مرضى القلب في غزة.. ضحية ظلم الأعداء وتآمر ذوي القربى.
يرقد على سرير المستشفى بين الحياة والموت، يصارع الألم والشعور بالاختناق، وينظر بأملٍ لأن تُكتب لقلبه حياة جديدة حين يفرج المحتل عن قطعة إليكترونية صغيرة يحتاجها جهاز معطل في المستشفى الأوروبي بقطاع غزة، هذا الجهاز الذي ترنو إليه مئات القلوب المتعبة، تلاحق الأخبار عنه علَّها تسعد بخبر دخول هذه القطعة الإليكترونية الصغيرة التي ستعيد الحياة لجهاز القسطرة الوحيد في القطاع، وبالتالي تعيد لقلبه المتعب الأمل في النبض من جديد.
يجيب الدكتور وائل حجازي -اختصاصي أمراض القلب والقسطرة القلبية بالمستشفى الأوروبي بمدينة خان يونس- عن تساؤلنا حول حالة جهاز القسطرة في المستشفى بقوله: "جهاز قسطرة القلب هو الوحيد في قطاع غزة الذي يخدم مليون ونصف المليون فلسطيني، وخاصة من مرضى القلب والجلطات، هذا الجهاز منحة من الحكومة البلجيكية لقطاع غزة، وبلغت تكلفته حينها مليون دولار تقريبًا، الجهاز له ضمانة من شركة "فيليبس"، وقد دفعت الحكومة البلجيكية مائة ألف دولار لضمانه لمدة سنة كاملة، والآن بقي على هذه الضمانة ما يقارب الشهرين فقط، وقد تعرض الجهاز إلى عدة مشاكل سابقة سببت توقفه عن العمل لفترات قصيرة، ومن خلال ضمانة الجهاز، والتي تشارف الآن على الانتهاء، كانت تتم عملية الصيانة".
ويضيف الدكتور حجازي: "الآن الجهاز معطل بشكل كامل بسبب نقص قطعة لازمة لتشغيله، فهو الجهاز الوحيد في القطاع، ونتيجة للحالات المتكررة والكثيرة التي ترد إلى المستشفى للعلاج من خلال هذا الجهاز، فقد تعرض الجهاز لمشاكل، ولا يوجد بديل آخر له في حالة الطوارئ".
وعن إمكانية توفير القطعة اللازمة يقول حجازي: "هذه القطعة تم إرسالها من الشركة الضامنة "فيليبس"، ولكنها الآن محتجزة لدى دولة العدو التي تمنع إدخالها في كل مرة متحججة بفحصها، بينما يواجه مرضى القلب في القطاع الموت يوميًّا بسبب عدم مقدرتنا على تقديم المساعدة لهم، فالمئات من مرضى القلب حياتهم مهددة من جراء توقف هذا الجهاز الوحيد، كما أن وزارة الصحة في رام الله ترفض مساعدتنا في إدخالها، مع العلم أن هذا الجهاز كان قد تعطل قبل مدة، وتم إحضار القطعة اللازمة لتصليحه بواسطة منظمة الصليب الأحمر، وذلك بعد رفض وزارة الشؤون المدنية في سلطة رام الله بقيادة حسين الشيخ التعامل مع الأطباء في غزة لإدخال القطعة من القدس".
وحول سؤالنا عما تردد من حديث نشرته بعض الوكالات المحلية من أن الحكومة في غزة تسببت في طرد كثير من الموظفين في قسم القلب في المستشفى، مما فاقم من معاناة المرضى وألمهم، أجاب الدكتور وائل حجازي: " أشيع أن حكومة غزة أقصت ما مجموعه سبعة عشر موظفًا من موظفي وزارة الصحة في قطاع غزة منذ بداية شهر رمضان الحالي فقط، وشكَّلت كذلك قوة تنفيذية من عناصرها لملاحقة الطواقم الطبية، وتم احتجازهم والتحقيق معهم، وتعمد إهانتهم، ومداهمة بيوتهم وخطف العديد منهم ، وأن هذه الإجراءات أثَّرت على الوضع الصحي العام في القطاع !!".
ويوضح حجازي: "هذا القول عارٍ عن الصحة ، ف الطاقم الطبي الذي يعمل في قسمقسطرة القلب هو الطاقم نفسه الذي يعمل من مدة طويلة ولم يتغير منذ افتتاح القسم، ولم تطرد الحكومة في غزة أيًّا منهم، فالموظفون هم أنفسهم الذين كانوا يعملون في السابق منذ افتتاح القسم، بل إن بعضهم أضرب من تلقاء نفسه في فترة ما، وخاصة الذين ينتمون إلى حركة "فتح"، وإدارة المستشفى هي التي حاولت في أول أسبوع من الإضراب إرجاعهم، وذلك حرصًا على مصلحة المواطنين، وقد أجرت إدارة المستشفى اتصالات عديدة معهم عبر التليفونات، وبحمد الله استجابوا بعد ذلك".
أبو محمد من خان يونس يقول: "ذهبت إلى المستشفى الأوروبي في بداية شهر سبتمبر لأعالج أختي المريضة والتي تحتاج إلى عملية قسطرة ضرورية, ولكنهم أخبروني أن جهاز القسطرة معطل، وعلمت أنهم يحاولون إصلاحه، ولكن لم يتمكن أحد من إصلاحه حتى الآن".
ويجيب عن سؤالنا حول تكاليف العملية في غزة حين كان الجهاز يعمل بقوله: "بالنسبة إلى تكاليف العملية فهي لا تزيد على المواطن عن 400 شيقل (100 دولار)، والباقي يكمله تأمين العمال، مع العلم أنها مكلفة جدًّا لو تم إجراؤها في دول أخرى".
أما أبو العبد (75 عامًا)، من مخيم البريج بقطاع غزة، فيناشد المسؤولين في الضفة أن يتناسوا خلافاتهم مع حكومة غزة، ويعملوا على إدخال القطعة اللازمة لتشغيل الجهاز بأقصى سرعة، وذلك لحاجة المئات من المرضى إليه، ويرفض الخروج للعلاج في الخارج بسبب "البهدلة على المعابر"، على حد تعبيره.
مرضى القلب في غزة ليسوا هم المرضى الوحيدين في القطاع الذين يعانون من نقص الأدوية أو مستلزمات العلاج، فهناك المئات من حالات الفشل الكلوي الذين فقدوا المادة اللازمة لعملية الغسيل اليومية التي يحتاجونها، وكذلك تشهد مستشفيات القطاع حالات كثيرة تحتاج إلى العلاج في الخارج، وإلا ستفقد حياتها من جراء إغلاق المعابر وإحكام الحصار على مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون في القطاع المنكوب.