المماثلة بين الفيروسات الحاسوبية والمؤثرات الشيطانية(1)
الكاتب :بروفيسور عوض حاج علي أحمد
جامعة النيلين
الملخص :-
يماثل هذا الجزء من البحث بين تقنيات فيروسات الحاسوب وتقنيات الفيروسات الشيطانية لما فيها من تشابه في الخلط المعلوماتي . تبين البحث أثر هذه الفيروسات الشيطانية في تدمير قدرة الإنسان في إستخدام المعرفة التي كرمها الله بها في عبادته وحده وإعمار الأرض بالتقانة والقيم .
1- المقدمة :
إن منهج المماثلة أو تصميم وضرب الأمثلة من المناهج التربوية المعروفة والمفضلة في تقريب الفهم ، وإستيعاب ومعالجة القضايا المعقدة ، وهو أحد أنواع الاستدلال الأربعة في المنطق ، وقد استخدمه أرسطو والفارابي وتوسع فيه ابن سينا ويعلم الطلاب في علوم الحاسوب خصوصاً والعلوم الرياضية عموماً ،أن التماثلية تستخدم لحل النموذجيات المعقدة التي تتكاثر وتتداخل عواملها بإحتمالية متحركةstochastic ) ( وكلما كثرت العوامل وزاد التداخل مع الإحتمالية المتحركة كلما زاد التعقيد. ومن ثم تعتبر قضية الخلق عموماً وخلق الإنسان خصوصاً هي أعقد القضايا على الإطلاق علي العقل البشري . فالعوامل المؤثرة على الكون، لا يمكن حصرها لكثرتها ،ولا يمكن حصر تداخلها لقوة تأثيرها على بعضها، ولا يمكن إستيعاب حجم ونوع حركتها دعك عن المعلومة الضرورية لحـل أي نموذج: أين وما هـو المبتدأ (Initial conditions)أما الإنسان فإضافة إلى كونه عاملاً ضئيلاً في المنظومة الكونية من الناحية المادية البحتة فهو يزداد تعقيداً بدخول عامل الحياة (Life) ويزداد تعقيداً أكبراً عندما يصبح نفساً نفيسة بدخول عامل الروح(soul ) وقد وصف الله عز وجـل ذلك التعقيد في الآية (53) من سورة فصلت قال تعالي
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىيَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىكُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
وقد أشار العالم الباكستاني بروفيسور عبدالسلام الحائز علي جائزة نوبل في الفيزياء في إحتفال منح الجائزة إلي الآيات (3و4) من سورة تبارك
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3)
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
ليعبر عن مدي تعقيد القضية الكونية علي العقل البشري وهو المجال الذي تخصص ونال فيه الجائزة ٍوإذا أضفنا لهذين الآيتين الآية 2 من نفس السورة
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)
ليكتمل وصف صورة التعقيد التي تعرضنا لها آنفاً .إذن هناك حاجة وضرورة لإستخدام منهج التماثلية إذا أردنا أن نفهم حقيقة الخلق على وجه العموم وحقيقة الإنسان على وجه الخصوص وأردنا أن نفهم الحقائق القرآنية التي وردت بشأن المنظومة الخلقية وبشأن خلق وتفضيل وتكريم الإنسان.تسعي هذه البحث لتصميم تماثلية بين الحاسوب كنظام متكامل، وبين الإنسان، وبين أنظمة الحاسوب والأنظمة الكونية. إن منهج التماثلية بين الإنسان والحاسوب ليس جديداً ، ففيه كثير من الإجتهاد العلمي والإهتمام العام وهناك منتدي خاص يستقبل الآراء في هذا الشأن ربما يكون من المفيد الاطلاع عليه خاصة فيما يلي الربط بين الروح والعقل والمخ،كذلك هناك كثير من علماء العلوم الطبيعية والنفس والفلسفة يبحثون في هذا المجال نذكر على سبيل المثال البحث العلمي القيم لبروفيسور راندال أوريلي. في الواقع أن أغلب هؤلاء يركزون على المقارنة بين الحاسوب وعتاد العقل البشري (المخ أو الدماغ) لغرض تطـوير تقانـة الحاسوب مثـل هانس مورفيك بين أن هناك حاجه لوقت بعيد حتى يمكن تصنيع حاسوب له بعض المواصفات العامه لمخ الإنسان ،وهذا أمر سنعود له بشئ من التفصيل في فقرات لاحقة ، إلا أن هذه البحث تأخذ إتجاهاً معاكساً فهي تسعى لدراسة نموذج الإنسان خاصة فيما يلي المعرفة الإنسانية بمماثلته بنمـوذج الحاسوب . ودراسة وضع الإنسان في المنظومة الكونية بمماثلته بمنظـومة الحاسوب.من المـواقع المفيدة فيمـا يلي المنظـومة الكونية موقـع رموز العلوم (science codex) [6] وكذلك منتدى حوار الإيمانيات والخليقة [7] .
إن منهج التماثلية وضرب الأمثال ليس منهجاً إنسانياً فحسب ، بل هو منهج رباني أقره وأكد عليه الله جل وعلا في الآية (26) من سورة البقرة
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ(26)
.وأن استيعاب الأمثال وفهم مقاصدها يحتاج في الواقع لعلماء كما ورد في الآية (43) من سورة العنكبوت
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ(43)
ولتوكيد ذلك المنهج القرآني نقدم في الفقرة التالية بعض الأمثال التي وردت في القرآن مع تركيز خاص علي الأمثال ذات التوجه المعلوماتي ثم نقدم الفقرات التالية تحليلاً عن المماثلة بين الفيروسات الحاسوبية والمؤثرات الشيطانية وأخيراً خلاصة البحث .
2- التماثلية في القرآن :ـ
سنركز هنا بصفة خاصة علي بعض الأمثال ذات العلاقة بالحاسوب والمعلومات ونبدأ بوصف الله عـز وجـل تردد المنافقين وذبذبتهم في الآية (17) من سورة البقرة بقوله
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ(17)
وهي حالة ثنائية بين النور والظلمة أما في شأن اليهود الذين علموا الحق ولم يعملوا به فيقول الله عز وجل في الآية (5) من سورة الجمعة
مَثَلُ الَّذِينَحُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُأَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِوَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
وهذه حالة تشبه حالة تخزين المعلومات والبرامج بالحاسوب ولا توجد طاقة كهربائية لتشغيل ذلك الحاسوب ، أي أن المعلومات وبرمجيات المعلومات موجودة ولكن لا يمكن الإستفادة منها وهي كذلك تشبه حالة ثنائيه بين تحميل وتشغيل البرنامج وعدم تشغيل البرنامج .ويقول تعالى في شـأن الكلمة الطيـبة في الآيتين (24و25) من سورة إبراهيم
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةًكَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24)
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَلِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(25)
. وهذا يصف مـدى ثـبات ومـدى الإعتماديـة ( reliability ) علي القيـم الطيـبة مقارنة بسطحية وإهتزاز الأفكار الخبيثة حيث يقول الله عز وجل بشأنها في الآية (26) من نفس السورة
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِمَا لَهَا مِن قَرَارٍ(26)
ولابد من الإشارة هنا كذلك إلى الثنائية بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة.وقال الله تعالى في شـأن قـوة النـور الإلهـي في الآية (35) من سـورة النور
للَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35)
.ويقول عن صفرية عمل الكفار في حالة غياب النور الإلهي في الآيتين (39و40) من نفس السورة
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ(40)
.ونلاحظ في وصف الحالتين حالة النور الإلهي وحالة ظلمة الكفر، الرقمية التدرجية وبمثل ما هناك تدرج في النور حتي يصل إلي النور الإلهي المطلق هناك تدرج في الظلمة حتي تصل إلي حالة الظلمة المطلقة وهذا يشابه التدرج الفولتي في الدوائر الكهربية لعمل التمثيل الثماني الستعشري وغيره . في ختام هذه الفقرة يمكن القول أن كل الأمثلة تؤكد على أهمية العلم بالقيم الإلهية ثم الإلتزام والعمل بها .