قصة السيدة زينب ابنة رسولنا الحبيب مع ابن خالتها وحبيبها و زوجها و والد ابنيْها
أبو العاص بن ربيعة ،ابن هالة بنت خويلد أخت السيدة خديجة.. فلهذا كان يحبه الرسول.
لن تجدوا معنى من معاني الحب الصادق إلا وينير دربا من دروب هذه القصة ..
ذهب أبوالعاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وطلب الزواج من زينب،
الثمرة الأولى لزواج وحب الحبيب المصطفى والسيدة خديجة ..
فقال له النبي: لا أفعل حتى استأذنها . ودخل النبي على ابنته وقال لها : ابن خالتك جاءني
وقد ذكر اسمك فهل ترضينه زوجا لك؟ فاحمرّ وجهها وابتسمت .
وتم جمع شمل الحبيبيْن للمرة الأولى .. وأنجبا عليّ و أمامة ..
كان أبوالعاص شديد الحب لزوجته زينب.. وكان يتغنى بحبه لها في كل مرة يخرج
مع القوافل التجارية .. فقد كان يؤلف ويردد الشعر الذي يعبر به عن مدى اشتياقه
لزوجته المحبة الحبيبة .. لكن ..
ها هي الرسالة تأتي بنورها حاملا معه اختبار لهذيْن المحبين .. لقد بُعث النبي
صلى الله عليه وسلم أثناء سفر أبوالعاص ..وعندما رجع الثاني وجد زوجته وقد أسلمت..
دخل عليها من سفره فقالت له: عندي لك خبر عظيم .. فقام وتركها .. فاندهشت المحبة
وتبعته قائلة : لقد بُعث أبي نبيا وقد أسلمت. فقال : هلا أخبرتني أولا ؟
فردت زينب بهدوء: ما كنت لأكذب أبي.. وما كان أبي كذابا. إنه الصادق الأمين.
ولست وحدي.. لقد أسلمت أمي وأسلم إخوتي.. وأسلم ابن عمي (عليّ بن أبي طالب)..
وأسلم ابن عمتك (عثمان بن عفان).. وأسلم صديقك (أبوبكر الصديق)
فلم تثر ثائرة الزوج المحب ولم يتهم زوجته بالخروج عن طاعته.. بل اعتذر لها ..
نعم.. اعتذر لها برقة ولطف قائلا: ما أبوك عندي بمتهم، وليس أحَب إليّ من أن أسلك
معك يا حبيبة في شعب واحد ، ولكني أكره أن يُقال: خذل قومه وكفر بآبائه إرضاءا
لامرأته .. فهلا عذرتِ وقدّرتِ ؟ فردت المحبة المخلصة : ومن يعذر إن لم أعذر أنا؟
فأنا زوجتك أعينك على الحق حتى تقدر عليه .. وظل أبوالعاص على كفره ..
وعندما قرر مشركوا مكة أن يطلق رجالهم بنات الرسول صلى الله عليه وسلم،
وافقا ابنيْ أبي لهب على تطليق زوجتيْهما .. لكن أبو العاص، الزوج العاشق، أبى أن
يطلق زوجته وقال:لا والله إني لا أفارق صاحبتي وما أحب أني لي بها نساء الدنيا جميعا
.. وحدثت غزوة بدر، وخرج أبوالعاص للحرب في صفوف قريش .. وكانت زينب
تخشى العاقبة .. فتبكي متضرعة لربها: اللهم إني أخشى من يوم تشرق شمسه فيُيـتم
ولديّ أو أفقد أبي ..
وتنتهي المعركة.. وتسأل زينب: ماذا فعل أبي؟ فقيل: انتصر المسلمون ، فتسجد لله
شكرا.. ثم تسأل: وماذا فعل زوجي؟ فقيل: أسره حموه. فتقرر أن تفدي زوجها من أسره
.. وخلعت عقد أمها وأرسلته مع شقيقه إلى النبي صلوات الله عليه وسلامه.
كان رسولنا الكريم جالسا يتلقى الفدية ويطلق الأسرى.. وحين رأى صلى الله عليه وسلم
عقد السيدة خديجة.. تذكر حبه الأول و رقّ قلبه .. وقال: هذا فداء من؟ فقالوا: هذا فداء
أبوالعاص بن ربيع. فبكى النبي وقال: هذا عقد خديجة.. ثم نهض فقال: يا أيها الناس..
إن هذا الرجل ما ذممناه صهرا فهلا فككتم أسره وهلا قبلتم أن تردوا إلى زينب عقدها؟
فوافق الصحابة، فأعطاه النبي لأبي العاص قائلا: قل لزينب لا تفرطي في عقد خديجة.
وطلب منه النبي أن يرد عليه ابنته.. فقد أمر الله تعالى بالتفريق بين المسلمة والكافر،
فوافق أبوالعاص.. وخرجت زينب فرِحة تستقبل زوجها وحبيبها .. فقال لها: سترحلين
إلى أبيك. فقالت: فهل لك أن ترافقني وتسلم؟ فأبى.. فأخذت ولديْها وذهبت للمدينة .
وظل يتقدم الخُطاب لزينب على مدار ست سنوات وهي ترفض على أمل أن يشرح
الله صدر والد أبنائها للإسلام وتعود إليه ..
ويشاء القدر أن يحدث ما يجمع شمل المحبيْن من جديد ..
كان أبو العاص يقود قافلة محملة بأموال قريش عائدا بها إلى مكة.. فإذا بسرية مسلمين
تهاجم القافلة ويستطيع أبوالعاص الفرار.. ولم يجد مفرا من دخول المدينة ..
ذهب لمنزل زينب .. فوجدت أمامها حبيبها و والد ابنيْها.. فسألته: أجئت مسلما؟ فقال:
بل جئت هاربا. فقالت: فهل لك أن تسلم؟ فقال: لا .. فقالت: لا تخف، مرحبا بابن الخالة
وأبي عليّ وأمامة..
وبعد أن فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون من صلاة الفجر إذا بصوت يأتي
من آخر المسجد: قد أجرت أبا العاص ابن ربيعة.. وذهبت زينب إلى أبيها قائلة: يارسول
الله إن أبا العاص إن بعُد فابن الخالة وإن قرُب فأبو الولد وقد أجرته..
فنادى الرسول الكريم في الناس قائلا: يا أيها الناس إن هذا الرجل ما ذممته صهرا..
وإن هذا الرجل حدثني فصدقني و وعدني فوفى لي، وإن قبلتم أن تردوا إليه ماله
وتتركوه يعد إلى بلده، فهذا أحَب إليّ.. وإن أبيتم فالأمر إليكم والحق لكم ولا ألومكم عليه.
فوافق الصحابة.. وذهب النبي إلى بيت ابنته وقال لها: قد أجرنا من أجرتِ يا زينب ..
ولتكرميه فإنه ابن خالتك وإنه أبو العيال، لكنه لا يقربنّك، فإنه لا يحل لك.
دخلت زينب وقالت لأبي العاص: يا أبا العاص أهان عليك فراقنا.. هل لك أن تسلم
وتبقى معنا؟ فقال: لا .. وأخذ ماله وعاد إلى مكة.. وما أن رد لكل واحد نصيبه حتى
وقف بين الناس وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. والله ما
منعني من الإسلام إلا أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم.. ورجع إلى المدينة ..
و توجه إلى المسجد النبوي وأسلم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.وقال للرسول:
يا رسول الله هل تأذن لي أن أراجع زينب؟ فأخذه النبي وذهب لابنته فقال: يا زينب
إن ابن خالتك جاءني اليوم يستأذنني أن يراجعك فهل تقبلين؟ فاحمرّ وجهها وابتسمت.
لكن القدر يأتي باختبار جديد.. هذه المرة لأبي العاص.. ويتوفى الله زينب بعد عودتها
لزوجها وحبيبها بعام واحد .. فبكاها أبوالعاص كثيرا، حتى أن رسول الله كان هو من
يهوّن عليه.. ويُروى أن رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه كان يقابله في طرقات
المدينة ويجده هائما على وجهه فيحتضنه فيبكي أبوالعاص على فراق حبيبته قائلا:
والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب..
وكثيرا ما كان يزور النبي قبر ابنته فيجد الزوج المحب عند قبرها يبكيها و يدعو لها..
وكثيرا أيضا ما كان يحتضن أبو العاص ابنته أمامة و هو يقول: ذكّريني بزينب ..
وقيل أنه لحق بحبيبة عمره إلى الرفيق الأعلى بعد عام، وقيل بعد أربعة أعوام..
ليتركا لنا ذكرى ثاني أعذب وأسمى قصة حب في الكون بعد قصه حب رسولنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم مع السيد خديجه رضي الله عنها وارضاها........