وأحسنوا إن الله يحب
المحسنين
إن المترقي في أشرف منازل الآخرة من يتطلع إلى أعلى مراتب الإسلام (
الإحسان ) في كل شيء ، في أقواله وأعماله وأخلاقه . قال الله تعالى :{ وَأَحْسِنُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } .
• قال الشيخ السعدي رحمه الله : وهذا
يشمل جميع أنواع الإحسان، لأنه لم يقيده بشيء دون شيء .
1- الإحسان في عبادة
الله تعالى، وهو كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن
لم تكن تراه، فإنه يراك " .
2- الإحسان بالمال .
3- والإحسان بالجاه ، و
بالشفاعات ونحو ذلك .
4- و الإحسان بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
5-
وتعليم العلم النافع .
6- و قضاء حوائج الناس ، من تفريج كرباتهم وإزالة شدائدهم
.
7- وعيادة مرضيهم .
8- وتشييع جنائزهم .
9- وإرشاد ضالهم وإعانة من يعمل
عملا ، والعمل لمن لا يحسن العمل .. ، مما هو من الإحسان الذي أمر الله به .
•
فمن اتصف بهذه الصفات ، كان من الذين قال الله فيهم: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا
الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وكان الله معه يسدده ويرشده ويعينه على كل أموره. اه
بتصرف
- فهؤلاء الذين أحسنوا، لهم " الحسنى " وهي الجنة الكاملة في حسنها و "
زيادة " وهي النظر إلى وجه الله الكريم ، وسماع كلامه ، والفوز برضاه والبهجة بقربه
، فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمناه المتمنون، ويسأله السائلون.
• قال تعالى : {
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ
بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } .
قال
الشيخ السعدي رحمه الله : وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال
والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال :{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا
الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله .. من قراءة ، وذكر وعلم
، وأمر بمعروف ونهي عن منكر .
• وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم
ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن
الجمع بينهما.
• والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فإن من ملك لسانه ملك
جميع أمره. اه
• وتعريف الإحسان : قال صلى الله عليه وسلم : [ أن تعبد الله كأنك
تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ] .
• قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : في
تفسير الإحسان : [ أنْ تعبدَ الله كأنّكَ تراهُ … ] الخ يشير إلى أن العبد يعبد
الله تعالى على هذه الصفة وهو استحضار قربه وأنه بين يديه كأنه يراه وذلك يوجب
الخشية والخوف والهيبة والتعظيم ، كما جاء في رواية أبي هريرة : [ أنْ تخشى الله
كأنَّكَ تراهُ ] . ويوجب أيضا النصح في العبادة ، وبذل الجُهد في تحسينها وإتمامها
وإكمالها .
• كيف يكون الإحسان إلى الآخرين : قال عيسى عليه الصلاة والسلام :
ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك ، تلك مكافأة بالمعروف ، ولكن الإحسان أن
تحسن إلى من أساء إليك .
• من صفات المحسنين :{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ
ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ *
وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ }.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: ومن أفضل أنواع الإحسان في عبادة
الخالق، صلاة الليل، الدالة على الإخلاص، وتواطؤ القلب واللسان، ولهذا قال:
1-
{ كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } أي: كان هجوعهم أي: نومهم
بالليل، قليلا وأما أكثر الليل، فإنهم قانتون لربهم، ما بين صلاة، وقراءة، وذكر،
ودعاء، وتضرع .
2- { وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } التي هي قبيل الفجر
، فمدوا صلاتهم إلى السحر، ثم جلسوا في خاتمة قيامهم بالليل، يستغفرون الله تعالى،
استغفار المذنب لذنبه، وللاستغفار بالأسحار، فضيلة وخصيصة، ليست لغيره، كما قال
تعالى في وصف أهل الإيمان والطاعة: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ } .
3-
{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } أي: للمحتاجين الذين
يطلبون من الناس، والذين لا يطلبون منهم .
القوة العلمية والقوة العملية
•
قال ابن القيم رحمه الله : السائر إلى الله تعالى والدار الآخرة ، بل كل سائر إلى
مقصد لا يتم سيرهُ إلا بقوتين .
1- القوة العلمية : يبصر مواضع السلوك ومنازل
الطريق فيقصدها سائراً فيها ويجتنب أسباب الهلاك .
2- القوة العملية : يسير
حقيقة وهو أن يشمر مسافراً في الطريق قاطعاً منازلها فكلما قطع منزلة إستعدّ لقطع
أخرى وهكذا .. ويقول لنفسه : وإنما الأمرصبر ساعة فإن الدنيا كلها كساعة واحدة من
الآخرة ..
- مثال تقريبي للقوتين : كحديقة لها باب وفيها من أنواع الزهور وأنواع
السرورما يعجز عنه الوصف ويحار دونه الطرف ، فصاحب القوة العملية يطلبها مجداً
ولكنه لا يبصر الباب ، فهو يحوم حول البستان ويكون في عناء من سيره وطلبه ولا يجد
لذّة الدخول في الحديقة لأنه ليس عنده القوة العلمية .
• :
أقسام الناس في
القوتين أ) من له قوة علمية وعملية .
ب ) من ليس له قوة علمية ولا قوة عملية .
ج ) من له قوة علمية وليس له قوة عملية .
د ) من له قوة عملية وليس له قوة
علمية .
• فكم سمعنا وقرأنا عن فضائل : ( قيام الليل ،و قراءة القرآن ، و كثرة
الذكر ، والجهاد ،و الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. .. ) ومع ذلك كثير
منها لا نعمل بها .
- والسبب في ذلك ضعف القوة العملية عندنا .
• كيف نحي
القوة العملية في نفوسنا .. ؟اعلم أن القوة العملية تأتي بكثرة : ( التدريب ،
والتمرين ، والممارسة ) على الأعمال مع كثرة الدعاء ، والاستعانة بالله تعالى ، ومع
الإكثار من قول : " لا حول ولا قوة إلا بالله " دائماً وفي كل وقت ..
• أقترح
عليك : ( لتقوية القوة العلمية والعملية )
- تبدأ بقراءة كتاب ( رياض الصالحين
) .. وتحاول أن تعمل بكل حديث يمر عليك . ولو كان معك شخص ذو حزم وعزم فتتفقان على
التدريب والتمرين على كل حديث يمر عليكما أن تطبقاه فذلك أفضل وأقوم وأدوم لكما ،
فكل واحد يعين الآخر ويحاسبه ويشجعه . فبهذه الطريقة جمعتَ :
- بين القوة
العلمية ( وهي التعرف على الأحاديث ) .
- والقوة العملية ( وهي العمل بما في هذه
الأحاديث ) .