مشردو الحرب الصهيونية يواجهون الشتاء بخيام من القماش ويناشدون بحمايتهم .خيام متناثرة هنا وهناك، من يرَها للوهلة الأولى يعتقد أنها بعض الأقمشة البالية التي لا حاجة لها، ومواطنون منتشرون، منهم من يسير بينها ومنهم من يجلس واضعًا كفَّه على خدِّه وكأنه يشكو ظلم الوضع الذي يعيش فيه، وأطفال صغار تنظر إليهم فترى تلك النظرة البعيدة عن براءة الطفولة، والتي لا تحمل سوى كلمة واحدة: "أين ذهبت طفولتنا؟!"..
كل هذه المشاهد بات معتادًا عليها إلا خلوّها من مشهد صغير دخل عليهم قريبًا، ألا وهو تساقط أمطار الشتاء على هذه العائلات المشرَّدة في قطاع غزة؛ حيث دمَّرت الحرب الصهيونية آلاف المنازل، والتي بات أهلها بلا مأوى، وهم يحاولون الهروب من أشعة الشمس المحرقة صيفًا، ومن سيول الماء الجارفة في فصل الشتاء.
الخيام البالية لن ترحمنا أسامة زياد السلطان (34 عامًا) يقول لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام": "كنت أسكن في حي السلاطين مع إخوتي وكنا نمتلك أربعة بيوت، لكل واحد منا بيته الخاص، وبعد الحرب دمِّرت بيوتنا وأصبحت الخيام هي مأوانا وملاذنا".
وأضاف: "جاء فصل الشتاء علينا ونحن في تلك الخيام "البالية" التي لا تستطيع حمايتنا من البرد أو من تدفُّق المياه، فمنذ اللحظة الأولى لنزول المطر غرقت أمتعتنا وتبلَّلت حاجياتنا، على الرغم من أن الشتاء كان خفيفًا جدًّا وفي بدايته, فماذا سنفعل عندما تشتدُّ قسوة الشتاء علينا؟! فتلك الأقمشة الخفيفة لن ترحمنا ولن تستطيع حمايتنا اليوم من صعوبة فصل الشتاء؛ فهي لم تستطِع حمايتنا من شمس الصيف الحارقة بالأمس".
وأوضح السلطان أن الأقارب كانوا يتجمعون عندهم في كافة المناسبات وبما فيها الشتاء؛ نظرًا لدفء لقاء الأقارب, وفي هذه الفترة أصبح لقاؤهم في مقعد خصِّص لاستقبال الناس على حطام البيت المهدوم.
أسوأ فترة في الحياة من جانبها قالت أم صهيب شبير قالت لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" -والحسرة تطلُّ من عينيها-: "حالنا لا بينشكي ولا بينبكى؛ فنحن مثلنا مثل الحيوانات التي تعيش في الزرايب، وربما الحيوانات تُعامل بطريقة أحسن مما نتعامل به"، مضيفةً: "الحيوانات من الممكن أن يحزنوا عليها ويجدوا لها مساكن تأويها، بينما نحن لم يعد لنا وجود على الرغم من دخول فصل الشتاء القاسي".
وأوضحت أنها لم ترَ في حياتها أسوأ من تلك الفترة التي تعيشها هي وعائلتها في هذه اللحظات؛ فقد حُرموا من زيارة الأهل والأقارب بسبب المأوى الذي لا يتسع سوى لعدد بسيط من الأفراد، كما لم يتمكنوا من شراء ملابس الشتاء كبقية الأسر التي تملك المأوى والمال.
وتحدثت شبير عن يوم المطر وكيف أصبح حاله قائلةً: "في ذلك اليوم غرقنا ولم نعرف أين نختبئ من المطر؛ فقد وصل السيل للأثاث البسيط، ولم أستطِع أن أحمي سوى التلفزيون"!!.
الشتاء الأصعب على صعيد آخر قالت سها السلطان (28 عامًا): "هذه الحرب كانت موتًا وخرابَ ديار، فلم يسلم حجر ولا شجر من القصف والدمار، ونحن هنا لا أحد يسأل عنا، وحتى المساعدات لا تأتي إلا بعد طلوع الروح".
وأوضحت لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" أن "كافة المناسبات في هذا العام كانت مختلفةً, وها هو فصل الشتاء يدخل علينا، على الرغم من عدم قدرتنا على احتماله أو احتمال صعوبته؛ نظرًا لعدم توفر البيت الذي سيحمينا من سيل الماء, كذلك عدم توفر الملبوسات الشتوية لتحمينا من البرد القارس"، لافتةً إلى أنها وعائلتها سيضطرون لاستقبال فصل الشتاء في الشارع، حسب قولها.
وأوضحت أن الشتاء هذا العام سيكون صعبًا؛ لأن السيل هدم الخيام، وانتشر بين الأغراض من يوم واحد من الشتاء، مشيرةً إلى أن زوجها وإخوته حاولوا استصلاح غرفة من غرف المنزل المهدَّم ليأووا إليها خلال الأيام القادمة.