السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
من كتاب:
رياض الصالحين للشيخ العثيمين / النسخة الإلكترونية
57 ـ عن أبي ثابت ، وقيل : أبي سعيد ، وقيل : أبي الوليد سهل بن حنيف ،
وهو بدري ، رضي الله عنه ،
أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ((
من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء
، وإن مات على فراشه ))(178) ( رواه مسلم )
الشرح
هذا الحديث ذكره المؤلف رحمه
الله ـ في باب الصدق ، والشاهد منه قوله : (( من سأل
الله تعالى الشهادة بصدق )) . والشهادة مرتبة عالية بعد الصديقية ،
كما قال الله سبحانه : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ)(النساء:
69) ، وهي أنواع كثيرة :
منها : الشهادة بأحكام الله
عز وجل على عباد الله ، وهذه شهادة العلماء التي قال الله فيها : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ )(آل عمران: 18) .
وقد ذهب كثير من العلماء في تفسير قوله : (وَالشُّهَدَاءِ ) إلى أنهم العلماء ولا شك أن العلماء
شهداء ، فيشهدون بأن الله تعالى أرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى
ودين الحق ، ويشهدون على الأمة بأنها بلغت شريعة الله ، ويشهدون في أحكام
الله : هذا حلال ، وهذا حرام ، وهذا واجب ، وهذا مستحب ، وهذا مكره ، ولا
يعرف هذا إلا أهل العلم ؛ لذلك كانوا شهداء .
ومن الشهداء أيضا : من يصاب
بالطعن والبطن والحرق والغرق : المطعون والمبطون والحريق والغريق وما
أشبههم .
ومن الشهداء : الذين قتلوا في سبيل الله .
ومن الشهداء : الذين يقتلون دون أموالهم ودون أنفسهم ، كما قال النبي ـ
عليه الصلاة والسلام ـ حينما سأله رجل وقال : (( أرأيت
يا رسول الله إن جاءني رجل يطلب مالي ـ أي عنوة ـ قال : (( لا تعطيه مالك ،
قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال قاتله ، قال أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في
النار ـ لأنه معتد ظالم ـ قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد قال :
أرأيت إن قتلته ؟ قال هو في النار ))(179)
وقال النبي عليه الصلاة
والسلام : (( من قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون
أهله فهو شهيد ، ومن قتل دون ماله فهو شهيد ))(180) . ومن الشهداء
أيضا : من قتل ظلما ، كأن يعتدي عليه إنسان فيقتله غيلة ـ ظلما ـ فهذا شهيد
.
ولكن أعلى الشهداء هم الذين يقتلون في سبيل
الله ؛ كما قال تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ ( 169 ) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ
أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ( 170 ) (يَسْتَبْشِرُونَ
بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران 169 ـ171 ) ، هؤلاء الشهداء في الآية وهم
: الذين قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا ، فما قاتلوا لحظوظ أنفسهم ،
وما قاتلوا لأموالهم ، وإنما قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا ، كما قال
لك النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل
حمية ويقاتل ليرى مكانه ، أي ذلك في سبيل الله ؟ قال : (( من قاتل لتكون
كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ))(181) .
هذا الميزان ميزان عدل ، لا يخيس ميزان وضعه
النبي صلي الله عليه وسلم يزن الإنسان به عمله .
فمن قاتل لهذه الكلمة فهو في
سبيل الله ، إن قتلت فأنت شهيد ، وإن غنمت فأنت سعيد ، كما قال الله سبحانه
: ( قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى
الْحُسْنَيَيْنِ ) إما الشهادة وإما الظفر والنصر . ( وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ
بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا)التوبة: 52) ، أي : إما
أن الله يعذبكم ، ويقينا شركم ، كما فعل الله تعالى بالأحزاب الذين تجمعوا
على المدينة يريدون قتل الرسول عليه الصلاة والسلام ، فأرسل الله عليهم
ريحا وجنودا وألقى في قلوبهم الرعب ،( أَوْ
بِأَيْدِينَا) كما حصل في بدر ، فإن الله عذب المشركين بأيدي الرسول
صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، هذا الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا
هو الشهيد .
فإذا سال الإنسان
ربه وقال :
اللهم إني أسألك الشهادة في
سبيلك ـ ولا تكون الشهادة إلا بالقتال ؛ لتكون كلمة الله هي العليا ـ فإن
الله تعالى إذا علم منه صدق القول والنية أنزله منازل الشهداء ، وإن مات
على فراشه .
بقي علينا الذي يقاتل دفاعا عن بلده : هل هو
في سبيل الله أو لا ؟ نقول : إن كنت تقاتل دفاعا عن بلدك لأنها بلد إسلامي
فتريد أن تحميها من أجل أنها بلد إسلامي فهذا في سبيل الله ، لأنك قاتلت
لتكون كلمة الله هي العليا .
إما إذا قاتلت من أجل أنها
وطن فقط فهذا ليس في سبيل الله ؛ لأن الميزان الذي وضعه النبي ـ عليه
الصلاة والسلام ـ لا ينطبق عليه من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في
سبيل الله ، وما سوى ذلك فليس في سبيل الله ، ولهذا يجب أن نصحح للإنسان
نيته في القتال للدفاع عن بلده ، بأن ينوي بذلك بأن يقاتل عن هذا البلد
لأنه بلد إسلامية فيريد أن يحفظ الإسلام الذي فيه ، وبهذا إذا قتل شهيدا له
أجر الشهداء ، وإذا غنم صار سعيدا وربح ، إما ربح الدنيا وإما ربح الآخرة ،
وقد وتقدم الكلام على هذه المسألة . والله الموفق .