موضوع: رحلتي إلى أرض العزة".. طبيب من إسكندنافيا إلى مشافي غزة تحت القصف. الثلاثاء 15 ديسمبر - 0:30:55
رحلتي إلى أرض العزة".. طبيب من إسكندنافيا إلى مشافي غزة تحت القصف
جزء من غلاف الكتاب
"رحلتي إلى أرض العزة".. هو عنوان كتابٍ استثنائيٍّ بكل المقاييس؛ فكلماته مستلة من تجربةٍ إنسانيةٍ عميقةٍ حافلةٍ بالتأثر، ومؤهلة لأن تُبكيَ قارئها مرارًا؛ لعمق ملامستها الوجدان، وقدرتها الفائقة على تحريك المشاعر. فهذا الكتاب الصادر في كوبنهاغن يرحل بقارئه إلى إسكندنافيا ابتداءً؛ حيث يقيم جراح الحوادث الدانماركي من أصلٍ عربيٍّ الدكتور جهاد عبد العليم الفرا. ففي ليالي الشتاء التي تحققت معها الانعطافة من سنة 2009 إلى سنة 2009، أخذ دوي القصف المتلاحق في غزة يحدث أصداءه في وجدان هذا الطبيب الذي أدرك أن واجبه الإنساني والتزامه المهني ووازعه الديني والأخلاقي؛ كلها تحتم عليه أن ينتقل إلى القطاع المُحاصَر الذي أخذت آلة الحرب الصهيونية العاتية تسحقه سحقًا. يشرح المؤلف كيف تواردت أنباء العدوان الحربي، فأقضَّت مضجعه، وآلمت قلبه، فسعى بكل السبل إلى التحرُّك صوب غزة، غير آبهٍ لسلامته الشخصية. ويضع الكتابُ القارئَ في ضوء المساعي الحثيثة التي أخذ يبذلها هذا الطبيب ذو الأصل السوري، والذي يعيش في كوبنهاغن، عبر اتصالاتٍ بالمنظمات الإنسانية الدولية، كـ"الصليب الأحمر" و"أطباء بلا حدود"؛ بغية وفائه بعهدٍ قطعَه على نفسه، بمداواة الجرحى وإنقاذ المصابين تحت الحمم التي تنهال عليهم في ذلك الشريط الضيِّق من الأرض الفلسطينية المُسمَّى "قطاع غزة". لكن المسارات لم تكن سالكة؛ فكان لا بد من السعي عبر خيارات أخرى، مثل "تجمُّع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا"، و"اتحاد الأطباء العرب"، وهو ما حقَّق أمنية عزيزة على نفسه، بأن تطأ قدما هذا الطبيب أرض غزة، وإن كانت الصعوبات والعراقيل وفيرة في طريقه ذاك. يشرح المؤلف ما عايشه داخل القطاع، عبر خدمته التطوُّعية في "المشفى الأهلي العربي"، وفي "مجمع الشفاء الطبي"، وكذلك في "مشفى الوفاء" الواقع على خطوط التماس بين المقاومة وجيش الاحتلال، خلال الحرب الضارية على غزة؛ فقد كان يتنقل على مدار الساعة من هذا المشفى إلى ذاك ليقوم بالعمليات والخدمات الطبية تحت ضغطٍ شديدٍ يفوق الطاقة الاستيعابية للبنية الصحية التحتية في هذه الرقعة المُحاصَرة من الأرض. ويُعيد المؤلف نسج المواقف التي عايشها، والتي لا يمكن للمرء أن ينساها ما حيي؛ من معايشاته آلام الجرحى، واستقباله إصابات بالغة البشاعة من جرَّاء الأسلحة الصهيونية المحظورة دوليًّا، وصولاً إلى ما لمسه من مشاعر العزة و والتجلد والاحتساب لدى الأطفال والأمهات وكبار السن، علاوة على الشباب الفلسطيني الذي لم يأبه لما أصابه، وهو ما جعله يصف قطاع غزة بأنه "أرض العزة". وينقل الكتاب أصداء غزة تحت الحرب التي صنعها على مدار الساعة دوي القصف الصهيوني جوًّا وبرًّا وبحرًا، وصدى اشتباكات المقاومة التي لاحظ أنها استبسلت في مواجهة واحد من أعتى جيوش العالم، وأزيز "الزنانة" الطائرات بدون طيار التي كانت تحوم في الأجواء بلا توقفٍ، راصدةً المشهد على الأرض إيذانًا بقصف جديد، علاوة على التفجيرات التي كانت تجري في مناطق التماس في أرجاء القطاع المحاصَر. صدر كتاب "رحلتي إلى أرض العزة" في كوبنهاغن باللغة العربية عن "المجلس الإسلامي الدانمركي"، وهو يقع في نحو مائة وسبعين صفحة من القطع الكبير، وهو معزز بالصور الميدانية، وبمواد توثيقية عدة تجعله بمثابة معالجة استثنائية، من خلال أهمية التجربة التي خاضها جراح الحوادث القادم من إسكندنافيا، وبخصوصية الموقف الذي تصدى للقيام بمهمته الإنسانية في خضمه. وتأتي الشهادات التي يفيض بها هذا الكتاب بمثابة لوحات تمتزج بها المشاعر الإنسانية العميقة الكفيلة باستدرار دموع القارئ بلا توقف، والأبعاد السردية التي تضع المرء في قلب الحدث الغزي زمانًا ومكانًا.
رحلتي إلى أرض العزة".. طبيب من إسكندنافيا إلى مشافي غزة تحت القصف.