أختي السائلة، شكراً على ثقتك، وتفاصيلك التي ساعدتني كثيراً في رسم صورة معقولة لك وللمشكلة.
يمكن الحديث عن حالتك بوصفها "إرهاب الامتحان" وهو نوع من الاضطراب النفسي الناتج عن القلق الشديد الذي يصل إلى الهلع عند قدوم السبب أو المؤثر الذي هو في حالتك "امتحان نهاية العام" مع ما يحمله من ضغط نفسي هائل.
ودعينا نتناول نقاطًا جديرة بالتناول في مشكلتك:
أولاً: ليس هناك علاقة مؤبدة بين الاهتمام أو الهواية التي يحبها الإنسان، والكلية التي يدرس فيها، ولن أستطرد طويلاً؛ لأذكر لك من الشعراء إبراهيم ناجي، ومن كتّاب القصة يوسف إدريس.. إلخ ممن كانوا أطباء في الأصل، والذي ينبغي أن تطرحيه على نفسك: هل تحبين الدراسة في الكلية الأدبية التي كنت ترغبين في دخولها؟! وهل تعرفين المناهج، والعلوم التي سيكون عليك اجتيازها للحصول على الليسانس؟!
فعلى حد علمي إنهم لا يدرسون هناك الأدب فقط، وحتى فإن مجرد حب الأدب، وبعض الإنتاج فيه لا يبدو دافعاً أو أساساً كافياً لدراسته ثم احتراف العمل به تدريساً أو بحثاً بقية العمر.
ثانياً: بدلاً من الانكفاء إلى الداخل بالمرض وأعراضه، لماذا لا تواجهين أهلك، ونفسك برغبتك في الدراسة بكلية معينة، وتناضلين من أجل ذلك؟ فقط لا تكون المسألة مجرد عناد، أو مقاومة لمجرد الرفض، ولكنها رغبة حقيقية مدروسة بعناية.
أعتقد أن تحديد هذه الرغبة، والنضال دونها مهمة لا يمكن أن يقوم بها غيرك، وليكن ما يكون.
ثالثاً: نبهت من قبل أن كلية الطب بصعوبتها، وطريقة تناولها لمواضيع الدراسة تصقل الشخصية، وتمنح صاحبها منهجاً علميًّا راسخاً يتعامل به حتى مع أمور حياته الشخصية، فإذا لم تتواجد لديك رغبة حقيقية مدروسة وملحة في غيرها من الكليات؛ سيبقى عليك أن تتجاوزي خوفك المرضي قبل كل آخر عام، أو سيكون أمامك التضحية بالمميزات الاجتماعية والمنهجية لكلية الطب، وإهدار السنوات التي مضت بالفعل.
رابعاً: هل الإنسان كائن دراسي فقط؟!
بمعنى هل تخلو الحياة من الأنشطة والإنجازات غير الدراسة؟!
فإذا لم تكن الحياة كذلك، وحياتك أنت ليست كذلك بالفعل؟! ألا يدعونا ذلك للتخفف من وطأة "الخلافات" الأسرية، والضغوط النفسية المتعلقة بالدراسة إلى أقل قدر ممكن؟!
أرجو أن تأخذي قرارك بالاستمرار في كلية الطب من عدمه بأقل قدر ممكن من التوتر، وبأعلى قدر من الجسارة والتأمل الذي يدرك أن كل المجالات فيها فرص لخدمة المسلمين، السؤال يكمن في تحديد الأفضل بالنسبة لقدراتي حتى أستطيع أن أؤدي أفضل؟!
خامساً: عند إنسانة حساسة جدًّا، واجتماعية جدًّا كما تصفين نفسك توقعت أن أسمع عن أحوال قلبك، وعواطفك تجاه الجنس الآخر!
فما هو تقدير الحالة العاطفية عندك؟!
وما هو تقرير الحالة الاجتماعية بالنسبة لصداقاتك؟
ما معنى قولك: "صدمت في شخصيات كنت أرتبط بها ارتباطاً وثيقاً" فماذا كانت طبيعة هذا الارتباط؟ وماذا كانت محاور الصدمة بالتحديد؟!
وكيف تجاوزت هذه الصدمة: هل بإيجاد بدائل من أنشطة أو أشخاص آخرين؟! أم بتناسي أو محاولة تجاهل الأمر؟!
سادساً: أين أنت من الأنشطة الثقافية والفنية الراقية التي تملأ عاصمة المعز؟!
هل تتحركين خارج الدائرة التي تعيشين فيها أسريًّا ودعويًّا ودراسيًّا التي هي في النهاية ضيقة حتى إن اتسعت!!
وهل أنت متواصلة في إنتاجك الأدبي؟ وماذا تفعلين لتطوير قدراتك فيه؟!
أشعر يا أختي، أنك تودين التحليق في سماء هذا العالم الفسيح، ولكنك تضعين في أقدامك وأجنحتك أثقالا وقيودًا لا معنى لها، وأن بداخلك طاقة هائلة إذا لم تستثمر للخارج إبداعاً وجمالاً في الكتابة وغيرها، فإنها ستظل تنفجر للداخل خوفاً وهلعاً تجاه أي موقف ضاغط.
يا أختي، أنت أقوى من ذلك كله، فقط أطلقي لجناحيك العنان، وحلقي في آفاق السموات.
أنت أقوى مما تظنين، ولقد تجاوزت بعض العقبات حين وثقت – بعض الشيء – في نفسك، وفي قدراتك، وتغلبت على بعض الالتباسات التي تقابلك أو هي داخلك مثل كل الناس حين يصابون ببعض الخلط أو الالتباس، ولم يكن هذا بفضل مهارة الطبيب بمقدار ما كان بإرادتك وقدرتك أولاً ثم عَوْن الطبيب ودعم الدواء.
يا أختي، كوني على اتصال دائم بنا، واكتبي لنا، وستحلقين يوماً كما ينبغي. تسألين متى هو.. وأنا أقول مع القرآن "عسى أن يكون قريباً".
والأمر بيد الله؛ قلوبنا في يده، أدعوه أن يربت على قلبك؛ فتنحل العقبة، وتنطلقين والله معك.