مَدْخَلٌ
(اشتقتُ إليكَ فعلّمني ألا أشتاق، عَلّمِني كيفَ أقصُ جذورَ هواكَ من الأعماق
وَهجٌ أزرق
لم يعد يجتاحني شوقي إليك، وكأني شجرة نسيت كيف أورق خَضَاراً، وكيف أتمايل فرحةً، وكيف أتعطر برائحة ثمري الشهّي.
أتعجب من السكون في داخلي، بعد أن كان جامحاً، متوحشاً، أمسى أليفاً صامتاً هادئاً كليلة صيفٍ حارة لا جديد فيها.
علّمني كيف اشتاقكَ، وازرع بأناملك طاقات شوقٍ لعشقكَ، علّمني كيف أرتل حبي كما كنت بلا مواقيتَ ولا ساعات.
فقدتُ مقدرتي على حبكَ واشتهاءِ نبضكَ، ولكن بقي في الروح ملاذاً صغيراً لوهج روحكَ يجبرني على الحنين، لكن الكبرياء بيني وبينك يمشق قامته بجنون مرعب، كلما حاولت تجاوزه؛ نهرني وأرعبني، حتى أنه في ليلة ما خلع أظافري من أصابعي، ومزق بسكينه الصدأة شعري، وصلبني على عقارب ساعته القديمة أحاول أن اجمع أشلائي دون فائدة.
تقول أنه ليس الكبرياء من يفعل بي ذلك، فمن هو إذن!، أهو عظمة الأنثى في داخلي حين تكون مشاعاً لك وحدك؛ فترفضها، أم هو جنون الأنا الذي يجتاحني بأنكَ لا تستغني عني أبداً.
علّمني كيف أشتاقكَ؛ فأنا بدونكَ خاوية، يتآكلني هرمٌ، وتتأجج في داخلي ألف ثورة صامتة، أنا بدونكَ بوارٌ لا يصلح سوى للحرق أو الدفن.
خذ بيدي، وأنسى أني يوماً علّمتكَ كيف تحبني، وتشتاقني، خذ بيدي اليوم، وأبدأ معي أبجدية العشق الأولى، من كتبنا القديمة، وشرّع أبواب الحنان، وأدخلني من أوسعها وأنت تتلو علىّ من جديد أنباء المحبين، وجنون العاشقين.
خذ بيدي من جديد، وعلّمني كيف أزرعك في روحي، وأنظر هل سيصلح حبكَ بوار تلك ، وهل سأنجو على يد قلبك من الحرق، أم أن ناراً أخرى تنتظرني!
لا تتركني وحيدةً، فأكثر ما أخشاه الوحدة والصمت، وأكثر ما يرعبني أن أراك تبتعد وتحل بعدك عتمة لا تبددها نور الشمس.
خذني إليك روحاً شارفت على الاحتضار، وأبعث فيّ حبك من جديد لأقاوم هذا الموات، وأشد أزري بكَ، وتتفتح أوداجي من جديد، كوردة عانقت الماء فاستيقظتْ لتعانق النور، وتصبح اشتهاءً ليدكَ حين تقطفها، أو لمزهرية تجمّلها.
أعرف أنك تشتاق إليّ، ويعذبكَ صدّي، ورجولتكَ تأبى أن تظل شبحاً يراودني عن حبه، فلا تمل من مراودتك عن حبي، ولا تكل من ملاحقتكّ لقلبي، فهو يحتاج إلى ترويضٍ من جديد ليعود شقياً كما عهدته، ومجنوناً كما عرفته.
روضه بقربكَ وبعدكَ، وأدهشه ببكور الصدق، واقترب أكثر وأكثر، وكن كالمشكاة حين تبدد عتمة الفجر، فيبزغ جمال السماء وحياء القمر في رحيله الأخير
قِبْلَةٌ شَرْقِيّةٌ
اشتقت إليك فعلّمني كيف أشتاق إليك أكثر، وعلّمني كيف يصبح الحب نهر عطاء لا ينضب.