بسمـ الله الرحمنـ الرحيمـ
و الصلاة و السلامـ على أشرفـ المرسلينـ
سيدنا محمد و منـ تبعهـ باحسانـ إلى يومـ الدينـ ,,
__________
لا تطيب مجالس الناس اليومَ إلا بتناول وجبةٍ دسمة
من لحم أحد المسلمين
ينهش الجالسون في لحم هذا الشخص
كلٌّ منهم يتناول قطعةً منه
فلا يشبعون ولا يملُّون من تَكرار تناولها كُلَّما اجتمعوا
حتَّى أصبحت رائحة الغِيبة المنتنة تفوح من المجالس
إلى مَن أدمنوا أكل لحوم البشر أقول :
إنَّ الغيبة مرض خطير وداء فتاك و سلوك يُفرق بين الأحباب
وقد نهانا الله تعالى - عن الغيبة ؛ فقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12]
و الغيبة كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
’’ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه’’
قيل: يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول ؟
قال: ’’إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه’’
و ما يكرهه الإنسان يتناول خَلْقَه و خُلُقه و نسبه و كل ما يخصه
و الغيبة من كبائرِ الذُّنوب
و هي مُحرمة بإجماع المسلمين
فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم :
’’كل المسلم على المسلم حرام : ماله و عرضه و دمه’’
و عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم :
’’إنَّ مِن أرْبَى الرِّبا الاسْتِطالَةَ في عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقّ’’
و القائل و المستمع للغيبة سواء ,,
قال عتبة بن أبي سفيان لابنه عمرو:
"يا بني، نزِّه نفسك عن الخنا ، كما تُنَزِّه لسانك عن البذا ,
فإنَّ المستمع شريك القائل"
لذلك لا تعجب حين تَجد القرآن الكريم يصوِّر الغيبة في صورة مُنفرة
تتقزز منها النفوس و تنبو عنها الأذواق ,,
قال تعالى: ((أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)) [الحجرات: 12]
تشبيه أكل لحمه ميتًا ,,
المكروه للنُّفُوس غاية الكراهة باغتيابه ,,
فكما أنَّ الناس يكرهون أكلَ لحمه
و خصوصًا إذا كان ميتًا ، فكذلك فليكرهوا غيبته
و أكل لحمه حيًّا
قال السعدي - رحمه الله :
"وفي هذه الآية دليل على التحذير الشديد من الغيبة ،
وأنَّ الغيبة من الكبائر؛ لأنَّ الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر"
فمثل المغتاب كمثل الكلب، فالكلبُ هو الحيوان الوحيد الذي يأكلُ لحمَ أخيه بعد موته
و المغتاب يُعذب في قبره بأن يخمش وجهه بأظفاره
حتَّى يسيل منه الدَّم
ففي ليلة المعراج مرَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاس يخمشون بها وجوههم و صدورهم
فقال :
’’من هؤلاء يا جبريل ؟
قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس و يقعون في أعراضهم’’
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه :
"عليكم بذكر الله؛ فإنَّه شفاء ، و إيَّاكم و ذكرَ الناس فإنه داء"
و قال الحسن البصري - رحمه اللَّه :
"و الله، للغيبة أسرع في دين الرَّجل من الأكِلَةِ في الجسد"
و عن الحسن البصري - رحمه اللَّه - أنَّ رجلاً قال له:
إنَّك تغتابني فقال : ما بلغَ قدرُك عندي أنْ أحكِّمَكَ في حسناتي.
و قال ابن المبارك - رحمه اللَّه :
"لو كنتُ مُغتابًا أحدًا ، لا غتبتُ والديَّ ؛ لأنَّهما أحقُّ بحسناتي"
قال ابنُ القيم - رحمه الله :
"و من العجب أنَّ الإنسانَ يهون عليه التحفظ و الاحتراز من أكل الحرام
و الظلم و الزِّنا ، و السرقة و شرب الخمر ،
و من النظر المحرم و غير ذلك ،
و يصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ،
حتَّى ترى الرجل يُشار إليه بالدِّين و الزُّهد و العبادة
و هو يتكلم بالكلمات من سخطِ الله لا يلقي لها بالاً
يزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق و المغرب
وكم ترى من رجلٍ مُتورع عن الفواحش و الظلم
و لكن لسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ، و لا يبالي ما يقول"
__________
لذلك ما من يوم تصبح الأعضاء إلاَّ وهي تُخاطب اللسان
وتقول له :
"اتقِّ الله فينا ؛ فإنما نحن بك
فإن استقمت استقمنا، و إن اعوججت اعوججنا"
احْفَظْ لَسَانَكَ أيُّهَا الإِنْسَانُ * لاَ يَلْدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعْبَانُ
كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ * قَدْ كَانَ هَابَ لِقَاءَهُ الشُّجْعَانُ
منقول