( 2 )يا صاحب الخطايا : أين الدموع الجارية ؟ يا أسير المعاصي ابك على الذنوب
الماضية ، أسفاً لك إذا جاءك الموت و ما أنبت ، وا حسرة لك إذا دُعيت إلى
التوبة فما أجبت ، كيف تصنع إذا نودي بالرحيل و ما تأهبت ، ألست الذي بارزت
بالكبائر و ما راقبت ؟!
( 3)أسفاً لعبد كلما كثرت أوزاره قلّ استغفاره ، و كلما قرب من القبور قوي عنده الفتور .
( 4 )اذكر اسم من إذا أطعته أفادك ، و إذا أتيته شاكراً زادك ، و إذا خدمته أصلح قلبك و فؤادك .
( 5 )أيها الغافل : ما عندك خبر منك ! فما تعرف من نفسك إلا أن تجوع فتأكل ، و تشبع فتنام ، و تغضب فتخاصم ، فبم تميزت عن البهائم !
( 6 )واعجباً لك ! لو رأيت خطاً مستحسن الرقم لأدركك الدهش من حكمة الكاتب ، و
أنت ترى رقوم القدرة و لا تعرف الصانع ، فإن لم تعرفه بتلك الصنعة فتعجّب ،
كيف أعمى بصيرتك مع رؤية بصرك !
( 7 )يا من قد وهى شبابه ، و امتلأ بالزلل كتابه ، أما بلغك ان الجلود إذا
استشهدت نطقت ! أما علمت أن النار للعصاة خلقت ! إنها لتحرق كل ما يُلقى
فيها ، فتذكر أن التوبة تحجب عنها ، و الدمعة تطفيها .
( سلوا القبور عن سكانها ، و استخبروا اللحود عن قطانها ، تخبركم بخشونة
المضاجع ، و تُعلمكم أن الحسرة قد ملأت المواضع ، و المسافر يود لو انه
راجع ، فليتعظ الغافل و ليراجع .
(9)يا مُطالباً بأعماله ، يا مسئولاً عن أفعاله ، يا مكتوباً عليه جميع أقواله ، يا مناقشاً على كل أحواله ، نسيانك لهذا أمر عجيب !
( 10 )إن مواعظ القرآن تُذيب الحديد ، و للفهوم كل لحظة زجر جديد ، و للقلوب النيرة كل يوم به وعيد ، غير أن الغافل يتلوه و لا يستفيد .
( 11 )كان بشر الحافي طويل السهر يقول : أخاف أن يأتي أمر الله و أنا نائم .
( 12 )
من تصور زوال المحن و بقاء الثناء هان الابتلاء عليه ، و من تفكر في
زوال اللذات وبقاء العار هان تركها عنده ، و ما يُلاحظ العواقب إلا بصر
ثاقب .
( 13 )عجباً لمؤثر الفانية على الباقية ، و لبائع البحر الخضم بساقية ، و لمختار
دار الكدر على الصافية ، و لمقدم حب الأمراض على العافية .
( 14 )قدم على محمد بن واسع ابن عم له فقال له من أين أقبلت ؟ قال : من طلب
الدنيا ، فقال : هل أدركتها ؟ قال لا ، فقال : واعجباً ! أنت تطلب شيئاً لم
تدركه ، فكيف تدرك شيئاً لم تطلبه .
( 15 )يُجمع الناس كلهم في صعيد ، و ينقسمون إلى شقي و سعيد ، فقوم قد حلّ بهم
الوعيد ، و قوم قيامتهم نزهة و عيد ، و كل عامل يغترف من مشربه .
( 16)كم نظرة تحلو في العاجلة ، مرارتها لا تُـطاق في الآخرة ، يا ابن أدم قلبك
قلب ضعيف ، و رأيك في إطلاق الطرف رأي سخيف ، فكم نظرة محتقرة زلت بها
الأقدام .
( 17)يا طفل الهوى ! متى يؤنس منك رشد ، عينك مطلقة في الحرام ، و لسانك مهمل في الآثام ، و جسدك يتعب في كسب الحطام .
(18 )أين ندمك على ذنوبك ؟ أين حسرتك على عيوبك ؟ إلى متى تؤذي بالذنب نفسك ، و
تضيع يومك تضييعك أمسك ، لا مع الصادقين لك قدم ، و لا مع التائبين لك ندم ،
هلاّ بسطت في الدجى يداً سائلة ، و أجريت في السحر دموعاً سائلة .
( 19 )
تحب أولادك طبعاً فأحبب والديك شرعاً ، و ارع أصلاً أثمر فرعاً ، و
اذكر لطفهما بك و طيب المرعى أولاً و أخيرا ، فتصدق عنهما إن كانا ميتين ، و
استغفر لهما و اقض عنهما الدين .
( 20 )من لك إذا الم الألم ، و سكن الصوت و تمكن الندم ، ووقع الفوت ، و أقبل
لأخذ الروح ملك الموت ، و نزلت منزلاً ليس بمسكون ، فيا أسفاً لك كيف تكون ،
و أهوال القبر لا تطاق .
ربنا أجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه