بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله
من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله
فلا مضل له
ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد إن محمدا عبده ورسوله
يقول الله عز وجل ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الدين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)
تبدأ سورة بقسم عظيم وجليل يبين خطورة المعاني التي تتطرق إليها السورة وتتحدث عنها يقسم الله عز وجل بالعصر, ولعصر, أي الدهر أو الزمان أو الوقت الذي تتكون منه حيات الإنسان بل هو الحيات الإنسان
وقول الله عز وجل (إن الإنسان لفي خسر) أي أن الإنسان في خسر مائل عن الطريق المستقيم عابد لنفسه متبع لهواه وسائر نحو الهاوية لما يتصف به من صفات ناقصة قادحة وكلما ذكر الإنسان بهذا الاسم في القران إلا يذكر بمواصفات سلبية
في قوله تعالى (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) سورة العلق 7-6 ) وقال عز من قائل (قتل الإنسان ما أكفره )سورة عبس 17) وقال سبحانه وتعالى (وكان الإنسان أكثر شئ جدلا )سورة الكهف 53)
الهلع والجزع و الجهل والظلم وحب المال صفات يميط اللثام عنها كلام الله تعالى لتظهر شخصية الإنسان على حقيقتها ويفضح مكان الضعف فيها صفات تبعد الإنسان عن رحمة الله وتتسبب في الخسارة أي الضياع والتيه والإطراب في الحياة الدنيا وغضب الله وعقابه في الأخيرة وما تجمع
هذه الصفات إلا في قلب فاسد حزب من الإيمان وفي نفس مغرورة متكبرة متجبرة
ثم تستحي السورة من هذا الخسران كما تبين فئة من الناس تتوفر فيها مواصفات دقيقة يحبها الله ورسوله في قوله تعالى(إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقوتواصوا بالصبر ) أي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالصبر قضايا جوهرية ودعائم أساسية ينبني عليها دين الفرد والمجتمع لا قيام إلا بها فمن أقامها أقام الذين ومن تركها أو
أهملها فقد أضاع الدين الإيمان إلا الذين أمنوا الإيمان أولا تصديق بالله ونبيه نتبعه استجابة لله وإتباع لرسوله الله صلى الله عليه وسلم والإيمان كما جاء في الحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لإله إلا الله
وأدنها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " رواه الشيخان)فالإيمان شعبة يعمل المؤمن على اكتسابها والتحلي بها بالمجاهدة أساسا حتى يصبح إيمانه كاملا في قوله سبحانه وتعالى(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )سورة العنكبوت 69)
وعملوا الصالحات هو المكمل الضروري والأساسي للإيمان القلبي فبعد الاعتقاد القلبي والنطق باللسان يكون عمل الجوارح فقد جاء في الأثر "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقة العمل " فالعمل الصالح ثمرة الإيمان برهانه فلا إيمان بدون
عمل صالح ولا عمل صالح بدون إيمان والعمل أمر به المؤمنون ليستعملوا ماوهبهم الله عز وجل من جوارح وأعضاء وقدرة على الحركة في طاعته سبحانه وتعالى فشكر النعمة استعمالها فيها يرضى الله عز وجل وأمروا بالعمل ليتحدوا
الأسباب نزول عند سنة الله والذي جعل اتخاذ الأسباب سنة تسير عليها الحياة في هذا الكون وليكون العمل صالحا لابد من توفر شرطين فيه
1) الإخلاص
2)ألا يراد به إلا وجه الله كما جاء في الحديث "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوا" رواه الشيخان) وأن يكون وفقا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما جاء في الحديث " من حمل عملا ليس عليه أمرنا فهو راد " رواه مسلم)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "بادروا بالأعمال
الصالحات فستكون فتن كقطع الليل المظلم ويصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا" رواه مسلم)
وقوله تعالى (وتوصوا بالحق) يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "الذين النصيحة" والتواصي بالحق والمعروف
من مقومات المجتمع الإسلامي الأساسية تقيه الإظطرابات و تحفظه من الفلتن التواصي بالحق تذكير ودعوة وتبليغ وتعليم ونشر لرسالة الإسلام شرعه الله عز وجل وأمر به لسببين
1) فالإنسان بطبيعته كثير النسيان قال الله تعالى (ولقد عهدنا إلى آدام من قبل فنسى ولم نجدله عرما ) فلهذا يحتاج لمن يذكره ويعلمه ويفقهه فإن الجاهل يصنع بنفسه مالا يصنعه به عدوه
وفي قوله سبحانه وتعالى (وتوصوا بالصبر ) الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل مالا يحسن ولا يجمل وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها وقد ورد عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " وما
أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر" والصبر هو حبس النفس ومنعها عن كل محظور شرعي ومنهي عنه إن شتهته ومالت أليه وهو أيضا إرغام النفس وإجبارها على القيام بالطاعات والواجبات فهو إذا على مستويين
1) صبر على داعي الهوى إلى ارتكاب ماهو منهي عنه
2) صبر على مشقة الطاعة
فالنفس مطبة العبد التي يمشي عليها إلى الجنة أو النار والصبر لها بمنزلة الخطام والزمام للمطية فإن أمسك المرء الزمام بالصبر تحكم في النفس وهذبها وطوعها وإن فلت الزمام من يديه أصبح لنفسه وهواه وشهواته تابعا
أسألكم خير دعاء