موضوع: مجلة الفلسفة...للعلوم التجريبية فقط...متجددة الثلاثاء 9 مارس - 14:36:54
الموضوع :قيل إن العلوم الإنسانية هي ما يقع في الوجود الفعلي و هي مما يدركه الباحثون بالمشاهدة كإدراكهم لمادة العلوم التجريبية كلها .دافع عن هذه الأطروحة . طر ح المشكلة:لقد شكل الإنسان موضوع بحث و دراسة فهو جانب مادي وآخر روحي معنوي أدى إلى ظهور علوم إنسانية تبحث في إنسانيته بأبعادها الثلاثة النفسي و الاجتماعي و التاريخي,لكن تميز الظاهرة الإنسانية بخصائص كالتغير و عدم التكرار شكلت عائقا أمام دراستها تجريبيا,غير ان هذا لاقى معارضة بحيث يمكن دراستها بشكل علمي وهي أطروحة صحيحة.فما المبررات التي تثبت صحتها؟بصيغة أخرى إذا كانت الظواهر الانسانية تخضع للتجريب ما الدليل على ذلك؟ محاولة حل المشكلة: عرض منطق الاطروحة: ان الواقع البشري له أبعاد ثلاثة بعد اجتماعي يدرسه علم الاجتماع,وبعد نفسي يهتم به علم النفس, وبعد تاريخي يؤرخ له علم التاريخ, وقد تم دراسة هذه الأبعاد بشكل موضوعي وذلك بتطبيق المنهج التجريبي حسب طبيعة الظاهرة فكان المنهج التاريخي مع ابن خلدون قائما على ضرورة المصادر وتحليلها ونقدها لتركيب الحادثة بشكل حقيقي,أما المنهج في علم الاجتماع فقد تم تطبيق التجربة الغير مباشرة على حوادث المجتمع أي اعتماد الملاحظة و التحليل لمعرفة أسبابها و إمكانية التنبؤ بها وهذا مااثبتته العلوم الاجتماعية الحديثة كالإحصاء و الانتروبولوجيا يقول كونت...إنني اعني بالفيزياء الاجتماعية العلم الذي تكون دراسة الظواهر الاجتماعية فيه موضوعية على ان ينظر إلى هذه الظواهر بنفس الروح التي ينظر بها إلى الظواهر الفلكية) أما عن منهج علم النفس فقد استطاع السيكولوجيون فهم الحياة الداخلية باعتماد المنهج الذاتي الاستبطاني أو المنهج السلوكي الموضوعي القائم على تفسير سلوك الفرد عرض خصوم الاطروحة:إلا أن هناك من عارض ذلك واعتبر انه لا يمكن دراسة الظاهرة الإنسانية دراسة علمية انطلاقا من وجود مجموعة من العقبات كغياب الموضوعية وغياب الملاحظة و التجربة وغياب الحتمية و التنبؤ,(نقدهم)ولكن لا يمكن الجزم بذلك لان علماء دراسة الظواهر الإنسانية تجاوزوا هذه العقبات و البحوث التي قاموا بها في الميادين الثلاثة تثبت ذلك. الدفاع عن الاطروحة بحجج شخصية:إن طبيعة و مسائل العلوم الإنسانية مكنت الباحثين من تنويع أساليب البحث و أبدعوا مناهج تتشابه مع بعض المناهج في العلوم التجريبية والتزموا من ناحية أخرى ببعض أساليب البحث التي تتلاءم وتنسجم مع طبيعة موضوعاته وهذا مكننا من فهم الإنسان و واقعه وأبعاده المختلفة حل المشكلة:إن الأطروحة القائلة بدراسة الظواهر الإنسانية دراسة علمية كدراستهم لمادة العلوم التجريبية أطروحة صحيحة في سياقها لذلك يمكننا الدفاع عنها و تبنيها
[b]
طريقة الاستقصاء بالوضع الاستقصاء هو التحري والوصف والبحث عن حقيقة ما ، نعتمد هذه الطريقة عندما يطلب منا الدفاع عن رأي ما، كأن يكون رأي فيلسوف ، أو خلاصة نظرية فلسفية …وذلك بإتباع الخطوات التالية:
أـ البداية:تمــــهيد ومدخـــل عام للموضوع ننتقل فيه من العام إلى الخاص. ب ـ المسار:إبراز التناقض الذي أدى إلى طرح المشكل ونعرض فيه ــ الأطروحة الشائعة أولا ثم: ــ الأطروحة الصائبة ثانيا . ج ـ صياغة المشكل:التساؤل عن كيفية الإثبات في سؤال دقيق وبلغة سليمة خالية من الأخطاء ينتهي بعلامة الاستفهام
أـ عرض المنطق العام للفكرة أو القضية أو الأطروحة: وتحليلها تحليلا كاملا وشاملا، تبرز فيه قدرتك على التحليل. ب ـ تدعيم ألأطروحة: بالحجج والبراهين و المنطلقات الفكرية، والنظريات الفلسفية و التجارب العلمية، بمختلف أنواعها. مع توظيف الأقوال المأثورة والأمثلة الواقعية. ج ـ عرض موقف الخصوم ونقده: ويكون بتوضيحه بغرض إبراز هفواته ونقاط ضعفه من أجل إبطاله، ويكون النقد للشكل والمضمون، مع توظيف النظريات و الأمثلة المناسبة وأقوال الفلاسفة التي تخدم الموضوع، ثم نصل إلى استنتاج لمحاولة حل المشكل.
تأكيد قابلية الموقف للدفاع عنه والأخذ به، مع مراعاة الانسجام بين المقدمات السابقة والخاتمة من الناحية المنطقية، والتأكيد على صدق الأطروحة وضرورة الأخذ بهاو واعتبار من عارضها رأي باطل .
طريقة الاستقصاء بالرفع
نعتمد هذه الطريقة، عندما يطلب منا تفنيد ودحض رأي ما، كأن يكون رأي فيلسوف ،أو خلاصة نظرية فلسفية …وذلك بإتباع الخطوات التالية:
أـ البداية:تمــــهيد ومدخـــل عام للموضوع،ويكون بالانتقال من العام إلى الخاص. ب ـ المسار:إبراز التناقض الذي أدى إلى طرح المشكل ويكون ــ بعرض الفكرة التي تبدو صائبة أولا ثم: ــ بعرض الفكرة الشائعة. ج ـ صياغة المشكل: التساؤل عن كيفية الإبطال في سؤال دقيق و بلغة سليمة خالية من الأخطاء.
أـ عرض المنطق العام للفكرة أو القضية أو الأطروحة: وتحليلها تحليلا كاملا وشاملا، تبرز فيه قدرتك على التحليل . ب ـ إبطال منطق الأطروحة: بالحجج والبراهين و المنطلقات الفكرية التي هي ضد المناصرين، بمختلف أنواعها، ونقد منطقهم من حيث الشكل و المضمون، مع توظيف النظريات والتجارب والأمثلة الواقعية والأقوال. ج ـ نقد منطق المناصرين للأطروحة: و توضيحه بالحجج الشخصية شكلا ومضمونا مع الاستئناس بالمذاهب الفلسفية المؤسسة، مع توظيف الأمثلة المناسبة وأقوال الفلاسفة والتجارب العلمية التي تخدم الموضوع، ثم نصل إلى استنتاج لمحاولة حل المشكل. .
التأكيد على عدم قابلية الموقف للدفاع عنه والأخذ به، والتأكيد على مشروعية الإبطال. مع مراعاة الانسجام بين المقدمات السابقة والخاتمة من الناحية المنطقية التي تخلو من التناقض المنطقي.
المشكلة : أثبت صحة الأطروحة يمكن التمييز بين البديهيات و المصادرات الطريقة : استقصاء بالوضع المقدمة : الرياضيات من العلوم التجريدية تختص بدراسة المقادير و الكميات و تعتمد على الاستنتاج كمنهج ومن مبادئها البديهيات و المصادرات فقد شاع عند عامة الناس بأنه يمكن لا يمكن التمييز بين البديهيات و المصادرات وهناك من يرى بأنه يمكن التمييز بين البديهيات و المصادرات فكيف يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة ؟ عرض منطق الأطروحة : حسب منطق الأطروحة الوارد في نص السؤال فانه يمكن التمييز بين البديهيات و المسلمات في كل نسق رياضي وهذا ما ذهبت اليه الرياضيات الاقليدية أو الكلاسيكية فهذه الرياضيات تحتوي على مجموعة من المبادىء و القواعد تتمثل في تلك التي وضعها اقليدس كان يعتقد بأنها ثابتة و صحيحة و موضوعية و تتمثل في البديهيات فالبداهة عند ديكارت هي الوضوح وهي قضية أولية يصدق بها العقل دون برهان فهي عامة بمعنى تشمل كل العلوم وتستخدم في كل برهان وهي أبسط الأشياء و أشدها وضوحا ومن الأمثلة عليها .الكل أكبر من الجزء . أما المسلمات فهي قضايا يضعها الرياضي و يسلم بصدقها وهي أقل وضوحا من البديهية وهي من وضع العقل و صنعه ومن المصادرات التي وضعها اقليدس السطح مستوي من نقطة خارج مستقيم لا يمكن رسم الا موازي واحد أما التعريفات فهي قضيا يضعها الرياضي لتحديد المعاني الرياضية و تو ضيحها و تبسيطها . خصوم الأطروحة : ان الذين تبنوا الرأي المخالف يؤكدون أنه لايمكن التمييز بين البديهيات و المسلمات في كل نسق رياضي وهذا ماذهبت اليه الرياضيات المعاصرة يستند التلميذ الى نظرية كل من لوباتشوفسكي و ريمان نقد خصوم الأطروحة : ان هذا الاختلاف الجوهري أدى الى التشكيك في مصداقية الرياضيات خاتمة : وهكذا يتضح بأن هذه الأطروحة صحيحة يمكن تبنيها
: ما الفرق بين البديهية و المسلمة ؟ طريقة المقارنة: المقدمة: تدرس الرياضيات الكميات العقلية المجردة و لذلك كان استدلالها استدلالا عقليا مجردا يستند الى جملة من المبادىء العقلية من بينها البديهيات و المسلمات . فاذا كانت كل من البديهية و المسلمة مبادىء عقلية نستند اليها في عملية البرهان، فهل هذا يعني أنهما شيء واحد ؟ أم أنهما متغايران تماما؟ التحليل: أوجه التشابه: - البديهيات والمسلمات قضايا يسلم بها العقل مباشرة وبدون برهان لشدة وضوحها. - انها قضايا أولية نستند إليها للبرهنة على قضايا أخرى،فهي أساس الاستدلال ولا تحتاج إلى استدلال. - تقوم البديهية والمصادرة على مبدأ عدم التناقض. أوجه الاختلاف: - البديهية من بناء العقل ونسيجه أما المسلمة فهي من وضع العقل الذي ابتدعها بغية استعمالها وادخالها في سلسلة من المحاكمات. - البديهية قضية واضحة بذاتها أما المسلمة فبالرغم من أننا نسلم بها مباشرة الا أن وضوحها يتوقف على ما يؤسس عليها من بناء رياضي منسجم. - البديهية عامة أما المسلمة خاصة : فلكل علم مسلماته بل قد تتعدد المسلمات في علم واحد كما هو الحال في مجال الهندسة . - البديهية حكم تحليلي محمولها يدخل في تركيب الموضوع أما المسلمة فهي حكم تركيبي لأن محمولها لا يدخل في تركيب الموضوع بل يضيف له. مواطن التداخل: البديهيات مبادىء عقلية أولية و بالتالي فهي سابقة على المسلمة التي لا ينبغي أن تتنافى معها. لكن البديهية ليست كافية لتأسيس علم ما ولذلك فان المسلمة مكملة لها باعتبارها قضايا أولية في العلم. النتيجة: ان شدة التداخل و التطابق الوظيفي بين البديهية و المصادرة جعل كثيرا من العلماء لا يميزون بينهما في العصر الحديث.
الغائية و الحتمية فى العلم الحديث-للاطلاع
منقول محمد السماحى...بتصرف يناقش هذا المقال قضية الغائية متتبعا بصماتها على الفكر الانسانى عبر العصور المختلفة، وهو يهاجم الغائية بمنطق مقنع، ويفسر اضطرار العلوم البيولوجية الى الأخذ بمنطقها أحيانا، وهذا المقال هو موجز لوجهة نظر الكتاب كما عرضها فى ندوة الجمعية لشهر سبتمبر، ونحن ننتظر وجهات النظر الأخرى التى عرضت فى الندوة لننشرها فى الأعداد القادمة ليتم الحوار كالعادة تحقيقا لأمل لا يهدأ.
رغم قلة الأفكار الغائية فى علوم المادة الفزيائية والكيميائية وما يرتبط بهما، فان العلم البيولوجى لا يزال متأثرا جداً بالتفسيرات الغائية teleological explanation ، حتى أنه قد أصبح المعقل الثانى للغائية بعد الميتافيزيقا القديمة.
وكما هو واضح من التسمية فان اصطلاح غائى يصف فكرة اتجاه الأحداث الطبيعية نحو تحقيق اهداف نهائية لها، أى تحقيق نتائج معينة لها طبيعة هادفة.
وهناك اتفاق بين معظم الفلاسفة على أن منشأ الغائية هو لجوء الانسان الى تطبيق السلوك البشرى الهادف على الكون كله، بل أن بيرت Burtt (هو من نقاد العلم ومن فلاسفة العلم المعاصرين) يسمى هذه العملية "سوء تطبيق" misapplication وليس تطبيقا، وهذا الاتجاه يسمى عموما "بالتشبيه بالانسان" anthropomorphism (لأن فيه استعارة لسلوكه الهادف، والذى يتفق كثيرون على اعتباره كذلك وعلى تسميته Goal seeking) قد طبع بطبيعته على الفكر الانسانى منذ زمن سحيق ولم يكتف بالتأثير على الأسطورة واللاهوت والميتافزيقا، بل تعدى ذلك الى العلم. ويذهب كونور Connor (وهو من فلاسفة اللغة المعاصرين) الى أن الانسان قد استعار الاتجاه الهادف فى التفكير وفى صياغة كل اللغات المعروفة، ليس فقط من حياته هو ذات الجوهر الهادف، بل أيضا من السلوك الحيوانى عموما أذ أن كل الكائنات الحية لها سلوك هادف. أمثلة للتفكير الغائى قبل العلم:
فى الكوزمولوجى الأسطورى ازدهرت الأفكار الغائية التى ترجع سبب الخلق الى رغبات للآلهة فى أثبات وجودها واظهار قدراتها الخلاقة، وفى الكوزمولوجى الدينى صورت مكونات العالم وكأنها تسعى الى تنفيذ خطط الاله التى رسمها العالم والى عرض قدرته التنظيمية من أجل هداية المتأملين، أما فى الأساس الميتافيزيقى الذى يحمل البناء العلمى الحديث الكلاسيكى لعلم ما بعد عصر النهضة والى عصر التنوير، فقد كانت الروح الغائية واضحة( وأن كانت أقل وضوحا من ميتافيزيقا العصور الوسطى وميتافيزيقا التراث اليونانى خاصة المتأثر بأرسطو). تجلت عند نيوين ومعاصريه فى سعى الكون الى تحقيق بقائه عليها قوى متساوية فى المقدار متضادة فى الاتجاه لما أستقر الكون ولما وصل الى مرحلة الحالة الثابتةsteady state، حيث يكون الداخل(مواد وطاقات متكونة) مساويا للمفقود( طاقات مبذولة ومواد مستهلكة فى التفاعلات) وحيث تتحقق قوانين حفظ المادة والطاقة(المادة لا تخلق من لا شئ ولا تفنى وكذلك الطاقة). ومع تحقق الحالة الثابتة تنعدم المفآجات( انفجار أو تفتت نجم أو انخلاق مجرة) ويبقى فقط التشكل البطئ التدريجى الذى لا يتعارض مع استقرار الكون ويساعد على تحقيق هدفه الأساسى وهو الاتزان الفزيائى الذى يؤدى الى البقاء.
وفى القرن التاسع عشر ازدهرت فكرة التطور، أى اتجاه العالم نحو هدف هو التعقيد والارتقاء والتنوع والتكامل ومجموعة من الأوصاف يمكن قبولها كلها تحت كلمة واسعة المعنى هى التطور وهذا الفعل الغائى (التطور) قد أدخل عليه برجسون فى القرن الحالى فكرة" موضوعية" واستقلال الزمان" الذى يصبح قوة فعالة فى تحقيق التطور، وهى فكرة أكثر غموضا من التطور نفسه. الغائية والعلوم الفزيائية:
من الواضح أن علماء الفزيائية والعلوم المرتبطة بها لا يميلون الى استعمال التفسيرات الغائية نظرا لأن الفكرة السائدة عن المادة هى أنها غير واعية، وبالتالى لا يمكن أن تكون هادفة، اذا اتفقنا على أن السلوك الهادف هو صفة للوعى، فالمادة ذات سلوك حتمى لا يحيد عن الخط الحتمى المعروف الا تحت تأثير سبب خارجى، على عكس السلوك الهادف للكائنات الحية.
ولهذا السبب فالقوانين الفزيائية لا تصاغ صياغة غائية فلا يقال أن الحامض يتحد بمركب قلوى من أجل تكوين ملح، وأنما يقال أنه فى حالة تفاعل حامض مع قلوى ينتج ملح.
ولذلك أيضا صاغ بويل الفزيائية للغازات صياغة حتمية تقول" أنه عند ثبوت درجة الحرارة يزداد الضغط بصغر الحجم بحيث يكون حاصل ضربهما ثابت". ولم يكن ممكنا أن يصوغ بويل قانونه غائبا فيقول" يحاول الغاز زيادة ضغطه اذا قل حجمه والعكس من أجل ابقاء حاصل ضربهما ثابتا عند ثبوت درجة الحرارة.
المظهر الغائى للظاهرة البيولوجية:
يصعب انكار المظهر الغائى لبعض الظواهر البيولوجية الرئيسية، فنمو أشواك للقنفذ يبدو هادفا الى حمايته من اقتراب الحيوانات الأكبر منه، وتلون الحرباء بلون الوسط الأخضر يبدو هادفا الى أخفائها عن أعدائها، كذلك فان بعض الأعضاء تؤدى أعمالا فسيولوجية تبدو وكأنها " وظيفة للعضو".
فهل هذا مجرد مظهر سطحى للظواهر البيولوجية؟ أم أن هذه الظواهر تبدى أفعالا غائية فى الواقع ؟ أن مجرد ميلنا نحو أعتبار هذه الظواهر حقيقية يأخذنا الى فرض غير مقبول عقليا، مؤداه أن التفاعلات الكيميائية العضوية التى يترتب عليها المظهر الغائى هى نفسها تفاعلات غائية، وهذا ما يرفضه أرنست ناجل فيلسوف العلم المعاصر ويرفضه معظم المفكرين العلميين المحدثين، أنه شئ حقيقى أن حركة يد الحيوان فى اتجاه الغذاء تبدو هادفة الى الحصول على الغذاء من أجل توفير الطاقة الكيميائية الضرورية للحياة، ولكن التفاعلات التى أنتهت الى تخليق السعرات اللازمة لهذه الحركة هى تفاعلات عمياء( بتعبير أدبى) غير هادفة، وأما مشكلة التناقض بين مظهر الظواهر الحية الغائى وجوهرها غير الغائى فهى تنتهى تماما بتجنب صياغة الظواهر البيولوجية صياغة غائبة والاكتفاء بوضعها فى صيغة حتمية مثل القوانين الفزيائية ، وسنورد أمثلة لذلك لتوضيح أن التعبير عن الظواهر البيولوجية دون وصف غائى هو شئ ممكن دائما. التعبير غير الغائى عن الظواهر البيولوجية ممكن:
أوضح عدد من فلاسفة العلم امكانية تحويل الصياغة الغائية فى علوم الحياة الى صياغة حتمية، وأحيانا فى شكل قوانين طبيعية سببية، وذلك دون تغيير المعنى أو المضمون. ولقد أورد ارنست ناجل ضمن أمثلته المثالين التاليين
أولا:
(أ) وصف غائى: وظيفة الكلوروفيل فى النبات تصنيع النشا.
(ب) وصف حتمى: تصنع النباتات النشا فى وجود الكلوروفيل فقط.
ثانيا: [size=18]
(أ) وصف غائى: وظيفة خلايا الدم البيضاء حماية الجسم من العدوى.
(ب) وصف حتمى: وجود خلايا الدم البيضاء فى تركيز معين يقلل من فرصة غزو البكتريا للأنسجة وبدء العدوى.
وقابيلة الصياغة الغائية فى البيولوجيا للتحول إلى صياغة حتمية موجودة فى الأفكار البيولوجية بلااستثناء(اذ أن كلا من الغاية والحتمية مجرد علاقة شرطية بين فكرتين قد ترمز لهما بالرمزين س، ص فيكون شكل الحتمية هوس تؤدى الى ص) وشكل الغائية هو:
(ص تنتج من س من أجل تحقيق الحالة ص) وهكذا تتضح وحدة المضمون فى الحالتين الحتمية والغائية).فلو درست قانون ستارلنج الفسيولوجى لوجدت له صياغة تقول:
(كلما ازدادت كمية الراجع الدموى الوريدى(venous return) تمددت عضلة القلب لتدفع كمية أكبر من الخارج الدموى الشريانى(cardiac output)
ولكن نفس القانون يمكن التعبير عنه حتميا كالآتى دون تغير مضمونهيؤدى ازياد كمية الراجع الدموى الوريدى الى تمدد عضلة القلب وبالتالى الى ازدياد كمية الخارج الدموى الشريانى).
ولقد اعتبر كثير من فلاسفة العلم أن شيوع التفسيرات الغائية فى البيولوجيا لم يكن الا لتسهيل الشرح والتصور واسراع الفهم بتقريب الظاهرة الى شكل الأفعال اليومية، فقطعا تبدو الصياغة(أ) فى المثالين التالين أقرب الى الفهم من(ب):
1ـ(أ) الشعيرات الدموية الكلوية(Renal glomeruli) لا تسمح بمرور البروتينات من الدم الى البول لتحافظ عليها من الفقدان.(صياغة غائية لذلك فهى أقرب الى التصور والفهم). (ب) نظرا لعدم قابلية البروتينات للرشح خلال الشعيرات الدموية لكبر حجمها الجزئيى فأنها لا تمر مع البول بل تبقى فى الجسم.
(صياغة حتمية لذلك تبدو أكثر تجريدا وربما اصعب فهما).
2 ـ(أ) وظيفة الجلد هى حماية الأنسجة الداخلية من عوامل الوسط الخارجى. (ب) وجود الجلد بين الوسط الخارجى والأنسجة الداخلية يتسبب فى عزل عوامل الوسط الخارجى عن الأنسجة.
(صياغة حتمية أكثر تجريدا)
ولكن تسهيل الفهم ليس هو السبب الوحيد لكثرة التفسيرات الغائية اذ أن العادة العقلية عند علماء البيولوجيا لها دور وكذلك اضطرار العلماء الى اللجوء للتشبيهanalogy (كتشبيه وظائف أعضاء الجسم بالمجتمع المتكامل الذى تخصص كل فرد من أفراده فى عمل نافع للمجموعة) كان له دور هام.
فما هى الغائية بعد التحليل السابق لصياغة تصوراتنا عن الظواهر صياغات لغوية؟
هى أولا اسلوب ايحاء لغوى من ناحية الشكل تصاغ فيه تصوراتنا عن الظاهرة.
فعندما تكون لدينا ظاهرة كظاهرة توالد الكائنات الحية، ففى امكاننا وصفها باللغة العادية اليومية هكذا:
(تصنع الحيوانات من نفسها نسخا شبيهة بها بالتناسل فيتم حفظ النوع).
وفى امكاننا صياغتها حتمياً هكذا:
(لا يحفظ نوع حيوانى الا بالتوالد).
كما أنه فى امكاننا وصفها غائبا هكذا: (تتوالد الحيوانات من اجل حفظ النوع).
ويمكن بسهولة ملاحظة أن المضمون لم يتغير فى أى من هذه الصيغ الثلاث التى يمكن اعتبارها كلها بمثابة حالة شرطية بين س(التوالد) وص(حفظ النوع) فتكون ص مشروطة بحدوث س أى أن حفظ النوع يستلزم حدوث التوالد.
ولم يكن هناك أى فارق حقيقى فى المعنى بين الصيغ الثلاث، ولكن احداها وهى الصيغة الثالثة قد تمت باستعمال لغة موحية بوجود الهدف(لاحظ كلمة من أجل).
والغائية ثانيا ليست صفة واقعية فى الظاهرة وانما فكرة سبقية"a priori" وتعسفية"arbitrary" تستعمل كوسيلة للبحث وتوجيه التفسير ولتسهيل الفهم.
فأما كونها سبقية فلأن الغائية غير مستنبطة من مقدمات سابقة عليها ولا بد من ملحوظات تجريبية لا تقبل التفسيرات الأخرى غير الغائية بل هى مجرد مبدأ نظرى فى الذهن لا يمكن البرهنة عليه ولا التيقن من صحته تماما مثل فكرة(القدر) أو(السببية) أو(حرية الارادة وتخيير الانسان). وكونها تعسفية واضح من أنها موضوعة باختيار الذهن، كما وضعت الاتجاهات الأربعة(الشمال والجنوب والشرق والغرب) واتجاهى الكهرباء(سالب وموجب) أو مقاييس المسافات (كأن تقسم الى أمتار مثلا أو ياردات وأميال)،ومما يميز الأفكار التعسفية كالغائية امكان استبدالها بأفكار أخرى بديلة دون أن يؤدى ذلك الى توقف التفكير، فكما وضحنا فى البداية يمكن استبدال الصياغة الغائية دائما بصياغة حتمية أو سببية، كما يمكن الاستغناء التام عن التفسيرات الغائية فى أكبر معقل للغائية بين العلوم وهو العلم البيولوجى. هل الغائية مبدأ ضرورى فى العلم؟ [size 18]
ليس لمجرد المسايرة للاتجاه الذى يسير فيه معظم فلاسفة العلم يذهب هذا المقال الى الدعوة لتنقية البيولوجيا من الغائية، بل أن المقال يستند الى امكانية الاستغناء عن التفسيرات الغائية، ولو من باب الاقتصاد، طالما أن التفسيرات المحايدة والحتمية قادرة على وصف الظواهر البيولوجية. ومن وجهة نظر أخرى فان الغائية تبدو بالفعل كمبدأ متحيز(prejudiced) يفترض دون وجه حق وبشكل مسبق وجود السلوك الهادف فى الظواهر المعروضة للدراسة.[/size]
أما استعمال الغائية لتسهيل الفهم فهو استمرار للعادة الذهنية التى تشبه العالم بالانسان ولا حاجة بنا لذلك.
مقالة فلسفية -هل نتائج العلوم التجريبية دقيقة ويقينية ؟bac2009 طرح المشكلة هل العلوم التجريبية تعتبر علوما صارمة في تطبيق المنهج التجريبي ، و دقيقة في استخلاص نتائجها ؟ و هل يمكن أن يتحقق ذلك في العلوم البيولوجية ؟
المنهج التجريبــــي Méthode Expérimentale هو الطريقة التي يتبعها العلماء في تحليل و تفسير الظواهر الطبيعيــــــــة 1 - الملاحظة Observation/ تركيز الحواس والعقل و الشعور صوب الظاهرة و متابعة تغيراتها بهدف تفسيرها (ملاحظة ظاهرة السقوط) 2 - الفرضية Hypothese/ تفسير عقلي مؤقت للظاهرة ، يحدد الاسباب الممكنة التي تكون وراء حدوث الظاهرة ، فالفرض هو بمثابة مشروع قانون يحتمل الخطأ و الصواب 3-- التجربة Experience/ هي اعادة الظاهرة في ظروف اصطناعية ، يحضرها العالم نفسه ، و الغرض منها هو التحخقق من صحة الفرضيات ، و اكتشاف الاسباب الحقيقية وراء الظاهرة و من ثمة يتم صياغة القانون و م المقصود بالقانون العلمي العلاقة الموضوعية الثابثة بين الظواهر، و التي من خلالها يمكن تفسير ما يحدث امامنا من ظواهر ، و التنبؤ بها مثال ث= ك*ج هل نتائج العلوم التجريبية دقيقة و يقينيـــــــة ؟ ا- العقليين و انصار الحتمية / نتائج العلم دقيقة و يقينية ، والاستقراء Induction مشروع يقول كــــاــــــــنط Kant ( الاستقراء يقوم على مبدأ السببية العام) ، لكل ظاهرة سبب ادى حدوثها ، و انطلاقا من معرفتنا للأسبـــــاب ( الاحكام الجزئية) يمكننا استخلاص القواعد العامة (الاحكام الكلية) دون الرجوع الى التجربة مثال .الذهب يتمدد بالحرارة +النحاس+ الحديد+ الفضة = كل المعادن تتمدد بالحرارة .قاعدة عامة يفينيـــــة / لابلاص . نتائج العلوم التجريبية دقيقة ، لأن الظواهر الطبيعية تخضع لقوانين صارمة ( مبدأ الحتمية Déterminisme نفس الاسباب تؤدي حتما الى نفس النتائج مهما تغير الزمان و المكان) و التنبؤ بهذا المعنى يكون دقيقا أيضا مثل التنبؤ بظاهرة الكسوف ، و الاحوال الجوية ، أمثلة – الماء يغلي بالضرورة في 100°. و يتجمدب الضرورة في 0° و لا شك في ذلك - لا وجود للصدفة ( ان الصدفة خرافة اخترعت لتبرير جهلنا) - لابلاص ( يجب ان ننظر الى الحالة الراهنة للعالم كنتيجة للحالة السابقة ، و كمقدمة للحالة اللاحقة) النقد/ الحتمية مسلمة عقلية و ليست حقيقة تجريبية ، و ما هو مسلم به يحتمل الخطأ و الصواب ، و لا يمثل الحقيقة دائما ، و كثيرا ما تظهر حقائق تؤثر على مجال الاستقراء .
ب- اللاادرية و أنصار اللاحتمية/ دافيد هيوم D.Hume ، الاستقراء غير مشروع ، أي لا يجوز بناء قواعد عامة من أحكام خاصة -ما يصدق على الجزء قد لا يصدق على الكل ، ، الملاحظة تثبت ما هو كائن ، و ما هو كائن جزئي و متغير و هذا ما ينفي وجود علاقات ثابتة بين الظواهر ، الحالة الراهنة لا تفسر الحالة اللاحقة ، ثم أن الربط بين الظواهر وليد العادة فقط ، مثل تتابع البرق و الرعد , و كأن الاول سبب الثاني ، غير أن الظاهرتين منفصلتين ، و هكذا ينتمي هيوم الى المدرسة اللاادرية التي تشك في نتائج العلم .و انصار اللاحتمية مثل هايزنبرغ Heisenberg الحتمية ليست مبدأ مطلق ، لأن بعض الظواهر الطبيعية لا تخضع لقوانين صارمة ، الامر الذي دفعهم الى التسليم بمدأ جديد هو اللاحتمية Non Déterminisme ( نفس الأسباب لا تعطي نفس النتائج) .ظواهر الميكروفيزياء ( العالم الاصغرMicrocosme) يقول هيزنبرغ( ان الضبط الحتمي الذي تؤكد عليه العلية و قوانينها ، لا يصح في مستوى الفيزياء الذرية ) قانون السرعة سر= م/ ز لا يمكن تطبيقه لقياس دوران الالكترون حول النواة ، لأن دورانه عشوائي ذو سرعة فائقة حوالي 7 مليار د/ ثا ، و لا يمكن التنبؤ بمساره و كأنه يختار الطريق بنفسه ، الفعل تلقائي يؤثر على دقة التنبؤ النقد/ ان هيوم بالغائه لمبدأ السببية العام و ، كل القوانيين العلمية يكون قد دمر العلم من أساسه ، و لقد أدت التقنيات الحديثة الى ازالة فكرة العشوائية في ظواهر الميكروفيزياء ، و اصبح الانسان قادرا على تفسيرها بقوانين خاصة
خلاصة لا يمكن الحديث عن الدقة المطلقة في العلوم التجريبية مادام الاستقراء ناقصا و النتائج نسبية ، لكن يمكن الحديث عن تطور مستمر لهذه العلوم ، فكلما تطورت وسائل الملاحظة و التجربة كانت النتائج اكثر دقة و يقينـــــــــــــــــــــا
الفرق بين العلوم الانسانية والعلوم الطبيعية
- التفرد: خاصية لا تواجه سوى المشتغلين في مجال البحث في العلوم الإنسانية ، تعنى بوصفها إشكالية عدم تشابه وحدات موضوع البحث ، بدعوى أن الباحث في مجال العلوم الطبيعية يتعامل مع مواد تتصف وحداتها بالتطابق والتكرار ، وبالتالي فإنه يستطيع أن يسلم منذ البدء بأن ما تخلص إليه دراسته لوحدة مفردة يمكن أن تعمم نتائجها لتشمل بقية المادة جميعاً ، بيد أن مثل هذا التعميم يكون مستحيلاً في مجال العلوم الإنسانية ، فالسببية في مجال العلوم الطبيعية مطلقة ، بينما تكون نسبية في العلوم الإنسانية. التغير: ويعنى أن السلوك الإنساني موضوع متغير في مساراته وتشعباته وأسبابه ودوافعه ومتغيراته ، فهو يتغير بتغير الحضارات ، فعلى سبيل المثال لو أننا أخذنا قطعة حديد من القرون الوسطى وقمنا بتسخينها فإنها سوف تكون خاضعة لطبيعتها التي تتسم بالثبات أي أنها سوف تتمدد وهو نفس ما سيحدث لو أننا أحضرنا قطعة حديد ليس لها نفس الدرجة من القدم، بينما نجد أن الأمر سيختلف كثيراً بالنسبة للعلوم الإنسانية فلو أننا استطلعنا رأي المصريين على سبيل المثال حول المعدل الإنجابي في القرن الماضي ستختلف الاستجابات عن نفس الاستطلاع حول نفس الموضوع منذ منتصف هذا القرن والذي بدوره سيختلف لو أننا استطلعناه الآن ، التغير سمة إنسانية ترتبط بطبيعة الإنسان
- التناول غير المباشر: إذا قام أحد الباحثين في مجال العلوم الطبيعية بدراسة الجاذبية أو بدراسة الطفو فإنه بذلك يتعامل بصورة مباشرة مادية ملموسة ومحسوسة أي أنه يتعامل مع الظاهرة مباشرة والأمر يختلف بالنسبة للعلوم الإنسانية فالكراهية مثلاً خاصية تميز السلوك الإنساني ولكنها ليس لها وجود مادي مباشر ولذلك لابد عند دراستها من استنتاجها من خلال السلوك . -التحيز: ويعنى أن الباحث في مجال العلوم الإنسانية يعد جزءاً من موضوع البحث بحكم كونه إنساناً ، ولما كان هدف أي بحث هو الوصول إلى قوانين عامة ، فإن هدف الباحث في مجال السلوك الإنساني هو الوصول إلى قوانين عامة تفسر سلوكه هو أيضاً ، ومن هنا فإن تحيزاته الذاتية ورغباته وأرائه الشخصية قد تتدخل جميعاً في تفسيره للنتائج التي يصل إليها بل قد يمتد تدخلها لتؤثر في اختياره للوقائع محل الدراسة وللمنهج الذي يختاره لتناولها.
- صعوبة التجريب: وهي تدخل ضمن الاعتبارات الأخلاقية ، حيث أنه من الصعب بل أنه ليس متاح أن نقوم بإجراء تجارب على الإنسان قد تعرضه لأخطار شديدة ، فعلى سبيل المثال عند دراسة الآثار النفسية المترتبة على حدوث الكوارث الطبيعية أو الإدمان أو الطلاق أو الوفاة فكلها أمور يصعب بل ويستحيل إحداثها لدراستها فضلاً عن خطورة التجريب على الإنسان فيها. - مبدأ الحتمية: الحتمية في العلم تعنى وجود علاقة حتمية بين السبب والنتيجة ، فلو قلنا أن المعادن تتمدد بالحرارة ، فإن الحتمية هنا تكون من مبادئ العلم الأساسية وفي نطاق العلوم الإنسانية هل نستطيع أن نجد نفس المعنى للحتمية كما نجده في العلوم الطبيعية؟ الإجابة يقيناً أن هناك حتمية تحكم كل ظواهر الكون فمنظومة الكون الكبرى كلها تخضع لقوانين محتومة بأسباب فكل سلوك بالضرورة له معنى ودلالة وحتى من يزعم أن لكل قاعدة شواذ ، فمرجع هذا الزعم في جوهره هو العجز عن إدراك جميع العوامل الحتمية في إحداث الظاهرة - تعقد مادة الدراسة: إن مادة الدراسة في العلوم الطبيعية أبسط من تلك التي تعالجها العلوم الاجتماعية ، لأنها تتعامل مع مستوى واحد وهو المستوى الفيزيقي وهو مستوى لا يتضمن سوى عدداً محدوداً من المتغيرات فضلاً عن أن هذا المستوى يمكن قياسه والتعامل معه بكل دقة ، أما بالنسبة للعلوم الإنسانية فإنها تتعامل مع حالات ومستويات أكثر تعقيداً - صعوبة ملاحظة مادة الدراسة: يواجه الباحث في العلوم الإنسانية صعوبة شديدة عند قيامه بملاحظة الظواهر فلا يستطيع أن يرى أو يسمع أو يلمس أو يتذوق الظواهر التي حدثت في الماضي ، كما أنه لا يستطيع أن يكرر حدوثها لكي يلاحظها ملاحظة مباشرة ، كما لا يستطيع الباحث أن يضع الشخصية في أنبوبة اختبار أو أن يتعامل معها بوصفها فأر تجارب كما لا يستطيع أن يتعرف على الأحداث الدقيقة التي يمر بها كل شخص ولا يستطيع كذلك أن يقتحم العالم الداخلي لأي إنسان لكي يلاحظ ملاحظة مباشرة ما يدور في نفسه. عدم تكرار مادة الدراسة: الظواهر في العلوم الإنسانية هي ظواهر تتسم بأنها أقل قابلية للتكرار من الظواهر الطبيعية ، فكثير من الظواهر في العلوم الطبيعية على درجة كبيرة من الوحدة والتواتر لذلك يمكن ويسهل تجريدها وصياغتها في صورة تعميمات وقوانين كمية دقيقة ، أما الظواهر في العلوم الإنسانية فإنها غالباً ما تعالج أحداثاً تاريخية محددة وتتعرض لأشياء متفردة ولأحداث تجري ولكنها لا تعود ثانية بنفس الشكل أبداً. علاقة الباحث بمادة أو بموضوع الدراسة: إن الظاهرة في مجال العلوم الطبيعية ، كالعناصر الكيميائية مثلاً ليس لها مشاعر أو انفعالات ومن ثم لا يجد الباحث حاجة لأن يراعى دوافع المادة أو مشاعرها، كما أن هذه المادة لا تتأثر برغبة الإنسان أو إرادته وإنما هي مواد خاضعة لطبيعتها وهو الأمر الذي يجعل الباحث في مجال العلوم الطبيعية حيادياً وموضوعياً. أما في العلوم الإنسانية فإن الباحث يجد نفسه جزءاً لا يتجزأ من موضوع الدراسة فالاشتراك في النوع والموضوع والتواصل والعلاقات والمشاعر والانفعالات المتبادلة ، كل هذه الأمور تجعل من الباحث يقف وسط الظاهرة وليس محيداً في موقف الملاحظ خارج الظاهرة فضلاً عن أن رغبة الباحث وتفضيلاته وأغراضه وأهوائه وميوله وتوجهاته النظرية والقيمية تقف حجر عثرة أمام حيدته وموضوعيته أهداف العـلم هي:
1- الفهم والتفسير 2- التنبؤ 3- الضبط والتحكم
الحتمية واللاحتمية و مبدا الغائية
المفهوم التقليدي لمعنى الحتمية:
إذا كانت فكرة السبب لها موضع مركزي في العلوم كونها هي المنتجة للقوانين العلمية، فإن الاستقراء يبقى واحدًا من الأسس التي اعتمدتها قوانين العلم بالانطلاق من مبدأين حسب ما يرى “غوبلو”:
1- مبدأ النظام في الطبيعة، أي الثبات وعدم الاستثناء.
2- مبدأ الشمول الذي يعني أن كل الظواهر تنتظم حسب قوانين عامة. وعن هذين المبدأين ينتج ما نسميه بالمذهب الحتمي. فالحتمية إذًا هي المبدأ الذي يرتكز عليه العقل العلمي. ولقد بيّن “كلود برنارد” ذلك في قوله: إن الحتمية هي مطلقة وكاملة فهي تنطبق على الأجسام الحية كما تنطبق على الأجسام الجامدة. وهذا المبدأ الحتمي هو ضروري جدًا للعلم، ولا يمكن للعالم أن يشك فيه. هذا يعني أن العلم التجريبي يجب أن يطرد كل معطى يناقض هذا المبدأ. وهذا ما اقتنع به “غوبلو” حين قال: الطبيعة لا تخضع لا للصدف ولا للأمزجة ولا للعجائب، كما أنها لا تتصرف بحرية كاملة.
فالعلم هو حتمي وإما أن يكون كذلك أو لا يكون حسب ما يعتقد “بوان كاريه”. يقول “دوبروغلي” عن الحتمية الفيزيائية: بالنسبة لعالم الفيزياء نتحدث عن الحتمية في المعرفة الفيزيائية حين تكون الأحداث التي نلاحظها في الحاضر أو في المستقبل مربوطة بمعارفنا عن قوانين الطبيعة، مما يسمح لنا بأن نعرف مسبقًا وبصورة دقيقة ومنضبطة أن هذه الظاهرة أو تلك ستحدث في هذا الوقت أو في أوقات لاحقة متعينة.
ظلّ مبدأ الحتمية سائدًا وغير مشكوك بصحته حتى نهايات القرن التاسع عشر. وكان العلماء والفلاسفة يعتبرونه منطلقًا يقينيًا وأكيدًا. وهذا ما صرّح به “لابلاس” حين قال: علينا أن نتعامل مع الوضع الراهن للكون وكأنه الأثر الناتج عن حالته السابقة من جهة أولى، وعلى أنه السبب الذي عنه تتأتى حالته اللاحقة من جهة ثانية… فالعقل، بإنتاجه لقوانين العلم، قد وعى كامل قوى الطبيعة المحركة للظواهر والمتحكمة بها. ولا شيء يستطيع أن يخرج عن هذا اليقين العلمي، فالمستقبل كما الماضي هو حاضر في عيون العلم.
هذا التصور العلمي يقود إلى نزعة الجبرية كونه يعتبر أن المعرفة المسبقة بما سيحصل (التنبؤ La prévisibilité) هي من خصائص العلم المنضبط الذي ينطلق من منظومة محددة ويتنبأ بما سيحدث في المستقبل. الحتمية، الصدفة، الاحتمال:
خلافًا لهذا التصور الحتمي المبسط، يوجد في الطبيعة حالات في غاية التعقيد، يصعب علينا فيها التأكد من خضوعها لمبدأ الحتمية. وهذا ما يدفعنا إلى القول بالصدفة، إذ يجد العالم نفسه أحيانًا أمام مسائل معقدة، تتشابك فيها الأسباب والعوامل، مما يجعل التفسير الحتمي غير قابلٍ لاستيعابها. وهذا بالتحديد ما نطلق عليه تسمية الصدفة.
بالنسبة للعالم فإن مفهوم الصدفة هو مختلف عن الفهم الشعبي الساذج. فالصدفة ليست غيابًا للحتمية بل هي نوع من عدم التحديد أو التقاطع أو التشابك في الأسباب المنتجة للحدث.
يكتب “اميل بوريل” في هذا الصدد أن الظاهرة التي نطلق عليها تسمية الصدفة تخضع لمجموعة معقدة من الأسباب لا يمكننا تحديدها بالكامل ولا دراستها بصورة مكتملة. فعلى سبيل المثال فإن الصاعقة التي تضرب بناءً حديثة في لحظة تدشينه وافتتاحه، نعتبرها محض صدفة. ولكن هل يعني ذلك أن قوانين الكهرباء قد أصابها الخلل؟ بالتأكيد لا، إلاّ أنّ التقاء مجموعتين من الأسباب المستقلة الواحدة منهما عن الأخرى، أي ترافق سقوط الصاعقة مع لحظة الافتتاح، يجعلنا نتحدث عن الصدفة. وهذا هو رأي “كورنو” الذي اعتبر أن الصدفة هي نتيجة لتلاقي سلاسل مستقلة من الأسباب، وليست ناتجة عن جهل الإنسان، ولا هي مناقضة لمبدأ السببية، بل إنها مظهر من مظاهر السببية ذاتها، نجده في الحوادث المادية والظواهر البشرية.
ولتوضيح ذلك نفترض أن صديقين التقيا اتفاقًا وعرضًا. فإن لكل منهما أسبابه التي دفعته إلى نقطة اللقاء. فأحدهما كان ذاهبًا لزيارة أحد أقاربه، والآخر كان على موعد مع طبيبه، فسلسلة الحوادث التي قام بها الصديقان، كل من جهته، كانت حتمية، أما التقاء هاتين السلسلتين فقد كان صدفة واتفاقًا، وهذا يعني أن الصدفة تعني التقاء سلسلتين من الأسباب، ولا تعني غياب الأسباب.
والأمر نفسه يطالعنا في المثال التالي: السيد “ديبون” تألم من أسنانه وأراد أن يذهب إلى طبيب الأسنان. هذه مجموعة أولى. والطريق التي يسلكها للوصول إلى الطبيب فيها منزل قديم على سطحه واحدة من أحجار القرميد قد تصدعت وأصبحت قابلة للسقوط. عندما وصل السيد “ديبون”، وقعت هذه القرميدة على رأسه فمات. بالتالي فإن التقاء هاتين المجموعتين شكل ما نسميه بالصدفة خاصة وأن واحدة منهما تختص بالإنسان. فلو فرضنا أن القرميدة وقعت على حجر لما استطعنا أن نتحدث عن الصدفة.
وإذا كانت الصدفة هي نتاج لتشابك معقد من الأسباب، فإن بعض العلوم حاولت أن تعتمد على حساب الاحتمال لكي تكشف عن بعض السببيات المعقدة. ويستند حساب الاحتمال على معاينة عدد كبير من الظواهر للوصول إلى نتيجة. وقد استخدمت هذه الحسابات على سبيل المثال في العلوم الاقتصادية وفي الجغرافيا وغيرهما..
ففي الجغرافيا ندرس متوسط الأعمار، وفي الاقتصاد تتم دراسة الدخل السنوي للفرد، ولكن لا يخفى على أحد أن هذه الدراسات تدور في حقل من العمومية لا ينطبق على كل حالة من الحالات بمفردها. فلا أحد على سبيل المثال يستطيع أن يعرف اللحظة التي سيموت فيها أحد الأفراد. لكن مع ذلك يبقى مفيدًا الحصول على هذه الإحصاءات، إذ بالإمكان استثمارها من الوجهة العملية. وهذا ما تقوم به على سبيل المثال شركات التأمين التي تأخذ بعين الاعتبار هذه الحسابات قبل أن تتعاقد مع الأشخاص الذين يرغبون بالتأمين على الحياة.
وبالرغم من أن حسابات الاحتمال ليس لها أي تفسير سببي واضح، إلا أنها تعتمد على حتمية مخبوءة تنكشف من خلال الاعتماد على قانون الأعداد الكبرى. وهذا ما يقوله “مارش”: إن قانون الأعداد الكبرى لا يستنتج إلا من افتراضات حتمية.
فعلى سبيل المثال نحن نعرف أن حجر اللعب في الرولات يقذفه اللاعب وهو إما أن يصيب الأحمر أو الأسود. ولا يوجد أي قانون يمكنه أن يتنبأ مسبقًا بإصابة واحد من اللونين. ولكن إذا قمنا بعشرة آلاف ضربة متتالية، نكون على يقين تام بأن نصف الضربات سيكون أحمرًا والنصف الآخر أسودًا. وكلما ازدادت الأعداد بالكبر، تصبح الحتمية قريبة من اليقين والضرورة.
ونذكر بأحد الأمثلة الشهيرة لـ “بوريل” حيث يقول: إن احتمال انقلاب الماء التي نصبها على النار إلى ثلج، هو شبيه تمامًا باحتمال انقلاب اللعب بالإشارات والحروف على لوحة مفاتيح الكمبيوتر إلى موسوعة علمية مرتبة في أبوابها وموضوعاتها.
وإذا كانت الرياضيات تقيس الصدفة عن طريق حساب الاحتمالات بتحديد فرص وقوع حادث ما عن طريق الصدفة، فلا يعني ذلك أن حساب الاحتمالات والإحصاء هو حساب للصدفة، بل هو بيان لحتمية مجهولة جزئيًا، وافتراض لوجود حتمية وراء الظاهرة التي حدثت صدفة. فحساب الاحتمالات يطبق على الطبيعة إذا أعوزتنا معرفة الوقائع معرفة حتمية، إما بالنظر لصغر العوامل أو لسرعتها أو لتشابكها. لذلك لا يصح القول أن حساب الاحتمالات يشكل انتقادًا لمبدأ الحتمية. الحتمية والغائية