قال الله تعالى :
{لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ
عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 1-4].
لقد أثارت الإشارة في الآيات الكريمة من سورة القيامة انتباه المفسرين
ودهشتهم حيث أقسم الله تعالى باليوم الآخر وبالنفس الباقية على
فطرتها التي تلوم صاحبها على كل معصية أو تقصير، لقد أقسم الله
تعالى بهما على شيء عظيم يعدّ الركن الثاني من أركان العقيدة
الإسلامية ألا وهو الإيمان ببعث الإنسان بعد موته وجمع عظامه
استعداداً للحساب والجزاء، ثم بعد أن أقسم الله تعالى على ذلك بين
أن ذلك ليس مستحيلاً عليه لأن من كان قادراً على تسوية بنان
الإنسان هو قادر أيضاً على جمع عظامه وإعادة الحياة إليها.
ولكن الشيء المستغرب لأول نظرة تأمل في هذا القسم هو القدرة
على تسوية البنان، والبنان جزء صغير من تكوين الإنسان، لا يدل
بالضرورة على القدرة على إحياء العظام وهي رميم، لأن القدرة على
خلق الجزء لا تستلزم بالضرورة القدرة على خلق الكل.
وبالرغم من محاولات المفسرين إلقاء الضوء على البنان وإبراز جوانب
الحكمة والإبداع في تكوين رؤوس الأصابع من عظام دقيقة وتركيب
الأظافر فيها ووجود الأعصاب الحساسة وغير ذلك، إلا أن الإشارة
الدقيقة لم تُدرك إلا في القرن التاسع عشر الميلادي، عندما اكتشف
عالم التشريح التشيكي "بركنجي" أن الخطوط الدقيقة الموجودة على
البشرة في رؤوس الأصابع تختلف من شخص لآخر، حيث وجد ثلاثة أنواع
من هذه الخطوط فهي تكون إما على شكل أقواس أو دوائر أو عقد، أو
على شكل رابع يدعى المركبّات وذلك لتركيبها من أشكال متعددة.
وفي سنة 1858 أشار العالم الإنكليزي "وليم هرشل" إلى اختلاف
البصمات باختلاف أصحابها، مما يجعلها دليلاً مميزاً لكل شخص.
والمدهش أن هذه الخطوط تظهر في جلد الجنين وهو في بطن أمه
عندما يكون عمره 100 أو 120 يوماً، ثم تتكامل تماماً عند ولادته ولا تتغير
مدى الحياة مهما تعرّض الإنسان للإصابات والحروق والأمراض، وهذا ما
أكّدته البحوث والدراسات التي قام بها الطبيب "فرانسيس غالتون" سنة 1892
ومن جاء بعده، حيث قررت ثبات البصمات الموجودة على أطراف الأصابع
رغم كل الطوارىء كما جاء في الموسوعة البريطانية.
وهنا نلاحظ أن الآية في سورة القيامة تتحدث أيضاً عن إعادة خلق
بصمات الأصابع جميعها لا بصمة إصبع واحدة، إذ إن لفظ "البنان" يُطلق
على الجمع أي مجموع أصابع اليد، وأما مفرده فهو البنانة، ويلاحظ أيضاً
التوافق والتناغم التام بين القرآن والعلم الحديث في تبيان حقيقة البنان،
كما أن لفظة "البنان" تُطلق كذلك على أصابع القدم، علماً أن بصمات
القدم تعد أيضاً علامة على هوية الإنسان.
ولهذا فلا غرابة أن يكون البنان إحدى آيات الله تعالى التي وضع فيها
أسرار خلقه، والتي تشهد على الشخص بدون التباس فتصبح أصدق
دليل وشاهد في الدنيا والآخرة، كما تبرز معها عظمة الخالق جل ثناؤه
في تشكيل هذه الخطوط على مسافة ضيقة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات مربعة.
ترى أليس هذا إعجازاً علمياً رائعاً، تتجلى فيه قدرة الخالق سبحانه،
القائل في كتابه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].