محمد سعد عبدالحفيظ ومحمد خيال -
فى تمام الساعة الواحدة ظهرا كانت ساعة البداية لمعركة الـ15 ساعة وهى المعركة التى سيظل ميدان التحرير شاهدا على مشاهدها وأحداثها ليسطر التاريخ فى ذاكرته أنها كانت انتصارا لإرادة شعب.
خيول وجمال وبلطجية
لم يكن المتظاهرون الذين خرجوا لتأييد الرئيس مبارك من أفراد الشعب العاديين بل كانت مجموعات كبيرة منهم ممن جاءوا للحصول على 150 جنيها من التاسعة صباحا حتى التاسعة مساء بحسب محمود عادل أحد الشباب الذى استطاع ثوار التحرير القبض عليه من مظاهرة المؤيدين لمبارك.
لم يكن المشتركون فى ضرب وسحل معتصمى التحرير هم من البلطجية المرتزقة فقط بل كان كثير منهم من أفراد أمن تابعين للداخلية يرتدون الزى المدنى، وهذا ما ظهر من «الكارنيهات» الخاصة بهم بعد القبض عليهم من قبل الثوار وتسليمهم للجيش، كان بينهم أيضا أفراد من جهاز امن الدولة حيث قام المعتصمون بالقبض على احد ضباط امن الدولة الذى كان متواجدا بين المتظاهرين، كما تم ضبط كارنيهات العضوية بالحزب الوطنى مع مجموعة ممن تم القبض عليهم ايضا.
كما ضمت مظاهرة التأييد مؤيدين من نوع آخر عندما شوهد خيولا وجمالا بالتظاهرة.
النساء للثوار: نحن خلفكم.. لا تضيعونا
شهد الميدان منذ بداية أمس الأول الخميس معركة كبيرة دارت رحاها فى 5 أماكن بالميدان، أولها كانت معركة مدخل قصر النيل، حيث اشتد الضغط من المؤيدين لمبارك لاحتلال الميدان من هذه الجهة، وينادى المنادون فى الميدان انصروا اخوانكم ايها الشباب
إلى أن جاءت شيماء الفتاة العشرينية تصرخ فى من تبقى من شباب فى منتصف الميدان: النساء والأطفال خلفكم لا تضيعونا أرجوكم، وينطلق بعدها الشباب مسرعين نحو الكوبرى وهم يبادلون المؤيدين قذف الحجارة بلا هوادة إلى أن يتقهقر المؤيدون لمبارك ويتركوا الكوبرى بالكامل بعد معركة شرسة شهدت العشرات من المصابين، واشتعال الميدان بعدها بنداء «الله واكبر» لتبدأ الثقة تدب فى قلوب المعتصمين.
رصاص حى لمنع المجزرة
فى الوقت الذى كانت معركة قصر النيل على أشدها كانت هناك معركة أخرى تبدأ عند مدخل الميدان من جهة شارع طلعت حرب وهى المعركة التى تدخل فيها الجيش ليطلق الرصاص الحى فى الهواء ليوقف مجزرة محتملة بعد تبادل وابل من الحجارة بين الطرفين حتى تقهقر المؤيدون ويهلل الثوار.
المتحف المصرى «أم المعارك»
هى المعركة الأقوى التى استمرت منذ بداية اليوم وحتى بزوغ نور الصباح وسقط فيها 5 قتلى ونحو 1000جريح « يلا يا جماعة اطلعوا قدام عند المتحف المصرى اخواتكم تعبوا» السماء تمطر حجارة وقنابل ملوتوف واليأس يدب فى قلوب المعتصمين بعد زيادة الضغط على باقى المنافذ من قبل البلطجية الذين عاودوا الهجوم من جديد
ففى الساعة الثالثة تشتد المعركة وكانت الغلبة فى البداية للمؤيدين بعده يسير عقرب الساعة ببطء شديد عل من وجدوا فى الميدان ويسيطر القلق عليهم حتى يسمعوا صيحات النصر التى صحبت تقهقر للمؤيدين، وتشتد المعركة مرة أخرى
بعد مرور أكثر من ساعتين ليهيمن عليها بعد ذلك الثوار ويسقط الجرحى بالمئات.. انتصرنا وخدنا ميدان عبدالمنعم رياض وكوبرى أكتوبر منهم يقولها احد المقاتلين على «جبهة التغيير» بالميدان، وبعدها بلحظات قليلة تصيح سيارات الإسعاف فى المكان لتعلن عن سقوط شهيدين و3 مصابين بعد أن فتح عليهم البلطجية الرصاص الحى.
مستشفى و3 عيادات ميدانية
مع سقوط الجريح الأول ظهر أن المعتصمين يأخذونه إلى حارة صغيرة جدا بجوار مطعم «هارديز» عندما تتبعتهم «الشروق» وجدتهم يأخذونه إلى مسجد صغير تم تحويله الى مستشفى ميدانى سرعان ما امتلأ بعشرات المصابين وبدأ المعتصمون من الأطباء فى مداواة جروح المقاتلين، وفى هذه الأثناء جاء وزير الصحة الجديد ليتفقد المصابين وتلقى زياراته استهجان الموجودين فى ظل وجود سيارة إسعاف واحدة فقط فى ظل سقوط مئات الجرحى بينما توجهت سيارات الإسعاف إلى الجانب الآخر لتكون فى خدمة المؤيدين.
لم يكن المستشفى وحده هو القائم بعلاج المصابين حيث كان هناك 3 عيادات كان يتم وضعها بجوار مناطق الصدام توفيرا للوقت ليكونوا بالقرب من موقع الحدث لسرعة إنقاذ الجرحى، «الخيط خلص حاولوا تشدو البلستر كويس عشان يلم الجرح» يقولها الطبيب الشاب لزملائه الاطباء منبها اياهم.
ابن الـ17 مقاتلا رغم الجراح
محمود ابن الـ17 عاما جاء مصابا الى العيادة المجاورة لموقع القتال بالقرب من ميدان عبدالمنعم رياض مصابا بقطع فى الرأس استلزم غرزتين، يعود بعدها إلى المعركة فيصاب ويأتى للعيادة مرة أخرى بجرح قطعى فى الوجه ويتم معالجته ويذهب ليواصل القتال ليتكرر الأمر ثلاثة مرات، ولكن فى الخامس يجبر الأطباء محمود على العودة للميدان لـ«يرتاح» لأن الجرح هذه المرة خطير، حيث أصيب بقطع فى الأنف ليعود إلى الميدان باكيا ليس من الم الجراح ولكن من الم النفس، حيث حرمه جرحه الأخير من مواصلة هوايته فى صيد البلطجية
الأدوار مختلفة وكلنا جنود
اتفق الجميع فى الميدان على أنهم جنود فى معركة ليلة الرحيل على الرغم من اختلاف الأدوار فهاهم الشباب يتصدرون الصفوف ويقومون بصد هجمات البلطجية ويبادلونهم الهجمات، وها هن الفتيات يقومن بتمريض المرضى، وحمل الحجارة وإدخالها الى المقاتلين على خط النار توفيرا للوقت والجهد وكذلك حمل المياه إليهم «شدوا حيلكم ربنا معاكم» تقولها وفاء التى ارتدت الخمار لأحد الشباب وهى تعطيه الحجارة، بينما قام آخرون بصناعة الخوذ من الكرتون لحماية رءوس المقاتلين من الحجارة، فى حين ظلت مجموعة كبيرة من النساء كبار السن فى فى الميدان بين راكعين وساجدين داعين الله «أن يرفع الغمة عن الأمة».
مقر القيادة
فى إحدى شركات السياحة الموجودة على جانب الميدان اجتمعت مجموعة من قيادات التحرير ضمت من نواب الإخوان السابقين محمد البلتاجى، واحمد دياب، وفريد إسماعيل، وأشرف بدر الدين، وجمال زهران النائب المستقل السابق، والمستشار محمود الخضيرى، والدكتور عبدالجليل مصطفى، منسق الجمعية الوطنية للتغيير، والقيادى العمالى بحزب
كمال أبوعيطة.
أدارت تلك المجموعة مع آخرين تنظيم الصفوف وطلب الإمدادات والإشراف على المستشفى الميدانى، والتفاوض مع قيادات كبيرة من أجهزة سيادية.
رفض المجتمعون أى تفاوض مع ضابط كبير جهاز سيادى إلا بعد إنهاء «المهزلة» التى تحدث فى جوانب الميدان، ثم رحيل الرئيس مبارك أو تنحيه عن الحكم، وبعد تحقيق ذلك «نتكلم».
السجن الشعبى
تحول مدخل محطة مترو التحرير المقابل لقهوة وادى النيل إلى «سجن شعبى»، يضم العشرات من البلطجية وعساكر الشرطة الذين ألقى شباب الحرية القبض عليهم وبحوزتهم أسلحة بيضاء داخل الميدان.
مدخل «السجن الشعبى» محاط بالعشرات من الشباب الذين تطوعوا للقيام بدور حراسة السجن، فلا يسمح لأحد بالدخول إلا رجال الجيش، «الشروق» تمكنت من المرور بعد حوار طويل مع مسئول لجنة الحراسة.
بدأ المشهد من الداخل مظلما فبادر الشباب بتوفير الإضاءة، وأجرينا حوارات مع مساجين سالت الدماء على وجوههم نتاج ما تعرضوا له من ضرب، بعد اكتشاف هويتهم.
باسم اشرف 21 عاما عسكرى شرطة، مقر الإقامة بنها محافظة القليوبية، طلب منه م.خ مساعد مدير أمن الدولة السابق التوجه إلى الميدان هو وبعض زملائه، بحسب ما صرح به باسم فى حوار مسجل.
باسم اعترف أمام لجنة تحقيق شعبية أنه تجمع مع عدد آخر من أفراد الشرطة، فى منطقة ماسبيرو ثم تحركوا إلى التحرير، وحاولوا اختراقه أكثر من مرة، بقنابل المولوتوف، والحجارة.
أما أحمد فتحى مرسى رفاعى شبرا الخيمة قسم ثانى القليوبية عضو بالحزب الوطنى، فقد حصل من أحد سماسرة الانتخابات بالحزب صباح أول أمس على 100 جنيه، ووعد بالحصول على مثلها بعد اقتحام ميدان التحرير.
وهو ما تكرر مع محمد على عبدالواحد بولاق أبو العلا، لكن عبدالواحد قال إنه الأسبوع الماضى تظاهر ضد الشرطة فى شارع 26 يوليو، لكن هذا أمس الأول وجد عدد كبير يؤيد الرئيس مبارك فمضى معهم وفى ميدان عبدالمنعم رياض تورط فى مشاركة آخرين فى الاعتداء على المتظاهرين داخل الميدان.
أحمد فايد سيد كان حالة خاصة حيث أصر لفترة طويلة أنه جاء إلى وسط البلد «علشان يشترى بنطلون جينز»، وبالرغم من محاولات إغرائه بالرحيل فى حال اعترافه ألا انه ناور لمدة نصف ساعة، وفى النهاية اقر فايد أمام لجنة التحقيق الشعبية أنه ينتمى إلى منطقة السيدة زينب.
فايد أقر أن محمد صابر مهران، وكفتة الفوال وهما سماسرة انتخابات يتعاونون مع عضو مجلس شعب كبير فى مواسم الانتخابات طلبا منه أمس مع عدد كبير من «رجالة السيدة» التوجه إلى ميدان التحرير «ويروحوا يخلصوا على العيال اللى هناك.. وكل واحد منا خد 50 جنيه، وقاللونا هناخد حتة بخمسين تانى لما نرجع»
لم تختلف اعترافات فايد وباسم وعبدالواحد عن اعترافات عدد كبير من المقبوض عليهم الذين يمكن تصنيفهم إلى أفراد شرطة فى زى مدنى، أو بلطجية انتخابات تم تجنيدهم من سماسرة الانتخابات التابعين لكبار رجال الحزب الوطنى، فضلا عن مسجلىن خطر الذين تم وعدهم من قبل ضباط الشرطة، بتبرئة ساحتهم بعد القضاء على المتظاهرين.