موضوع: همسة في أذن شاب (2). الخميس 6 أغسطس - 15:13:02
إذا فعلت ذلك .. فأنت تسير في النهج الذي خطه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. عندما نزل عليه الوحي ، توجه إلى السيدة خديجة شاكيا لها حاله .. فواسته وآمنت به .. ثم دعا بعد ذلك ابن عمه علي بن أبي طالب ، الذي كان يعيش معه في بيت واحد .. فوسع الدائرة أكثر .. فشملت الفئة المسلمة أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – والذي أسلم على يديه عدد من المبشرين بالجنة.
* إذا كانت لك أخوات بنات .. فأنت المرشد والموجه لهن .. عاملهن بالحسنى .. وأحسن إليهن في كل شيء .. فإن كن غير ملتزمات بالإسلام .. دعوتهن بالرفق واللين إلى الصلاة والحجاب .. وجلست معهن تقص عليهن سير أمهات المؤمنين .. وغيرهن من صحابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإن نجحت مع إحداهن ، تكون قد أصلحت أسرة كاملة .. فهذه الأخت إنما هي أم المستقبل .. ومربية الأجيال ..
* وقد تجد بعض الشباب ممن لديه القليل من العلم الشرعي، يمسك ختم التكفير في يده .. ومفتاح الجنة في يده الأخرى .. يجري بين الناس يدعوهم إلى الدين على غير هدى ولا بصيرة ، ولا تقديرا للظروف والأحوال ، فإن لم يستجيبوا له أخرجهم من الدين ، وحكم عليهم بالكفر ، ثم يلوح بمفتاح الجنة مقسما بالله جهد أيمانه أنهم لن يدخلوها أبدا ، ثم يتركهم ويذهب إلى غيرهم ، حتى ترى الناس ، وقد لطخ وجوههم بخاتم التكفير ، ثم ينام ويستريح ، وقد ظن أنه أدى دوره تجاه ربه ودينه ، أويهجرهم تاركا ديارهم ،إلى مالا تحمد عقباه .
ولما كان لكل فعل رد فعل ، فإن بعض الناس يفتح عليه مدافع الحقد باللعنات ، ويجلسون أمام التلفاز .. حيث الرقص والفجور واللهو والعصيان ، ثم ينامون ملء جفونهم ، وكأنهم قد ضمنوا مقعدهم من الجنة .. وأن رحمة الله تعالى أوسع من عصيانهم ..
* وبعض الشباب يقرأ حديثا واحدا ، أو تفسير آية واحدة .. يفهمها في جو بعيد عن فقهها ، ثم يسارع إلى تبليغ فهمه الخاطئ لكل إنسان يراه ، فيقابل بعدم الرضا حتى من المتدينين .. فيزداد تمسكا بفهمه وتشبثا بموقفه ، وتبدأ الفرقة والشطط بين الشباب المسلم ..
وينسى هؤلاء أو يتناسون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بشروا ولا تنفروا .. يسروا ولا تعسروا " رواه مسلم .. وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الآخر الذي يقول فيه : " إياكم والغلو في الدين ، فإنه أهلك من كان قبلكم " رواه البخاري .
وجاء في الأثر : " إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" رواه ابن حبان .. وهذا الحديث يصور لنا متسرعا ركب دابة بطيئة .. فظل يضرب فيها بشدة ، فماتت الدابة ، ولم يصل بعد إلى ما يريد !!! .
* من أكبر الأخطاء أن يفهم البعض حقيقة الزهد في الدنيا على أنه الفقر والحرمان وترك الطيبات . فحقيقة الزهد في الدنيا هو تجريد القلوب عن حبها .. ويقينه أن الدنيا دار عبور لا دار قرار .. فالمسكنة التي يحبها الله تعالى من عبده – كما يقول ابن القيم – ليست مسكنة فقر المال .. بل مسكنة القلب .. وهي انكساره وذله، وخشوعه وتواضعه لله تعالى ..
وهذه المسكنة لا تتنافى مع الغنى .. ولا يشترط لها الفقر . يقول الإمام أحمد في تعريفه للزهد المشار إليه في قوله تعالى : " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " [1] : الزهد .. هو عدم فرحه بإقبال الدنيا .. وعدم حزنه على إدبارها ..
سئل الإمام أحمد عن الرجل يكون معه ألف دينار ، هل يكون زاهدا ؟ فقال : نعم .. شريطة ألا يفرح إذا زادت .. ولا يحزن إذا نقصت !! فليس الزاهد من لا مال عنده ، وإنما الزاهد من لم تكن الدنيا همه ، وإن أوتي مثلما أوتي قارون ..
* حذار أن يتغلغل حب الدنيا في قلبك .. فتتحول النيات من عمل لرفع الإسلام ، إلى طلب جاه أو منصب أو مال .. فالمطلوب من المسلم أن تكون الدنيا في يده وليست في قلبه ..
* من أخطر الأمراض التي تجتاح حياة بعض الشباب المسلم هو الكيل بمكيالين .. فعندما يفتي الناس يشدد عليهم في المسألة .. أما عندما يفتي نفسه فيأخذ بأقصى درجات الرخص .. وصنف آخر يفتح باب الرخص على مصراعيه ، وثالث أغلق باب الرخص تماما وتشدد في كل شيء ..وحاول إلزام الآخرين بالتشدد ..
* بعض الشباب المسلم يظن أن التدين معناه البعد عن الدنيا واعتزالها .. فترى أحدهم قد أهمل نفسه ومنظره وهيئته أمام الناس .. مما جعل البعض يخاف من التدين .. فالمسلم ينبغي أن يكون شامة بين الناس ، قدوة للآخرين .. فملبسه نظيف ، ورائحته طيبة ، ووجهه دائما مستبشر بالخير.
فمن للدنيا يعمرها ويستفيد منها ؟ هل نترك الدنيا للكافرين حتى يسيطروا علينا ؟ هل نتركهم يستغلون نواميس الكون المسخرة لنا حتى يهاجموننا من السماء والأرض بالليزر ، والأواكس ؟!
إننا بحاجة إلى أن يكون أحدنا مبدعا ، كل في مجال تخصصه .. فذا كنت طالبا ، فنحن بحاجة إلى المسلم المتفوق .. وإن كنت طبيبا ، فنحن بحاجة إلى الطبيب الحاذق المسلم .. ونحتاج كذلك إلى المعلم المسلم ، والتاجر الصدوق المسلم .. والمحاسب المسلم والمهندس المسلم ..
* احذر أخي الشاب من الاستكانة والذل .. فالإسلام قوة في غيربطش .. وعزة في غير كبر .. ورفق من غير ضعف .. فقد رأى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – رجلا مطأطئا رأسه فقال له : ارفع رأسك .. فإن الإسلام ليس بمرض . ورأى رجلا متماوتا فقال له : لا تمت علينا ديننا أماتك الله .
* عامل الناس بلطف فهذا مشهد من المشاهد النبوية يعلمنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نعامل من أخطأ .. أو من لم يعرف الأدب ..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قام أعرابي فبال في المسجد .. فقام إليه الناس ليقعوا به .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعوه ، وأريقوا على بوله سجلا من ماء ، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " رواه الجماعة إلا مسلم.
انظر إلى الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم .. كيف أنه لم يعنف ذلك الأعرابي ، بل علَم الصحابة أن مبدأ التيسير هو نهج البعثة المحمدية ..
وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقاطعه في الخطبة ، فلم ينهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشنع عليه .. واستمر عليه الصلاة والسلام في حديثه حتى انتهى . فقال : "أين أراه السائل عن الساعة ؟ " فسأل فأخبره رواه البخاري . فالمسألة في غاية البساطة .. كان يمكن لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : " قاطعتنا قاطعك الله " أو ينهره بكلمات قاسية ، ولكن الأخلاق المحمدية ما كانت لترضى ذلك .. فهل لنا أن نتعلم كيف نعامل الناس بلطف وأدب ؟!!
وأخيرا ... أليس شرفا أن نسمو بأفكارنا بعيدا عن الترهات والقيل والقال ؟
أليس طهرا أن ننظف قلوبنا من كل وسوسة ؟
أليس نقاء أن نحافظ على أرواحنا الطاهرة من كل دنس ؟
أليست عفة أن نعف إيماننا عن أهواء النفوس وانحرافات شياطين الجن والإنس ؟؟
إننا بحاجة إلى تغيير شامل في كل نواحي الحياة .. نحن بحاجة إلى غسيل القلوب ، التي علا عليها الران والصدأ .. فالقلوب تصدأ كما يصدأ الحديد .. نحتاج إلى قلب يخاف مقام ربه .. وينهى النفس عن الهوى .. فتكون جنة الرحمن هي المأوى ...
ولا تنس في النهاية أن تبسط كفيك إلى السماء قائلاً " اللهم إني أسألك رحمة من عندك، تهدي بها قلبي، وتلمّ بها شعثي، وتبيض بها وجهي، وتزكَي بها عملي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كل سوء.