- النسب والعصر: عاش العالم العامل الإمام المجتهد فخر أئمة علماء الجزائر وصلحائها الأتقياء أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي الجعفري في القرن التاسع الهجري ، الخامس عشر الميلادي. يعود نسبه إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- الميلاد ( الزمان والمكان): ولد الشيخ عبد الرحمن الثعالبي سنة 786هـ / 1385م بناحية (وادي يسر) الواقع بالجنوب الشرقي من القطر الجزائري، وعلى بعد 86 كلم من الجزائر العاصمة، وهذا الوادي موطن آبائه وأجداده الثعالبة، أبناء ثعلب بن علي من عرب المعقل الجعافرة.
3 – النشأة والتكوين : نشأ الشيخ عبد الرحمن في بيئة علم ودين وصلاح، استهل تعلمه على يدي علماء منطقته. ثم ارتحل إلى حاضرة العلم والثقافة والفكر والأدب بناحيته يومئذ مدينة( بجاية)، فنزل بها سنة 802هـ/1399م، فلازم مجالس علمائها وأخذ عنهم الكثير من علمهم في مختلف فنون المعرفة، كان من أشهرهم: أبو الحسن علي بن عثمان المانجلاتي، وأبو الربيع سلمان بن الحسن، وأبو العباس أحمد النقاوسي، وأبو القاسم المشدالي، وأبو زيد الوغليسي، وغيرهم.
ثم رغب الشيخ عبد الرحمن في المزيد من التحصيل وطلب العلم، فانتقل تحقيقا لذلك إلى تونس سنة 809هـ/1406م فلقي بها كوكبة من كبار علمائها، فأفاد من مجالسهم، من بينهم: الأبي، والبرزلي تلميذ ابن عرفة.
ثم ارتحل إلى مصر سنة 819هـ /1414م، فلقي بها البلالي، وأبا عبد الله البساطي، وولي الدين العراقي وغيرهم، فأخذ عنهم الجم من معارفهم.
ثم ارتحل إلى تركيا، ومنها قصد الحجاز فأدى فريضة الحج، واختلف إلى مجالس العلم هناك، ثم قفل راجعا إلى مصر، ومنها إلى تونس، فوافى بها ابن مرزوق الحفيد التلمساني، فلازمه وأخذ عنه الكثير من وافر علمه، وقد أجازه أكثر من مرة.
ثم عاد بعد هذه الرحلة الطويلة في طلب العلم والمعرفة إلى وطنه الجزائر، فعكف به على نشر العلم وهداية الخلق والانقطاع للعبادة والتدريس والتأليف، فتخرج على يديه كثير من العلماء، من بينهم:
1- محمد بن يوسف السنوسي 2- الشيخ أحمد زروق 3- محمد المغيلي التلمساني
4- أحمد بن عبد الله الزواوي 5- محمد بن مرزوق الكفيف، وغيرهم.
تولى القضاء زمنا قصيرا، ثم تركه لينقطع إلى الزهد والعبادة، كما قام بالخطابة على منبر الجامع الأعظم بالجزائر العاصمة، ويروى أن من بقايا آثاره المتبرك بها إلى يوم الناس بهذا المسجد (مقبض عصى خطيب صلاة الجمعة).
4- آثاره العلمية: عكف الشيخ عبد الرحمن على التدريس والتأليف، وكانت معظم مصنفاته في خدمة علوم الشريعة، وقد ترك في هذا الحقل ما يزيد على تسعين مؤلفا في التفسير والحديث والفقه واللغة والتاريخ والتراجم وغيرها، نذكر من بينها:
1- تفسيره الجواهر الحسان في تفسير القرآن في أربعة أجزاء، طبع أول مرة بالجزائر 1909، ثم طبع طبعة ثانية في السنوات الأخيرة بتحقيق الدكتور عمار طالبي.
2- روضة الأنوار ونزهة الأخيار في الفقه.
3- جامع الهمم في أخبار الأمم.
4- جامع الأمهات في أحكام العبادات.
5- الأربعين حديثا في الوعظ.
وكان الشيخ عبد الرحمن مشارك في الصناعتين: يقرض الشعر ويكتب النثر، ومن شعره في الوعظ والزهد قوله:
و إن امرؤ أدنى بسبعين حجة
جديــر بأن يسعى معدا جهازه
و أن لا تهز القلب منه حوادث
و لــكن يرى للباقيات اهتزازه
و أن يسمع المصغى إليه بصدره
أزيزا كصوت القدر يبدي ابتزازه
فماذا بعد هذا العمر ينتظر الذي
يعمره في الدهــر إلا اغتراره ؟
وليس بدار الذل يرضى أخو حجى
ولكن يرى أن بالعزيـز اعتزازه
قضى الشيخ عبد الرحمن حياته على هذا النحو، عاكفا على الطاعات، راغبا في العبادات متجردا عن الدنيويات.
وقد توفاه الله- رحمة الله عليه - يوم الجمعة 23 رمضان المعظم 875هـ منتصف شهر مارس 1471م .
ودفن رحمه الله في زاويته بالجزائر العاصمة حيث ضريحه بها إلى اليوم .
وقد رثاه كثير من العلماء من معاصريه، كان من بينهم تلميذه الشيخ أحمد بن عبد الله الزواوي ، ومن ذلك قوله:
لقد جزعت نفسي بفقد أحبتي
وحق لها من مثل ذلك تجزع
ألمّ بنا ما لا نطيق دفاعـــه
وليس لأمر قدر الله مرجع