الزرنيخ Arsenic ما هو وكيف ينتج ؟تتواجد مادة
الزرنيخ في الكثير من الخامات مثل التربة والبحر والجسد البشري
يعود اكتشاف مادة الزرنيخ إلى الكيميائي الألماني البرتوس
ماغنوس ( 1193 – 1280 م ) الذي وجد أيضا أن هذا العنصر البلوري الرمادي
المتكسر يقتل الإنسان بسرعة وفعالية بجرعات قليلة ، وبسبب هذه المزايا
القاتلة لهذه المادة احتفظ العالم الألماني وزملاؤه بسر وجودها . وتتواجد
مادة الزرنيخ في الكثير من الخامات مثل التربة والبحر والجسد البشري ،
ويحتوي الجسد البشري على حوالي عشرة ملغرامات من هذه المادة يتم استخراجها
بتواصل بواسطة الكبد وتحول إلى شكل حمضي يتم طرده إلى الخارج بفعل الوظائف
الطبيعية للجسد ، ويحافظ الجسد على مستوى مادة الزرنيخ فيه بواسطة الطعام
الذي نأكله ، وكل شيء نستهلكه كطعام يتضمن الزرنيخ ، كالأسماك التي تتغذي
بالزرنيخ وعندها يكون مستوى هذه المادة فيها مرتفعا دون ان يكون مؤذيا .
والحقيقة أن الأبحاث أظهرت أنه
عندما تحرم بعض الحيوانات مثل الدجاج والماعز من مادة الزرنيخ في غذائها
فإنها تعاني من نقص في نموها حتى يعود مستوى المادة إلى الدرجة الطبيعية
عندها ، كذلك وجد العلماء أن الزرنيخ يحفز انتاج الهيموغلوبين او خضاب الدم
وهو الخضاب الموجود في خلايا الدم الحمراء التي تنقل
الأوكسجين عبر الجسد ن ولهذا السبب غالبا ما كان يوصف خضاب
الدم كعلاج لفقر الدم قبل التوصل إلى اكتشاف أدوية جديدة لهذا الغرض . ولم
يتبدد الغموض والأساطير المحيطة بمادة الزرنيخ قبل اتخاذ الأبحاث العلمية
في هذا المجال منحى منظما في القرن الثامن عشر عندما استعمل الأطباء مركبات
الزرنيخ لمعالجة حالات مثل الروماتيزم ( تيبس العضلات ) والتهاب المفاصل
والربو والسل والسكري والأمراض التناسلية . ولقد ظل دواء يستند إلى الزرنيخ
اسمه سالفارسان Salvarsan الذي اكتشف سنة 1909 العلاج الأول لمرض الزهري
حتى مجيء دواء البنيسيلين Penicillin في الأربعينات من هذا القرن .
وربما يكون أشهر من دعم استعمال الزرنيخ كدواء د. توماس فاولو
الذي تأثر بفعالية دواء معين بحيث قرر إجراء تحاليل عميقة له ، ولقد وجد
هذا الطبيب أن المادة الناشطة في هذا الدواء هي الزرنيخ وعمل على تصميم
وصفة دوائية خاصة تستند إلى ثلاثي أوكسيد الزرنيخ وكربونات البوتاسيوم
وتعرف بالزرنيخ الأبيض وتم تسويقها فعليا ، ولقد أدت هذه الوصفة إلى ازدياد
شهرة الطبيب فاولو .
لكن الجانب السيء من الزرنيخ هو الذي أدى إلى شهرة هذه
المادة وأول محاولة قتل مسجلة باستعمال الزرنيخ حصلت في سنة 1384 عندما قام
متآمرون بمحاولة فاشلة لتسميم ملك فرنسا تشارلز الرابع .
وهنالك حالة أخرى من التسميم بالزرنيخ حصلت في أوائل القرن
الثامن عشر وحصدت اكثر من 500 قتيل بمن فيهم أحد البابوات .
لكن بشكل عام كان مجرمون الزرنيخ في القرن الثامن عشر يحتمون
بحقيقة أن العوارض التي تظهر لدى ضحية المادة السامة قد تشير ربما عن خطأ
إلى اعتلالات أخرى كثيرة ، من ناحية أخرى لم يكن من الصعب استعمال هذه
المادة للقتل إذ أن كمية ضئيلة منه في كأس شراب كافية للقتل ، لكن مع منتصف
القرن الثامن عشر تمكن الطب الشرعي رغم أنه كان في بدايته من اكتشاف كون
الزرنيخ وراء سببا لحالة قتل او تسمم وفي سنة 1752 أصبحت ماري بلاندي التي
قتلت أباها بالزرنيخ أول شخص تتم إدانته وإعدامه استنادا إلى براهين الطب
الشرعي .
وتكاثرت حالات القتل بالزرنيخ في القرن التاسع عشر وتوجد
حالات أخرى من التسمم غير المقصود بالزرنيخ ، وحتى اليوم لا يزال الجدل
قائما عما إذا كان نبليون بونابرت قد سمم بالزرنيخ عمدا من جانب حراسه
الإنجليز في المعتقل في جزيرة القديسة هيلينا أو انه امتص جرعة قاتلة من
الزرنيخ من جراء استعمال مادة صبغ
كانت شائعة الاستعمال في ذلك الوقت . وهذه المواد كانت سببا
لحالات موت كثيرة بالزرنيخ ، ففي سنة 1858 نقل 200 شخص إلى المستشفي وتوفي
20 منهم نتيجة تناول أقراص نعناع تحتوي على مادة الزرنيخ عن طريق الخطأ وفي
سنة 1901 تسمم أكثر من 6000 شخص في مدينة مانشستر في بريطانيا من جراء
شربهم لنوع من البيرة تحتوي على مادة الزرنيخ وتوفي منهم 70 شخصا بعد ذلك
تم تعيين لجنة طبية خاصة لفحص مكونات مركبات كيميائية مختلفة من الزرنيخ
وذلك لزيادة إجراءات الأمان في المستقبل .