موضوع: وصايا في عصر الازمات الجمعة 6 نوفمبر - 15:55:17
ܔܔܔ:: وصايا في عصر الأزمات::ܔܔܔ
[size=16][size=21]بقلم: حسين بن سعيد الحسنيه[/size][/size]
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فإن المتأمل لواقع الأمة يدرك تماما ما يحيط بها من أزمات تتفاوت على حسب كيفيتها ومحاورها ومدى تأثيرها والطبقة الفئوية التي تتعلق بها، كما تتنوع أيضاَ بحسب اهتماماتها والمؤسسات والأصعدة التابعة لها.
وبعرضها وبصورة مختصرة وسريعة فإن هناك أزمات يعيشها الإنسان مع نفسه وطالما لازمته في حياته، الأمر الذي صعب عليه أن يعالج ولو جزء يسير من الداء الذي سببته هذه الأزمات ويتمثل هذا النوع من الأزمات في بعد الإنسان عن ربه جل وعلا وعصيانه لأوامره، واقتراف ما نهى عنه وزجر، وعدم تبعيته لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والتمادي في الباطل، والزهد عن الحق والفضيلة، والاهتمام بسفا سف الأمور، والسعي وراء ملذات الدنيا بدون مراقبة أو محاسبة. وتتنقل هذه الأزمات وتتوسع دائرتها حتى تصبح على مستوى البيت المسلم، فتجد فيه تمرد الأبناء على آبائهم، وسطحية معظم الآباء في فنون التربية الإسلامية الصحيحة، ويئن البيت المسلم أيضاَ منذ زمن بعيد من دخول المنكرات والمعاصي إليه، وضعف القوامة لدى كثير من الرجال وانتقالها إلى الزوجة. وهكذا حتى تتوسع دائرة الأزمات فتصبح على صعيد المسجد أو الجامع وتتمثل في التأخر عن صلاة الجماعة، والتحاسد والتباغض والتدابر بين جيران المسجد أو الحي، وعزوف إمام المسجد عن جماعته وبعده عنهم وقلة النشاطات التوعوية وحلقات القرآن في المسجد، وتتوسع تلك الدئراة حتى تكون علي المستوي المؤسسة التعليمة فمن إهمال الطلاب في التلقي، إلي عدم كفاءة من أوكل إليهم مهمة تعليم أبناءنا، إلي اختلاف التربويين في المناهج وطرق التدريس.
وهكذا حتي تنتقل تلك الأزمات على مستوي جميع قطاعات القطر أو الدولة فتجد تسيب الموظفين في أعمالهم، وانعدام معني الأمانة عند بعضهم وتعطيل مصالح المسلمين وتأخير معاملاتهم، وهكذا حتى تصبح الأزمات على مستوي الوطن فتجد العصيان لولاة الأمر. ومن ثم التمزق والتمذهب في البلد الواحد إلى أن جاءت مسألة التكفير والتفجير عند البعض، الأمر الذي جعل الأمة بأجمعها تقع تحت الكثير من ألازمات فاحتل العدو أرض المسلمين، وهّمشت الأصول، وحوربت الثوابت، وانتشرت كلمة الضلال والفساد والعدوان. ومع كل ما تقدم وغيرة فإن السؤال الذي يضع نفسه هنا هو ما واجب المسلم تجاه هذه الأزمات؟ وكيف له أن يخلص نفسه وغيره منها؟ وللإجابة على هذا السؤال فإليك ــ أخي الكريم ــ ثلاث وصايا أوصي بها نفسي وإياك وجميع المؤمنين لعلها تكون علاجاَ ناجعاَ في التصدي لهذه الأزمات ومحاولة التقليل من تأثيرها أو إزالتها إن أمكن ذلك.
الوصية الأولي:
إن صلاح مجتمعك من صلاح نفسك، وصلاح نفسك يعتمد على لزوم طاعة الله سبحانه وتعالي وطاعة نبيه محمد صلي الله وسلم، واجتناب ما نهيا عنه، ولقد أوصت الشريعة الإسلامية بضرورة تقويم الإنسان لنفسه، ومحاسبتها وتنقيتها من كل ذنب وخطيئة.
بل إن من محاسنها أن أوصى الإنسان بأن يقي نفسه من نار جهنم قبل الآخرين ولو كانوا أهله أو أولاده قال الله تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}... التحريم: 6. حتي في دعاء المسلم لربه فحريّ أن يدعوا لنفسه أولاَ وهذه من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال تعالي علي لسان نبيه نوح عليه السلام:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً}... نوح: 28. ثم إن العبد المسلم إذا أراد إصلاح من حوله فلا بد أن يكون قدوة صالحة لمن حوله كالأب لأبنائه، أو الرئيس لمرؤوسيه، أو المدرس لتلاميذه، إذ يستحيل أن يطاع بشيء هو لا يعمل به أصلا، بل إن ذلك من الأمور المنهي عنها في الشرع أصلا قال تعالي: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}... البقرة: 44. ثم إن ذلك من أكبر المقت وأعظم الجرم قال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}... الصف: 3,2 وقال أحدهم: لا تنهى عن خلق وتأتي بمثله عار عليك إذا فعلت عظيم.
والجميع مطالب بأن يسجل كل واحد منا اعترافاته، ويدون تقصيره، ويعلم تماما بأنة جزء من هذه الأمة يتحمل الكثير من المسئوليات، وأنه ليس بهامشي أو صفر على الشمال أو لا يستفاد منه، بل لدى كل واحد منا الكثير من الخير، ويختزن من الأمور النافعة ما يفيد الأمة بإذن الله، تعمد كما قال عمر رضي الله عنة: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا). وكما قال أيضا: (عليك نفسك فتـــش عن معايبها وخل عن عثرات الناس للناس).
الوصية الثانية:
كن داعياً: إن الدعوة إلي الله ــ أخي الكريم ــ وظيفة الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام وهي صمام الأمان لمسيرة هذا الدين العظيم، والدعوة إلى الله تأتي مباشرة بعد تنقية النفس من شوابئها، وتطهيرها من الأكدار، فمتى ما قوم المسلم معوج نفسه، وعدل مائلها، فعليه بالاتجاه إلي طريق الدعوة وأن يكون داعياً إلي الخير آمرا بالمعروف وناهياً عن المنكر. كن داعياً – يا رعاك الله - واعلم أن خيرية هذه الأمة مرتبط ارتباطا وثيقاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالي: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَع***وفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر}... آل عمران الآية 110. كن داعياً - واعلم أن الله تعالى قد قرن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإيمان بالله قال تعالي:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَع***وفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}... آل عمران110. كن داعيا - ولا تأبه بما ستواجه من عوائق وعقبات في طريق الدعوة وتذكر أن آدم تعب من أجلها، وناح لأجلها نوح، وقذف في النار إبراهيم، وأدخل السجن يوسف، وشكى الضر أيوب، ونشر بالمناشير زكريا، والتقم الحوت يونس، وسافر من بلاده موسي، وعاصر أنواع الأذى وأشكال العذاب نبينا محمد صلي الله علية وسلم. كن داعياً - في كل مكان وتحت أي ظرف فلقد دعا حبيبك محمد صلي الله علية وسلم في السر والعلن، وفي السفر والحضر، وفي السلم والحرب، وعلى الصفا، وفي الشعب، ودعا في البيت والسوق وعلي البغلة والفرس، حتى وهو يكابد سكرات الموت يدعو بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
كن داعيا – ولا تهتم بأباطيل المرجفين، واستهزاء المثبطين، وسخرية المقصرين. كن داعياً - ولا تستعجل النتائج، ولا تيأس إذا لم يصغ لك أحد فإن من الأنبياء من لم يتبعه إلا النفر القليل، ومنهم من لم يتبعه إلا شخصيين ومنهم من لم يتبعه إلا شخص واحد بل جاء في الحديث (يأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد) أو كما قال صلي الله علية وسلم.
كن داعياً - واعلم بأنك منارة في الأرض، وقدوة صالحة، ونجم يهتدى به، وأن الشجر والحجر والطير والحوت يستغفرون لك. كن داعياً -ً وليس شرطاً أن تعتلي المنابر أو تقف أمام الجموع فإن الدعوة طرقها شتى، ومجالاتها متعددة، وأساليبها متنوعة فالنصيحة دعوة، والهدية دعوة، والمعاملة الحسنة دعوة، والابتسامة دعوة، وإصلاح ذات البين دعوة، وزيارة الأقارب والأحبة في الله دعوة، والصدقة دعوة، وبناء المساجد ودور الرعاية دعوة.......الخ وإذا لم تستطيع أن تقوم بشيء مما تقدم فيكفي أن تكفي المسلمين من شر لسانك ويدك. قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.
الوصية الثالثة:
أدعوني أستجب لكم: يعلم الجميع بأن الدعاء من أهم الأسلحة التي يمتلكها الفرد المسلم. فهو سهام الليل ويستطيعه كل شخص، ولكن مع الأسف الشديد أن معظم أهل القبلة يهملون هذا السلاح المهم، بل وصل حال بعضهم إلى الاعتقاد بعدم جدواه ومنفعته والعياذ بالله. متناسين قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}... غافر60، وقال تعالى أيضاً: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.... البقرة 186. وهو نهج الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وسنة الأولياء والصالحين رحمهم الله، والدعاء مرضاة للرب، واطمئنان للقلب، وراحة للنفس، وسهام على الأعداء، ومفتاح للخير، ومغلاقاً للشر، وجالباً للولد والرزق والمطر. وإن ما أقصد في إيرادي لهذه الوصية في مقالي هذا هو الدعاء للإسلام وأهله بالنصر والتمكين، والدعاء على الكفر وأهلة بالذل والخسران والمهانة، خاصة في ظل ما يواجهه هذا الدين الشريف من نكبات ومصائب تتوالى عليه تتمثل في القتل والتشريد والاحتلال والعدوان والقهر......الخ. ومع كل هذا فإني أسأل أين نحن من إخواننا؟ وماذا قدمنا لهم؟ وهل عجزنا حتي في أبسط الأمور التي تعينهم على أعداهم وهو الدعاء لهم؟ هل رضينا بواقعنا المؤلم؟ أم هو ذل اعتبرناه في أنفسنا فاقتنعنا به؟. إن وقوف المسلم بجانب أخيه المسلم في السعة أمر لابد منه فمن باب أولى وقوفه معه في الضيق والمعاناة، وهذه من تعاليم ديننا الشريف ومن محاسنه النقية الطاهرة. وفي نهاية مقالي هذا أقول إن اهتمام المسلم بنفسه وإخوانه الأقربين والأباعد أمر ضروري في شريعتنا الإسلامية السمحة، كيف لا وهو دين المحبة والإخاء والسلام، وان اهتمامنا بالوصايا المتقدمة وغيرها تضن بإذن الله مستقبلاً حافلاً ومشرقاً لهذا الدين العظيم.
والصلاة والسلام على أشرف خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم