كما أن للباطل رجالا يحمونه ويدافعون عنه، فإن الحق يحتاج دوما إلى رجال يحمونه ويدافعون عنه، والشيخ محمد الغزالي ، واحد من رجالات الحق الذين وهبوا حياتهم للدفاع عن دعوة الإسلام بالخطابة والتأليف العلمي والممارسة
السياسية العامة، فضلا عن مناصبه الإدارية والدعوية والتعليمية المتعددة.
كان رحمه الله شديد الوعي بالإسلام وأحكامه، وشديد الفهم للواقع وأقضيته، أدرك أن الإصلاح يبدأ بالنفوس ويمر عبر الرؤوس ويتجسد في الواقع الملموس، فعاش حياته (يحارب) بالكلمة في كل هذه الجبهات الداخلية والخارجية،
الروحية والمادية، الدينية والدنيوية.
نشأته
ولد الشيخ محمد الغزالي في قرية (نكلا العنب) مركز (إيتاي البارود) في محافظة البحيرة في 5 من ذي الحجة 1135 ه الموافق 22 سبتمبر/ايلول 1917 لأسرة ريفية فقيرة ومتدينة، وكان عليه رحمة الله اكبر إخوته السبعة، وقد اختار له والده اسم (محمد الغزالي) تيمنا بحجة الإسلام (أبو حامد الغزالي)، لوجود نزعة صوفية لدى والده.أتم الشيخ محمد، حفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره، والتحق بالمعهد الديني التابع للأزهر بمدينة الاسكندرية فحصل على الشهادة الابتدائية ،1932 ومن المعهد نفسه حصل على الشهادة الثانوية الأزهرية ،1937 ثم التحق الشيخ بكلية (أصول الدين) في القاهرة، وفيها تلقى العلم على يد كوكبة من كبار العلماء منهم الشيخ عبد العظيم الزرقاني،
والإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت، وتخرج في (أصول الدين) فنال إجازة الدعوة والإرشاد عام 1943.بدأت ممارسته للدعوة الإسلامية أثناء فترة الدراسة في كلية أصول الدين، عندما عمل إماما وخطيبا في أحد مساجد
القاهرة، فلما تخرج عام ،1941 تم تعيينه في وزارة الأوقاف إماما وخطيبا في مسجد (العتبة الخضراء)، وتدرج في مناصب الدعوة والوعظ فتولى التفتيش في المساجد والوعظ في الأزهر ثم أصبح وكيلا فمديرا للمساجد، فمديرا للتدريب، فمديرا للدعوة والإرشاد في 2 يوليو/تموز ،1971 فوكيلا لوزارة الأوقاف لشؤون الدعوة الإسلامية في مارس/آذار 1981
حياته
التحق الشيخ الجليل بدعوة الإخوان المسلمين في العام نفسه الذي التحق فيه بكلية أصول الدين عام 1937 والتقى بمرشد جماعة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا وأصبح عضوا بالجماعة، فبدأت بذلك أهم التحولات في حياته الفكرية والعلمية، فقد تفتحت مواهبه الأدبية والفكرية على يدي الشيخ حسن البنا، وفي صحافة جماعة الإخوان أصبح احد ابرز كتابها، حتى أطلق عليه لقب (أديب الدعوة) وفي هذه الأثناء تزوج الشيخ الغزالي وهو مازال طالبا في الكلية.
ولقد تحمل الشيخ نصيبه من المحن، فقضى في معتقل (الطور) في شبه جزيرة سيناء قرابة عام (1949)، وأقل من عام في سجن طره إبان التحقيقات مع سيد قطب (1965).ولما شارك الشيخ محمد الغزالي في (المؤتمر الوطني للقوى الشعبية) 1962 كانت له مواقف أثارت ضده حملة صحافية قادها عدد من الصحافيين وانتصرت
له فيها جماهير المساجد، وكان يخطب الجمعة بمسجد عمرو بن العاص، فتحتشد لسماعه عشرات الألوف.وفي السبعينات كان له هو والشيخ محمد أبو زهرة موقف معارض للتعديلات التي أدخلت على قانون الأحوال الشخصية، فكان يرى أن مشكلة مصر والوطن العربي تكمن في عجز شبابهما عن تكاليف الزواج، وليست في تعدد الزوجات.شغل الشيخ الغزالي وظيفة رئيس (التكية المصرية) في مكة المكرمة في عامي 52 1953 وعمل في قطر أستاذا زائرا ما بين عامي 82 1985 وعاش في الجزائر ما بين عامي 85 1988 منشئا وراعيا لجامعتها الإسلامية وهي جامعة الأمير عبدالقادر، ومشرفا على مجلسها العلمي.
صفاء العقيدة
زادت مؤلفات عالمنا الكبير على 60 كتابا، عالجت بشكل مباشر أدواء الأمة الفكرية والسياسية والسلوكية. لقد نافح الشيخ عن صفاء العقيدة ووضوح التوحيد بعيدا عن تعقيدات الفلاسفة كما فعل في مؤلفه (عقيدة المسلم) وأبرز سلوكيات المسلم المثالية بعيدا عن الكذب والأنانية والنفاق والكسل، كما فعل في كتابه (خلق المسلم) ووازن بين عقلانية الإنسان وحاجاته الروحية والعاطفية كما أوضح في مؤلفه (الجانب العاطفي في الإسلام).كما تصدى لدعاة الاستعمار الثقافي والتقليد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي جربه البعض في المسلمين تحت مسميات متعددة فكتب (الإسلام وأوضاعنا الاقتصادية) و(الإسلام والاستبداد السياسي) و(الاستعمار أحقاد وأطماع) و(الإسلام في وجه الزحف الأحمر)، ليؤكد شمولية الإسلام وقدرته على علاج الأمراض السياسية والاجتماعية وحماية المجتمع المسلم من موجات الغزو والاستنزاف المستمر.كما تبنى الغزالي مشروعا إسلاميا شاملا يقوم على الشمول والاعتدال، ويعتمد على الداعية وولي الأمر، ويهدف إلى إصلاح الأمة على مستوياتها كافة، لهذا حمل كثيرا على دعاة الإسلام، وحملهم مسؤولية الإصلاح، وقد بان هذا في مؤلفاته: هموم داعية، الدعوة الإسلامية تستقبل القرن الرابع عشر، في موكب الدعوة