ترجع استخدامات الحرب النفسية والإعلام الدعائي النفسي من قِبل العدو الصهيوني الى بدايات الحركة الصهيونية نفسها التي أدركت أهمية الدعاية ودورها في تحقيق أهداف الصهيونية فاعتمدت الدعاية بشتى الوسائل والأساليب جنبا الى جنب مع إنشاء المؤسسات الإرهابية التي اعتمدت على القوة واتخذت من الإرهاب والقتل منهجا لها،ولما كان الهدف الأساسي للصهيونية والدعاية الإسرائيلية وسائر أساليب الحرب النفسية الإستراتيجية منها والتعبوية هو جمع الشتات اليهودي،وتوطينهم في فلسطين ثم إنشاء الكيان، ثم استمرار الكيان ( بالعدوان والاستيطان والتوسع حيث أن طبيعة الكيان الصهيوني هي طبيعة عنصرية عدوانية استيطانية توسعية استعمارية) إذا كانت هذه هي الأهداف للحركة وحربها النفسية منذ البداية،فقد استغلت واستفادت الحركة الصهيونية في عملها الإعلامي الدعائي النفسي من كافة المدارس النفسية الدعائية في التاريخين القديم والحديث ومن التجارب المعاصرة كالتجربة النازية .
2.مـراحل الحرب النفسية الإسرائيلية
المرحلة الأولى: وتمتد منذ الثورة الفرنسية عام 1789 وحتى انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 وكانت الدعاية اليهودية في هذه المرحلة عبارة عن حملات ثقافية تدعو الى الصهيونية حيث استخدمت الأدب وإعادة كتابة التاريخ للدفاع عن الشخصية اليهودية،فهي مرحلة تميزت بالتمهيد للدعوة الصهيونية.
المرحلة الثانية وتمتد منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897 واستمرت حتى بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939 وسعت الدعاية الصهيونية في هذه المرحلة الى إبراز مبررات التواجد السياسي أي تهيئة الرأي العام العالمي للدعوة الى جمع الشتات وإنشاء الكيان الصهيوني.
المرحلة الثالثة وتمتد منذ عام 1939 وحتى إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948 وكان تركيز الدعاية الصهيونية في هذه المرحلة على خلق تيار قوي من الرأي العام الأمريكي يقود الى تبني السياسة الأمريكية مهمة الدفاع عن شرعية إقامة دولة يهودية وكذلك خلق تيار قوي من الرأي العام الدولي ليحصل الكيان الصهيوني على الشرعية الدولية.
المرحلة الرابعة وتمتد هذه المرحلة منذ تاريخ إعلان الكيان الصهيوني وحتى حرب 1967 وكان تركيز الدعاية في هذه المرحلة على كسب المزيد من تأكيد الشرعية والاعتراف القانوني بالكيان الصهيوني،بالإضافة الى استمرار الدعاية لكسب التأييد والدعم العالمي مما يخدم استمرار الكيان الصهيوني ونموه.
المرحلة الخامسة وتمتد من عام 1967 الى حرب رمضان عام 1973 وتركز الدعاية في هذه المرحلة على إبراز عنصر التفوق للكيان الصهيوني وقدرته على حماية الشرعية في المنطقة مما يحتم اعتبار إرادته في صنع سياسة المنطقة،مع الاستمرار في كسب الدعم والتأييد العالمي.
المرحلة السادسة وتمتد منذ عام 1973 وحتى الوقت الحاضر وهي تركز على الدعوة الى السلام بالوقت الذي تظهر فيه القوة والسيطرة والهيمنة ووجوب اعتبار القرار الإسرائيلي في صنع سياسة المنطقة.
3.إستراتيجية الحرب النفسية الإسرائيلية.
أ- خلق الإحساس لدى الرأي العام العالمي بأن سلام العالم وأمنه ورخاءه مرتبط بقوة إسرائيل وبقائها والمحافظة عليها،وتحاول إقناع يهود العالم بالهجرة الى فلسطين تلبيةً لوعود دينية على حد زعمهم ورغبةً بالهروب من الاضطهاد الذي يعاني منه اليهود في شتى بقاع العالم.
ب- إقناع العرب بأنها دولة خالدة لا تقهر ولا تزول والعمل على تحطيم معنوياتهم كي يستسلموا لليأس ويضطروا للصلح معها وفق شروطها.
ج-توجيه اليهود للداخل كي يركزوا على الناحية العسكرية قبل غيرها وذلك لتبقى معنوياتهم عالية ولتحقيق الأطماع اليهودية.
د-سياسة إعلامية نفسية تعزز وتتماشى مع سياسة الاضطهاد حتى يضطر من بقي في فلسطين من العرب والمسلمين بالهجرة منها الى الخارج.
هـ - تقوم سياسة كسب الأنصار للصهيونية وإسرائيل على العلاقات الإنسانية عبر شبكة واسعة من الأساليب الدبلوماسية وغير الدبلوماسية تستهدف العالم كله لا فرق في ذلك بين حكومة صديقة لإسرائيل وصديقة لأعداها العـرب.
و-تتميز الإستراتيجية الإعلامية الإسرائيلية أيضا بقيامها على أساس الدراسة الشاملة العلمية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد الموجهة إليها والدراسة لطبيعة العلاقات ما بين الدول العربية وصديقاتها.
4.أساليب الحـرب النفسية الإسرائيلية.
أ- التركيز على هدف واحد في وقت واحد كما فعلت في قضية تهجير اليهود السوفيات الى إسرائيل في الثمانينات من القرن السابق وكما فعلت في حرب رمضان حيث ركزت على أخبار المعارك متجاهلةً تماماً أخبار قطع الدول الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل لتختار بعد ذلك وقتاً أكثر ملائمة لعرضها.
ب- أسلوب خلق مصادر متعدد للأخبار وإخفاء آخر لها أو نسبها الى مصدر آخر إضافي كتأكيد لصحتها كأساس باعتبارها مصادر خارجية محايدة.
ج- إخفاء الأخبار الملائمة للخصم وتضليله عنها .
د- أسلوب التحويل السريع للأخبار.
هـ - إشاعة عدم الثقة بالنفس وإيقاع المستهدف والتخبط الفكري.
5.خصائص الحـرب النفسية الإسرائيلية
أ-المركزية.وتعني الاستقلالية والعمل به خلال جهاز يضم خبراء لوضع المخطط الشامل للعمل الدعائي النفسي ثم رسم الخطط المرحلية مع البدائل.
ب-التخصيص. إن تعدد مجالات الحرب النفسية الإسرائيلية يتطلب منها استخدام خبراء مختصين في جميع تلك المجالات لتحقيق مبدأ الشمولية في إستراتيجيتها.
ج-التركيز. بحيث تحمل حملات العدو النفسية صفة التركيز لانجاز المهمة .
د-التوقيت.اي اعتبار عامل التوقيت.
هـ-المصداقية.وهي مصداقية نسبية تسعى وراء كسب ثقة المتلقي.
و-الهجـوم. فالمحتوى الدعائي للعدو محتوى تحريضي استفزازي هجومي.
ز-التكامـل. منطلقات عمل العدو الدعائي الإعلامي النفسي متكاملة بحيث يعمل على جميع الجبهات الإعلامية بمنطلقات ايجابية-لصالحه-وسلبية-ضد الهجمات الأخرى- بتكامل تام.
6-مقولات(منطلقات) الحرب النفسية الإسرائيلية.
أولا: مرت الحرب النفسية الإسرائيلية كما لاحظنا بمراحل عديدة وكان لكل مرحلة طابعها كما كان لكل مرحلة منطلقاتها أو مقولاتها الإعلامية الدعائية،ويمكن تلخيص منطلقات المراحل لخمس الأولى بالاتي:
1.مقولة الحق التاريخي أو ارض الميعاد، أي أن لليهود حقاً تاريخياً في فلسطين.
2. مقولة العداء للسامية(الهولوكوست أو المحرقة)أي أن اليهود تعرضوا وما زالوا يتعرضون للاضطهاد بسبب عنصرهم السامي كما حدث معهم في ألمانيا على يد النازية وعليه فلهم الحق في دولة تحميهم من اضطهاد العالم لهم.
3. مقولة الجنس اليهودي(شعب الله المختار) وهي تعني أنهم عنصر متميز عن غيرهم كعنصر فوق غيرهم من العناصر البشرية.
4.مقولة الأمة اليهودية أو وحدة الدين والقومية،أي أنهم شعب ذو دين واحد هو الدين اليهودي وقومية واحد هي القومية اليهودية.
5.مقولة الصحراء القاحلة والأرض الخالية من السكان وهذه المقولة لخصها احد زعماء الصهيونية بقوله يصف فلسطين:(ارض بلا شعب لشعب بلا ارض).
6.مقولة الجيل الجديد(الصابرا)وحق الولادة والأجيال هذه الذريعة تستند الى أن للجيل الجديد الذي ولد في فلسطين حق البقاء والحياة فيها.
7.مقولة إسرائيل الصغيرة .
8.مقولة إسرائيل المكافحة من أجل البقاء والعيش.
9.مقولة إسرائيل دولة حضارية في محيط متخلف.
10.مقولة إسرائيل أداة متقدمة لحماية الغرب.
ثانياً: إذا كانت هذه المقولات قد طرحت كمنطلقات للحرب النفسية الإسرائيلية في المراحل الخمس الأولى، فإن هذه المقولات كانت تتجدد ويعاد طرحها بقوالب أخرى وأحيانا يستعاض عنها بغيرها خدمة للأهداف المرحلية ويمكن تلخيص منطلقات أو مقولات الحرب النفسية الإسرائيلية في المرحلة السادسة بما يلي :
1.مقولة خطر الإسلام الزاحف .
2.مقولة خطر العربي الثري الذي يملك مصادر الطاقة ويهدد الغرب بمنعها عنه.
3. تشويه الشخصية العربية الإسلامية .
4. تصوير الشخصية اليهودية باعتبارها شخصية راقية متفوقة على غيرها.
5.مقولة أن إسرائيل هي حامية الشرعية في المنطقة ومقاومة الإرهاب.
6.توثيق ربط اليهودية بالمسيحية ويظهر ذلك من خلال الدعاية الصهيونية التي تطالب المسيحية التي تؤمن بعودة المسيح مرة ثانية أن تساعد على تجميع اليهود في فلسطين وبناء الهيكل الثالث لانه حسب زعم الدعاية أن النبوه التوراتية تقول أن المسيح لن يظهر إلا بعد عودة اليهود الى فلسطين وبناء الهيكل الثالث.
7.مقولة العداء للسامية .
8.تشويه صورة حركات الجهاد الفلسطينية والقول إنها منظمات إرهابية.
9.مقولة أن الأعمال الحربية الإسرائيلية هي من اجل السلام العالمي.
7.مجالات الحرب النفسية الإسرائيلية.
تعمل الحرب النفسية الإسرائيلية في كافة المجالات الدولية والعربية والفلسطينية والإسرائيلية،وشرح ذلك كالتالي:
أ.المجال العـربي: تهدف الحرب النفسية الإسرائيلية على العرب الى ما يلي:
1.زرع بذور التفرقة بين الأقطار العربية والتصدي لأي خطوة ايجابية و وحدوية.
2.زرع روح الاستسلام والرضوخ لمقولات الهيمنة والقدرة التي لا ترد أو تقهر.
3.بث اليأس والشك بين أفراد الشعب لتمزيقهم فرقاً وأحزابا وتركز على الجيوش لتحطيم معنوياتها وتزرع في نفوس أفرادها القناعة باستحالة النصر على جيش إسرائيل
4.إبراز أوجه التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتركز في هذا المجال على ثلاثة أمور رئيسية هي:
أ- الخلافات العقائدية في الأنظمة.
ب- استغلال الخلافات بين الزعماء العـرب.
ج-التفوق العسكري:وهو ينفذ بهذا من خلال النكسات التي أصابت العرب كحرب1967 ثم يصعد الحملة بالتخويف بالسلاح النووي لزرع اليأس والقنوط.
ب.المجال الفلسطيني: تهدف الحملة النفسية ضد الأهل في فلسطين المحتلة الى زعزعة صموده وتهجيره لتفريغ الارض من سكانها الأصليين مركزة على عدة أمور أهمها:
1. التعايش السلمي،وهي تمارس في الواقع عكس ما تدعو إليه دعايتها.
2.تشكيك الفلسطينيين بالعرب وقدرتهم وجيوشهم بحيث أصبحوا يهتفون لأي شخص حول العالم قال كلمة حق لهم شرط أن يكون غير عربي وبهذا تكريس لتحطيم معنوياتهم من خلال إيهامهم أن العرب يعيشون برغد عيش ولا يبالون بالفلسطينيين.
3.مقولة ما يسمى بالحكم الذاتي.
4.التأكيد على فكرة التخلي أي أن العرب قد تخلوا عنهم .
ج-المجال الإسرائيلي:
1.أن إسرائيل في حالة حرب دائمة مع العرب وذلك لكي تحقق أهدافها في التوسع من الفرات الى النيل .
2.أن فلسطين هي نقطة الارتكاز ليهود العالم،وان قيام الدولة اليهودية هو تحقيق للنبوة التي وعد بها الرب(إسرائيل).
3.أن بقاء الدولة هو مسؤولية كل يهودي في فلسطين وخارجها وان ولاءه الأول يجب أن يكون لإسرائيل.
د.المجال العالمي: تهدف إسرائيل عالميا الى الحصول على المساندة المادية والمعنوية وتلجأ من اجل ذلك الى الاعتماد على الجاليات اليهودية بالعمل السري والعلني لمسانده الحركة الصهيونية،وتحاول تحقيق السيطرة المطلقة على الصحافة وعلى رؤوس الأموال في الغرب وترتكز في عملها في هذا المجال على عده أمور منها:
1.الحق التاريخي.
2.الحق الإنساني.
3.خطر الحرب العالمية الثالثة: يلمحون أن العرب يصعدون التوتر في المنطقة بهدف جر العالم الى حرب عالمية ثالثة وتقويض الحضارة،وبالتالي فإسرائيل هي ما يمنع العرب من ذلك بتشكيلها خط الدفاع الأول ضد العرب والمسلمين.
من طرف 
