موضوع: انصر لغتك العربية الجمعة 21 أغسطس - 19:32:55
انصر لغتك العربية
أولاً : خطأ أمريكة في اليابان:
عندما هُزِمت اليابان في الحرب العالمية الثانية كان على إمبراطور اليابان أن يوقِّع معاهدة الاستسلام للأمريكان.
ذهب إلى القائد الأمريكي في اليابان وأعلمه أنه موافق على كل الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة للاستسلام، ولكنه طلب من القائد الأمريكي طلباً واحداً، وهو الإبقاء على اللغة اليابانية في اليابان!!.
تساءل القائد الأمريكي آنذاك ما قيمة اللغة اليابانية - وهي خطوط (خرابيش) غير مفهومة - أمام كل التنازلات التي قدَّمها الإمبراطور؟ فوافق القائد الأمريكي على ذلك الشرط.
لم يكن يعلم ذلك القائد فداحة الخطأ الذي ارتكبه .. ولم يكن عندها يدرك قيمة الحفاظ على الهوَّية اليابانية المتمثلة بلغتها الأصلية .. إلى أن أعلن أحد نوّاب الكونجرس الأمريكي حديثاً أن أكبر خطأ ارتكبته الولايات المتحدة في علاقتها باليابان كان تلك الموافقة على مطلب الإمبراطور الياباني!! فبالحفاظ على هوِّيتها ولغتها وبإخلاصها وتفانيها في عملها، استطاعت اليابان أن تعود إلى القمة خلال أقل من نصف قرن!!.
أسوق هذه القصة لكي ندرك الخطر الذي يهدِّد اللغة العربية في الوقت الحاضر.
ثانياً : الحرب على اللغة العربية:
فغياب اللغة الفصحى في مجتمعنا من ناحية، وانتشار الدعوة للكتابة باللغة العامية .. واستشراء سرطان استخدام اللغات الأجنبية في التعليم .. وعلى واجهات المحلات في الشوارع .. كل ذلك يعكس عمق الأزمة الحضارية التي نعانيها، والتي تنعكس في صعوبة تواصل الأجيال مع تراثها الحضاري، وعدم قدرتها على فهم القرآن الكريم بشكل أساسي.
وللأسف فإن كثيراً من القائمين على أمر التعليم والإعلام لا يبدون أي اكتراث نحو تلك المشكلة.
ولا ننسى ما قاله الحاكم الفرنسي للجزائر: ((يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم .. ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم!!)).
ولا ننسى أيضاً قول (كرومر): ((متى توارى القرآن يمكننا أن نجعل العربي يتدرج في سبيل الحضارة. ولا يتوارى القرآن حتى تتوارى اللغة)).
وقد أكد هذا الخطر كبير المبشرين (د.زويمر) حين قال: ((إن اللغة العربية هي الرباط الوثيق الذي يجمع ملايين المسلمين على اختلاف أجناسهم ولغاتهم .. وإنه لم يسبق وجود عقيدة مبنية على التوحيد أعظم من عقيدة الإسلام الذي اقتحم آسية وإفريقية الواسعتين، وبثَّ عقائده وشرائعه .. وأحكم عروة الارتباط باللغة العربية)).
يقول الدكتور أنور الجندي في كتابه (مقدمات العلوم والمناهج):
((إن اللغة العربية لغة اشتقاق تقوم على أبواب الفعل الثلاثي، والتي لا وجود لها في اللغات الأخرى التي تكتب بالحروف اللاتينية.
فإذا قابلنا اللغة العربية باللغات الاشتقاقية كالإنكليزية والفرنسية، نجد أن العربية امتازت بخصائص أكفل بحاجة العلوم. ومن ذلك سعتها، فعدد كلمات اللغة الفرنسية (25) ألف .. وكلمات اللغة الإنكليزية (100) ألف.
أما العربية فعدد كلماتها يقارب نصف مليون كلمة، فمعجم لسان العرب يحتوي على (80) ألف مادة (لا كلمة)، ومواد اللغة العربية تتفرع إلى كلمات .. فإذا فرضنا أن نصف مواد العجم منصرفة، بلغ عدد ما يشتق منها نصف مليون كلمة. وليس في الدنيا لغة اشتقاقية أخرى غنية بكلماتها إلى هذا الحدّ.
واللغة العربية تتميز بطريقة عجيبة في التوليد والاشتقاق .. جعلت آخر هذه اللغة يتصل بأولها في نسيج متلاحق. فإذا أخذنا مثلاً كلمة (كتب) واشتققنا منها (كاتب) و(كتاب) و(مكتبة) و(مكتوب) و(مكتب)، وجدنا أن الحروف الأصلية موجودة في كل كلمة من هذه الكلمات المشتقة، وأن معنى (الكتابة) موجود كذلك.
على عكس اللغات الأوروبية حيث لا توجد في كثير من الأحيان أية صلة بين كلمات الأسرة الواحدة:
فكَتَبَ في الإنجليزية: (write)، والكتاب: (book)، ومكتبة: (Library). ولا علاقة بين حروف هذه الكلمات. وهذا ما جعل لغةً مثل اللغة الإنكليزية تختلف من جيل إلى جيل، ولا توجد تلك الصلة بين ماضيها وحاضرها)) 1. [/b]
ثالثاً : المدارس الأجنبية:
وللأسف الشديد فقد انتشرت المدارس الأجنبية التي تعلِّم المناهج باللغة الإنكليزية في بلادنا العربية، وأحسب أن مردَّ ذلك في جزء كبير منه هو عقم المناهج الدراسية في أكثر بلادنا العربية، وطرق الدراسة، واعتمادها على التحفيظ دون الفهم، وغير ذلك من الأسباب.
إضافة إلى أن كثيراً من آباء هؤلاء الذين يدفعون بأبنائهم إلى المدارس الإنكليزية والأمريكية يريدون أن يضمنوا لأبنائهم مستقبلاً علمياً سهل المنال، فحين يتخرج الطالب من المدارس الأجنبية يكون مهيّأً لدخول الجامعات الأوروبية والأمريكية بصورة أكثر تيسيراً!!.
ولكن الواقع غير ذلك، فكثير من الطلاب الذين تخرجوا من المدارس العربية، استطاعوا دخول الجامعات الأوروبية والأمريكية .. وأتقنوا لغات تلك البلاد، وعادوا إلى بلادنا العربية بالشهادات العليا، واحتلوا أماكن مرموقة في المراكز الأكاديمية أو العلمية .. ولم يكن أحدهم قد درس في مدرسة أجنبية في مرحلة ما قبل الجامعة على الإطلاق!!.
ولا شك أن السبيل الأول لبناء المسلم الحقيقي على الأرض هو إتقانه للغة الإسلام، فقد نص القرآن الكريم على أنه قد أنزل ]قُرْءَٰناً عَرَبِيّاً[[2]، و]بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ[[3]
وهما نصان صريحان على أنه تعالى قد ألقى مسؤولية حمل الرسالة إلى البشر على كاهل أصحاب هذه اللغة الشريفة. وإنها لشريفة ما دام الله قد شرفها بأن اختارها ليخاطب بها البشر عبر كتاب معجز من كلامه جلّ جلاله.
يقول أبو منصور الثعالبي:
((إن من أحب الله أحب رسوله المصطفى r...
ومن أحب النبي العربي أحبَّ العرب...
ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي نزل بها أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب...)).
هذا وقد كرَّه علماء الأمة لمن يعرف العربية أن يُسمى بغيرها، وأن يتكلم بها خالطاً لها بالعجمية.