رسائل نصرة الأقصى
الرسالة الثالثة
مـــن يحمـــل هـــم الأقصـــى
كنت في وسيلة المواصلات أفكر لماذا لا يهتــم الناس بما يحدث بالأقصى .. ؟! ..
ولماذا لا يهتمون بمصابات الأمة التي طالت المقدسات والدمـــاء والأعــــراض .. ؟! ..
وكنت أرمق الناس تسير وأتساءل ما الذي يشغلهم عن عظائم الأمور..؟!
وجال في خاطري ... ألم تكن قضية الأقصى مسيطرة على الجماهير.. ؟
ألم تكن هذه الأمة مسيطرة على التاريخ والجغرافيا وحازت من قبل المجد والشرف
والقوة..؟! ...ألم تكن الصحوة الإسلامية هي المسيطرة على عقول وقلوب الجماهير ..؟!
فلماذا لم تتوج هذه السيطرة إلى نصرٍٍ وتمكينٍ..؟!
فقلت في نفسي : انتهاز الفرصة..أليس ذلك كتاب كارتر الذي يقوم الآن بدور خطير
في السياسة الأمريكية والذي كان يدعو للتقدم وانتهاز الفرصة وتكوين الامبراطورية الامريكية..؟!
أليس انتهاز الفرص هو ما فعله اليهود ليخرجوا المسلمين من أراضيهم ويتقدموا في مشاريعهم .؟!
هكذا انتصر العدو في المعركة مع أنها لم تكن في صالحة .. لقد انتهز فرص التفرق
والاختلاف والذنوب وحب التصدر.. فتغلب على صحوة هذه الأمة وضرب مكامن قوتها...
وتساءلت لماذا لا ينتهز الدعاة الفرص الدعوية السانحة والقنوات التي فتحها الله
عليهم ليذكروا الشباب بقضاياهم الحقيقية وبالواجب عليهم اتجاه أمتهم ويعيدوا
الصحوة إلى تأثيرها المطلوب..؟!!...
فتذكرت كيف كانت هذه الأمة ضاغطة دائماً على عدوها بالفتوحات والجهاد وبالدعوة
والمعاملات..وكيف جعلته في موضع الدفاع عن نفسه دائماً..!
تذكرت كيف كان المجاهدون في بيت المقدس ضاغطين على اليهود بثوراتهم المباركة
المتتالية وعمليات المهندس الفذة والنوعية..!
تذكرت كيف كان الدعاة وشباب الصحوة بأنشتطتهم الجماهيرية ضاغطين إعلامياً على
دعاة السلام والتطبيع الزائف..!
وأخـذت أقارن بين أسلوب الضغط المستمر مع انتهاز الفرص في الملعب الأخضر وبينه
كأسلوب عملي وجماهيري فعال وقوي لمناصرة الأقصى ،وأنا أتذكر تكتيكات غزوة بدر
وثغرة الجبل في أحد..
تبسمت وأنا أرى المباراة التافهة وقد تحولت في كلام الشباب إلى معركة حقيقية
.. وتذكرت غزوة الأحزاب .. وارتباط النصر بالصبر شرعاً وواقعاً .. وكيف مدح الله المؤمنين
– في كتابه - على صبرهم وثباتهم ... ، وربطه – سبحانه وتعالى - الجهاد
بتمحيص المؤمنين وامتحان الصابرين .. ليستأهلو بهذا النصر والتمكين..
وأخذت أتساءل :لماذا نرى صبر كثير من شباب الصحوة يضعف فضلاً عن بعض مقدميها..؟!
.. لماذا لا نصبر في ميادين الدعوة والمقاطعة والمباديء والثوابت..؟!
عرفت بماذا ينشغل الشباب وكيف يتم تفريغ طاقاتهم وميولهم لطلب النصر وتحقيقه...
فعامل المفاجأة الذي استخدمه النبي – صلى الله عليه وسلم – في عدد من الغزوات
مثل غزوة يهود بني قريظة عندما أمر ألا يُصلى العصر إلا في مرابعهم فباغتهم قبل أن
يتجهزوا .. لا يفهمه الشباب إلا في المعارك الكروية البطولية ..
هذا العامل الذي تدور خطط العدو في صرف الأمة وإلهائها حتى يتسنى له استغلاله
ضد مقدساتنا وإخواننا..
وقلت : لو انصرفت اهتمامات المسلمين قليلاً لتحليل مجريات المعركة الحقيقية مع
اليهود والأمريكان لرأوا الكثير ، كما استطاعوا أن يروا هذه التكتيكات الغير مرئية
من مجريات المبارايات الكروية ...
هـــذا لو اهتم المسلمون ....
لو اهتموا بذلك .. للاحظــوا كيف تراجع اليهود عن طموحاتهم وعن حدودهم الوهمية
ولاحظــوا التراجع الاقتصادي اليهودي والأمريكي بل وتغير السياسة الأمريكية –
حتى يأتي رئيسهم يتمسح في هذه الأمة كيف تتركه يسفك دماءها - ،
ولعلم عندها أنهم يألمون..بل ويضعفون!!
لو اهتم المسلمون واستخدموا هذه التحليــــلات الكرويـــة لنصرة الأقصى.. لنصـــروه..
لو صبروا وضغطوا في هذه القضية واستمروا وانتهزوا الفرص المناسبة ..لأحيوا هذه
القضية التي ماتت في نفوس الأمة وغيبت عن اهتماماتهم..
ولكن الأقصـــى يحتــاج أن ينتظر حتى ينتهي الدوري والقمة ...لأن القمة الكروية
هي قمة الاهتمامات الآن... ويا ليته ينتظر لبعد كأس العالم والبطولات... وياليت
اليهود إذا حاولوا هدم الأقصى أن يتجنبوا أوقات الامتحانات وكذلك الأجازات...
عســـى أن يهتـــم المسلمـــون بممــا يحدث للأقصى..!!!!!!
ورجعت أتحسر على اهتمامات الشباب وقد عرفت سبب عدم تفاعل مع قضية الأقصى.. إن
اهتمامات المسلمين قد صــرفت ، وســاعدت الفضــائيات والنـــت على ذلك...
لقد صارت اهتمــــامات كثير من المسلميــــن – اليوم - تــدور حول أمور تافهة
.. وقد تملكت منهم هذه الأمور حتى صارت في حسهم مقدسات لا يقبلون توجيه النقد لها
أو الصدام معها..
اهتمــــامات كثير من المسلميـــن تـــدور اليـــوم حول ما تشتهيه نفــوسهم
وتطلبه أجســـادهم من متع زائلة ...أما أرواحهم وما يزكيـــها وأمتــــهم وما
ينصـــرها ويرفـــع شأنـــها .. فليـــس من شــأنهم..!!
اهتمــــامات كثير من المسلمين بيد أعدائهم .. فيستغفلوهم ويضللوهم ويشغلوهم
عما فيه منفعتهم ومنفعة أمتهم ، إلى أن وصل الحــال أن استبدلنا العـــداء مع
اليهود والأمريكان .. إلى العـــداء مع الفلسطينيـــن والجزائـــرين والمصريين
..فأي تضليـــل بعد هذا التضليـــل..؟!
اهتمــــامات كثير من المسلمين اليــــوم تدور مع الكرة بين أرجل اللاعبين..
وتتنقل بين الدوري والقمة والكأس والاولمبياد.. وتنتهي عند دهان الشعر وموضة اللبس
ونوع الموبيل والسيارة...
والعجب فوق ذلك من بعض المنتسبين للصحوة وقد صارت اهتمامات بعضهم تدور حول الجلوس
أمام القنوات للبحث عن بعض الأسماء ، والبعض الآخر منهم اهتمامه نبش أخطاء الدعاة
والعاملين الصادقين وتصيدها وقد جعل هم حياته تثبيط كل عامل للإسلام غيره.. وصرف
الناس عن أي دعوة صادقة غير ما ينتمي لها..ويحقق منتهى آماله أن يدعوه من حوله
بالشيخ.. والآخــر صــارت قضيته محاربة الإدمــان !!!
فقلت: لك الله يا أقصــــى ....فما عـــادت أمتى تهتم بما يحصل لك ..؟!
يا أمتي ... من يحمـــــل هم الأقصــــى...؟!... مـن يحمــــل هم الإســـلام ..؟!
أمثل هذه الاهتمامات ستحـــرر الأقصــــى وتعيـــد المجد وتنصـــر الإســلام..؟!
أين هذه الاهتمامات من اهتمامات صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -..؟!
انظر إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه – وهمه واهتمامه بنشر الإسلام ودعوة
النجباء إليه والانشغال بما يصيب المسلمين، فلا يسمع عن مسلم يعذب إلا يفتديه
بماله حتى يقولوا له لو اعطيتنا أقل من ذلك لقبلنا ،فيقول لو طلبتم وزنهم ذهب
لدفعت ..فأين من المسلمين اليوم من يقتدي بأبي بكر..؟!
وانظر إليه يسير –في الهجرة - أمام النبي وخلفه وعن يمينه وشماله خوفاً أن يصيبه
أذى لتعرف ما يشغل ذهنه ... ثم يضع قدمه في جحر الثعبان حمايةً لرسول الله ،
ويلدغه الثعبان فلا يتحرك خوفاً أن يقلق منام رسول الله –صلى الله عليه وسلم - ..
فأين المسلمون اليوم من مثل هذا الهم الذي ملك عليه كل شيء فبذل لله كل شيء ..؟!
أين المسلمون اليوم من همة عمر واهتمامه بعزة المسلمين وإذلال أعدائهم .. من أول يومٍ أسلم فيه
... وفي يوم هجرته ينشغل بمعنى العزة وتقريره فينادي من أراد أن تثكله أمه
فليأتيني خلف هذا الجبل ... وبعد بدر ينشغل بمعاني الولاء والبراء وإذلال المشركين
فيشير على الرسول بقتل أسرى بدر فينزل القرآن موافقاً له ... فيصير لو سار في وادٍ
لسلك الشيطان وادٍ آخر ...فأين عمر اليوم من تدنيس اليهود
لباحات الأقصى وخوضهم في الدماء..؟!
وأين همة الشباب في الاستعلاء على الجزائريين والعكس من هذه الاهتمامات العمرية..؟
أين شباب الأمة من معاذ ومعوذ ابني عفراء وهما في بدايات سن الحلم.. وكل ما
يهمهم قتل أبو جهل (لا نجونـــا إن نجى).. لماذا..؟..لأنه (كان يـــؤذي رســول الله )
– صلى الله عليه وسلم -..؟.. ثم تصاب ي\\\\ أحدهم فتمنعه من إكمال الجهاد
فيقف عليه فيخلعها حتى يكمل تسطير المجد في بدر.. هؤلاء هم شباب الصحابة .. فأين
شباب اليوم منهم...؟!
أين حرص كلٍ منهما على المشاركة في قتل أبي جهل من حرص شباب اليوم على
المشاركة في نقاط المباراة..؟!
أين اهتمامات الشباب من ابن عباس وهو غلام عندما رأى علماء وصحابة رسول الله
يستشهدون فحمل همّ جمع ما معهم من علم .. من حديث رسول الله ..فجمعه وصار بحر هذه
الأمة ؟!
هذه كانت هموم من بنوا للأمة مجدها وفتحوا قدسها ونشروا في كل البقاع دينها
...فيا حسرة على اهتمامات المسلمين اليوم..؟!
ولما تبدلت اهتمامات المسلمين وانشغلوا ببناء القصور والصراعات على النفوذ نزل
الذل ودنس الأقصى واستُبيحت الحرمات
وظلت الأمة تعاني من ويلات الصليبين حتى جاء أمثال نور الدين وصلاح الدين ..
فتجدد الهمّ وتكاتفت الجهود فتنزل عليهم النصر..
فيروي في مجلس نور الدين محمود حديث متسلسل بالتبسم فطلبوا منه التبسم ليحفظ
التسلسل.. فما استطاع وقال : ( إني لأستحي من الله تعالى أن يراني مبتسماً
والمسلمون محاصرون بالفرنج )...
ومن همه بتحرير الأقصى يبنى المنبر ويحمله معه في الحروب ليزين الأقصى به متى
حرره .. ويقسم ويقول ( والله لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الإسلام). ...
ويلقي نفسه في المعارك فيحاولوا منعه خوفاً عليه وعلى معنويات الجنود فيقول : ( من
كان يحفظ الدين والبلاد قبلي غير الذي لا إله إلا هو؟ ومن هو محمود؟) فيبكى من حوله...
وبمثل هذا الهم خرج جيل صلاح الدين الذي حرر القدس وأعاد الأقصى...
واليوم تغيرت الهموم فلا صارت تدور حول جاهٍ وقصر ولا هي تسعى إلى عزٍ ونصر ،
بل صارت تدور على سفاسف الأمور التي لا تبني دنيا ولا تصلح ديناً.. وتملكت عقول الشباب
واستحوذت عليه دعاوى أعدائه حتى صار الكثير منهم ينظر لكل من ينصحه على أنه رجعي
إرهابي متشدد..
فلا عجب إذن أن يحرق منبر الأقصى .. ويصول اليهود في باحاته ويخططوا لهدمه ويحفروا
الأنفاق تحت أساساته .. فما عاد شباب الأمة يحملون همه .. ولا ينشغلون بنصرته ..
يا أخــــوة الإســـلام.....
دَمُ المصليـــــن في المحراب ينهمر **** و المستغيثـــون لا رجـع و لا أثر
و القدس في قيدها حسناء قد سُلبت **** عيونها في عذاب الصمــت تنتظر
تُســـــائل الليـــل و الأفـلاك ما فعلت **** جحافل الحـــق لما جاءهــــا الخبر
هل جُهزت في حيــــاض النيل ألويةٌ **** هل في العـراق و نجد جلجل الغير
تُسائــــل القـــدس هذا الليـــل حائرةٌ **** و نحـــن بالقـــولة النكـــراء نعتذر
ياليت شعـــــري أضاعـــت كل عزتنا **** حتى استبــــاح حمــــانا جهرة قذر
يا أمـــــة الحق إن الجـــــرح متسع **** فهل تُـــرى من نزيف الجـرح نعتبر
على أســاس الهدى كانت مدائننـــا **** و في سبيـــــل العــــلا لم يُثننا سفر
لم نفتخـــــر أبـــداً بالطيـــن أبنيــــة **** كلا و لكننــــا بالعــــدل نفتـــــــــخر
إذا تطــــــاول بالأهــــــرام منهـــزم **** فنحــــن أهـــرامنا سلمـــان أو عمر
اهرامـــــنا شــــادها طه دعائمــــه **** وحي من الله لا طيـــن و لا حجــــــر
أهرامــــنا في ذرى الأخلاق شامخة **** هي السمـاحة و هي المجد و الظفر
أهرامـــــــنا في ربى التوحيد راسخة **** غيــــــث النبــــــوة يسقـها فتزدهر
يا أمــــــة الحق ماذا بعدُ هل قُتلت **** فينا المروءات و استشرى بنا نخوة
أمــــــا لنا بعد هذا الــــذل معتصــــمٌ **** يجيــــب صرخة مظلــــوم و ينتصــر
أمـــا لنا من صـــــلاح الدين يُعتقـــنا **** فقد تكالب في استعبـــــادنا الغجــــر
يا أمـــــة الـــحق إنا رغـــم محـــــنتنا **** إيمــــــاننا ثابـــــت بالله نصطبــــــر
يا إخـــوة الإســلام ...
ألا تهتمون بهذه المصـــائب ..؟! ألا تنشغـــلون بمجد أمتـــكم وما يهددها من أخطـــار..؟
يا أخوتي لقد ذكر الله تعالى صفات المنافقين فقال : [وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ
أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ] ..
يقول السعدي: ( [قد أهمتهم أنفسهم] فليس لهم هم في غيرها، لنفاقهم أو ضعف إيمانهم )
..
وفي تفسير ابن كثير : (والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هَمٌّ إلا أنفسهُم،
أجبن قوم وأرعنه، وأخْذَله للحق { يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ
الْجَاهِلِيَّةِ } كَذَبَةَ، أهل شك وريب في الله، عز وجل )...
فمن علامات أهل الإيمـــان الاهتمـــام بإخـــوانهم وبقضايا أمتهم وكيفية نصرها
والانتقام من أعدائها وتحرير مقدساتها ، ومن أخـــلاق المنافقيـــن عدم
الاهتمـــام إلا بأنفسهم وفوق ذلك هم أجبن الناس وأخذلهم للحق ..
فبأي الفريقين نقتدي..؟ وتحت أي لواءٍ نحب أن ننتمي..؟ ..
يا إخـــوة الإســلام ...
لقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (من كان همه الآخرة ؛ جمع الله
شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت نيته الدنيا ؛ فرق الله
عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ) ...
فمن يحمل هم الآخـــرة ..؟! .. من يحمل هم الإسلام..؟!.. من يحمل هم الأقصى..؟!
لقـــد جالت هذه المعــاني في خاطري فأحببت أن أسطرها وأنا أتســــاءل ..
هــــل سأجـــــــد مــــن شبــــــاب الأمـــــــة مـــــن يقــــول :
أنـــا أحمل هم الأقصــــى ... أنـــا أحمـــل هم الإســـلام.. ؟!!