السلام عليكم
أخي الحبيب : تخيل أن فلان قريبك أو صديقك الذي تُوفيّ من قريب .. أريدك أن تتخيل معيّ حقيقة أنك جالس علي الكرسي الذي بجوار مكتبك وهو جالس أمامك !
ثم وجهت إليه هذا السؤال ، بعدما عبرت له عن مدي اشتياقك له ، وأنك افتقدته كثيرًا ، وأنك وددت أن لو يجلس معك ولا يغادرك لعله أبدًا .. ثم وجههت إليه هذا السؤال .. ماذا تتمني الآن ؟؟
وبغض النظر عن حال الميت من صلاح أو غير ذلك .. فإنه لن تكون له إلا إجابة واحدة ....
فانظر إلي الحديث الذي رواه لنا أبو هريرة رضيّ الله عنه حيث قَالَ : كَانَ رَجُلانِ مِنْ بَليٍّ مِنْ قُضَاعَةَ أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً . قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ : فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ ؛ فَرَأَيْتُ فِيهَا الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ !! فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ ، فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ ، أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ السَّنَةِ ؟ " [قال الألباني : هذا من حديث أبي هريرة كما تراه ، إنما لطلحة فيه رؤية المنام ، ولطلحة حديث رواه ابن ماجة . رواه أحمد وإسناده حسن .] .
فإنه كما قلت : لن تكون له إلا إجابة واحدة ....
ألا وهي : أريد أن أُرد إلي الدنيا مرة أخري ، وأيضًا بغض النظر عن المدة فإنه يريد أن يرجع إلي الدنيا ولو لـ لحظة واحدة فقط ....
ولكن تُري لِما ، ولأي شيء يريد أن يُرد إلي الدنيا مرة أُخري ....
هل يُريد أن يُرد إلي الدنيا ليشتري هذه الشقة التي لطالما تمني أن تكون له ، أو ليزني مع تلك المرأة التي لطالما أراد الظفر بها ، أو ليجمع مالاً كثيرًا ينفقه في اللهو واللعب ويكتنز بعضه ، أو ليـ ..... .
هل فعلاً يتمني أن يُرد إلي الدنيا لهذه الأشياء ؟؟؟ لا والله الذي لا إله غيره .
ولكن لشيء واحد فقط .. ألا وهو :
" فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ " [المنافقون : 10 .]
" أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ " [الأعراف : 53 .]
" لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ " [المؤمنون : 100 .]
" نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ " [إبراهيم : 44 .] .
نعم والله هي حقيقة يطلب الرجعة إلي الدنيا ولكن للعمل الصالح والزيادة في العمل الصالح والتقرب لله رب العالمين ، وتحقيق الإيمان والترقي إلي الإحسان وحفظ الله ، وجملة ليقول ويردد النشيد الخالد الذي ردده الصحابة والتابعين ومن خلفهم بإحسان :" سمعـــنا وأطعــنا " .
أخي الحبيب : تخيل أن هذا الذي يدور الحوار معه – الميت – هو أنت وتخيل حجم الحسرة الشديدة التي ستكون فيها والتعلق بـ " رَبِّ ارْجِعُونِ " .
ويأتي الجواب الحاسم والرد الشديد موجه إليك وكأنه صاعقة من السماء فوق رأسك ، بل والله أشــد .. يأتي ليقطع عنك هذا الحبل الذي تعلقت به وما علمت أنه معلقٌ بالهـــواء .. يأتي الجواب " وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " ، " كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " .
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ...
أخي : اوقف التخيل الآن .. وانظر إلي الحقيقة .. فسوف تري نفسك ما زلت في الدنيا .. فاصنع ما كنت قد تمنيته من قليل ...
ثم تدبر حال الميت فعلاً .. ونحن علي اعتاب ذلك الشهر المبارك وما فيه من الطاعات من صيام وصلاة وعمرة وصدقات وذكر لله و ... . والله لكأني أسمع صوته عاليًا وهو يقول : يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ... .
أخي : ما قدر البقاء في الدنيا بالإضافة إلي دوام الآخرة ؟؟
ثم ما قدر عمرك في الدنيا ونصفه نوم ، وباقيه غفلة ؟؟
أخي الحبيب : ليس معني كلامي هذا أن قصدي أن تظل طوال حياتك في المسجد للصلاة والذكر والدعاء و... . لا والله ليس هذا قصدي ، ولكن اجعل حياتك كلها لله سواء كنت في الصلاة أو في الدعاء أو في الذكر أو في الزواج أو في العمل ... اجعل حياتك كلها علي وفق شرع الله وأقم وجهك للدين حنيفًا مائلاً إلي الحق عن الباطل . ولمزيد تفصيل في جعل الحياة كلها لله راجع كتاب "العبودية" لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وله شرح علي موقع طريق الإسلام طريق الإسلام لفضيلة شيخنا فوزي سعيد ، والشيخ ياسر برهامي حفظهما الله وبارك فيهما ونفع بعلمها .
منقول للأفادة.