد رفاعة الطهطاوى، استقالته وعزمه الاعتصام فى ميدان التحرير حتى تتحقق مطالب الثورة.
وحين حاول شيخ الأزهر أحمد الطيب اللحاق بالأحداث عقد اجتماع طارئ لمجمع البحوث الإسلامية يوم الأربعاء 2 من فبراير 2011، «لمتابعة المرحلة الدقيقة الحرجة التى يمر بها الوطن»، وطالب وقتها بالإنصات لخطاب مبارك والعمل من أجل الحوار، ثم بادر بإطلاق بيان آخر للرد على الفتاوى الإيرانية، مشددا على رفضه ما وصفه بـ«التدخل الأجنبى فى شئون مصر الداخلية».
ثم سارت أمور مؤسسة الأزهر بشكل متوازن، حتى يوم الجمعة 11 فبراير، عندما أعلن الطيب أن المظاهرات أصبحت «نوعا من الفوضى» واعتبرها «خروجا على الحاكم» مفتيا بكونها «حراماً شرعا ومن يدعو إليها ومن يستمع لها فى النار».
ووفقا لمصادر مقربة من شيخ الأزهر فإنه «اعتقد أن تصريحه يأتى حفاظا على استقرار البلد من التخريب وأعمال العنف»، وفى نفس اليوم الذى أطلق فيه الطيب فتواه كلف حسن الشافعى، وهو أحد كبار علماء الأزهر والرئيس السابق للجامعة الإسلامية فى باكستان، بأن يلقى كلمة بالإنابة عنه فى ميدان التحرير كمؤيد للثورة، ولكن الدكتور الشافعى لم يستطع الوصول لقلب التظاهرة نظرا لكبر سنه وإرهاقه جسديا،ولأنه كان مرابطا أمام مبنى ماسبيرو بعد أيام من اندلاع الثورة.
تحول المفتى
وشهد موقف مفتى الجمهورية تحولا تجاه الثورة، فبعد أن صرح بأن «مصر محسودة ومستهدفة وتثار فيها الفتن» عاد ليقول إن ما تشهده «ثورة مباركة»، إلا أنه دأب على التشكيك فى حجم المتظاهرين وما تعلنه وسائل الإعلام، وقال إنه «من الصعب أن يستوعب ميدان التحرير مليون شخص كما تقول بعض القنوات، واعتقد أنه لا يتسع لأكثر من 20 ألفا».
واعتبر المفتى أن الاستمرار فى التظاهر «سيؤدى إلى انتشار البطالة وانخفاض مستوى المعيشة وخسائر بالمليارات فضلا عن انخفاض مستوى الائتمان لدى المؤسسات العالمية وذلك سيؤدى للهلاك ويضع البلاد على حافة الانهيار، والجميع يرفض ذلك».
وعلى النقيض وبعد نجاح الثورة وتنحى مبارك وصفها بــ «ثورة الشباب المباركة».
وبعد أن كانت مصر على حافة الانهيار اعتبر مفتى الجمهورية فى بيان له أنها وشعبها «على حافة مرحلة جديدة من تاريخ مصر السياسى والاجتماعى»، وقال إن هذه الثورة «تجمع فيها الشباب ومعهم جميع المواطنين على قلب رجل واحد منادين بالتغيير الفورى.
الخضوع والاستكانة
يعتبر الكاتب والباحث عمار على حسن أن تغيير الخطاب والتوجه للمؤسسات الدينية فى مصر يرجع إلى «تعيين القيادات الدينية من قبل رئيس الجمهورية، حيث يتم اختيارهم من فئات العلماء غير المستقلين، على أن يتم وضعهم تحت الاختبار»، مضيفا: «فور أن تستشعر فيهم السلطة الخنوع والخضوع والاستكانة وإمكانية التطويح لتبنى المواقف التى تخدم مصالح السلطة يتم اختيارهم، وإن وجدت استقلالية ورأيا مخالفا يتم استبعادهم فورا».
وقال حسن: «شيخ الأزهر لم يستطيع أخذ قرار الاستقالة من الحزب الوطنى إلا بعد العودة للرئيس مبارك وطلب منه ذلك، وكل من شيخ الأزهر ومفتى الجمهورية من القابلين للموالاة للسلطة، والموقف أو التوجه الذى اتخذاه لا يرتبط فقط بالموالاة للسلطة، ما يذكرنى بأيام الحكم الجائر للدولة الأموية والعباسية، فوقتها كان الفقهاء ينتجون تصورات وآراء تتماشى مع مصلحة الحاكم، وهذه التصورات لاتزال مقدسة فى هذه الكتب التى ينهل منها شيخ الأزهر والمفتى».
ويضيف: «الآن حين انتصرت الثورة وثبت أن الكلام عن الفتن دعاية رخيصة، يجددون ولائهما للسلطة الجديدة ومن ثم فهم من الناحية العملية لم يتبدلا، إنما فقط توجها إلى قبلة جديدة يظنان أن معها مصالحهما فى مرحلة ما بعد مبارك».
المنهج الجهادى
وعن موقف الشيخ القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين الداعم للثورة المصرية، يقول عمار: «القرضاوى كان يدعم الثورة المصرية من منطلق أن هذا حكم جائر وأنها ثورة شرعية وهذا كان رأيه، ولا أعتقد أنه كان يتبنى هذا الموقف رغبة منه فى تصفية حسابات قديمة، أو موقف شخصى من السلطة».