لا أستطيع التوقف عن قطع نفسي. أنا أشعر بأنني لست حية، فلا أحد يفهمني ولا أحد يرغب في التحدث معي، ينتابني الشعور بأني لم اعد أشعر بالحياة أكثر وبأنني غير مرئية. أنها الطفلة لينزي، 15 عاما، تتحدث عن إيذاء النفس، في تقرير عن إيذاء النفس عند الأطفال، أعدته الجمعية الوطنية لمنع القسوة ضد الأطفال، بريطانيا.
من المثير للقلق أن تكون قريبا من شخص يؤذي نفسه، فليس من السهل تخيل أن أحدا يمكن أن يؤذي نفسه عمدا، فما بالك إذا كان هذا الشخص فلذة كبدك، وإذا اكتشف الآباء والأمهات أن طفلهم يؤذي نفسه، من الطبيعي أن تنتابهم مشاعر متفاوتة بين الغضب والخوف والإحساس بالصدمة والشعور بالذنب والقلق.
ومن الطبيعي أن يقلقوا على حال طفلهم خاصة بشأن صحته، فكل هذه المشاعر متوقعة حتى يستطيعوا أن يفهموا ما يحدث لابنهم أو ابنتهم، ومن الأسئلة التي يمكن أن تدور في رأس والدي الطفل حالة صحته النفسية وما إذا كان الطفل يعاني من مرض عقلي، وإذا كان هنالك خطر على حياته وهل سيقتل نفسه يوما ما؟ تعرف الكلية الملكية البريطانية للطب النفسي، إيذاء النفس بأنه أي ضرر متعمد غير قاتل يلحقه الشخص بجسده.
وعادة ما يتم إيذاء الذات سرا، ويمكن أن يتضمن القطع أو الجرح بآلة حادة أو الحرق، والإيذاء بالكدمات أو التسمم، وتشير منظمة «مايند» البريطانية، إلى أن نتائج أبحاث أجريت مؤخرا في بريطانيا أثبتت أن واحدا من كل 10 أطفال في سن 15 و16 سنة يؤذون أنفسهم، وعادة يلجأون للقطع بآلة حادة.
وكان السبب الأكثر شيوعا لإيذاء النفس هو الهروب أو تخفيف من حالة رهيبة قد تعرضوا لها. وبينت دراسة أخرى أن 0.5 ـ 2 في المائة من الذين يؤذون أنفسهم ربما ينتحرون في خلال عام واحد، في حين أن البحوث التي أجرتها وزارة الصحة البريطانية على أكثر من 1000 شخص تتراوح أعمارهم بين 15 ـ 21 سنة أظهرت أن أكثر من 50 في المائة منهم كان يعرف شخصا يؤذي نفسه.
أما في المملكة العربية السعودية فقد وجدت دراسة أجريت في عام 2000 على مدى 6 سنوات في مستشفى جامعة الملك فهد أن حالات إيذاء النفس تشكل 10.2 في المائة من الحالات التي أدخلت في قسم الحوادث والطوارئ قد تم تحويلهم إلى أخصائي طب النفس، ومن بين هذه الحالات كان هنالك 74.3 في المائة من الـ362 تحت سن 30 عاما، وكانت أكثر الطرق لمحاولة إيذاء النفس هي تعاطي جرعة زائدة من الأدوية مثل المسكنات.
إيذاء النفس
لماذا يؤذي الأطفال أنفسهم؟ عادة يعتبر إيذاء النفس طريقة يستخدمها الناس لتساعدهم على التصدي لمواجهة الإجهاد أو الضغوط أو المشاكل العاطفية. وأثبتت الدراسات أن عملية إيذاء النفس أكثر شيوعا عند الفئة العمرية ما بين 15 ـ 25 عاما، وهي مرحلة البلوغ وسن المراهقة، لذلك يكون الأطفال أكثر حساسية.
وأشارت دراسة أخرى إلى أن إيذاء النفس قد يبدأ عند الأطفال منذ السنة السابعة من عمرهم، ووفقا لمنظمة «ريثنك» (أعد التفكير) التابعة للمجلس الوطني لمرض الفصام البريطانية أن الأسباب الرئيسية لأذى النفس هي:
1. عدم القدرة على التغلب أو مواجهة العواطف والمشاعر، والأطفال الذين يؤذون أنفسهم غالبا ما يجدون صعوبة في التعامل مع عواطفهم، وذلك بسبب التعرض لحالات مثل طلاق الوالدين أو فقدان شخص قريب، أو في بعض الأحيان إلى تغيير البيئة المحيطة، مثل الانتقال إلى منزل جديد أو مكان جديد.
2. بعض الأطفال يؤذون أنفسهم باعتبارها وسيلة للتعبير عن الأمور التي لا يستطيعون التحدث أو التعبير عنها. أنها ليست مصنفة على أنها شكل من أشكال جذب الاهتمام الذي يسعى إليه بعض الأطفال عادة بشتى الوسائل للتعبير عن مشاعرهم ولكن تعتبر المرحلة الأخيرة بعد ما يفقدون الأمل في الاستماع إليهم.
3. من المحتمل أن يكون بعض الأطفال الذين يؤذون أنفسهم قد تعرضوا لتجربة مؤلمة عاطفية أو جسدية، أو التعرض لشكل من أشكال الاعتداء الجنسي. وعادة ما يكون الإيذاء النفسي بسبب الأثر النفسي البالغ ومن الممكن أن يكره الطفل نفسه ويعتبر أن إيذاء نفسه يقلل إحساسه بالذنب على ما حدث له.
يشعر الأطفال الذين يؤذون أنفسهم عادة براحة، ويجد معظم المرضى صعوبة في التوقف عن إيذاء النفس، وكمثال، يحكي بعض الأطفال أنهم يشعرون بإحساس قوي بالراحة عندما يرون جرحهم تنزف، ومن المزعج أن بعضهم يتلذذ من إيذاء نفسهم.
ويفضل معظم الأطفال عدم التحدث عن ما يقومون به، وعادة ما يبذلون جهدا كبيرا لإخفاء آثار الجروح والكدمات التي حدثت نتيجة لإيذاء النفس، من المهم جدا أن نفهم أن إيذاء النفس ليس الضرر الناجم ولكن الألم الداخلي الذي يشعر به الطفل هو المهم، ويعتقد أنه يحدث قناع للألم الناجم عن الصدمة حيث يصبح الطفل منفصلا عن جسده ومشاعره.
أشكال الإيذاء الذاتي يمكن أن تكون:
ـ قطع أو خدش بآلة حادة ـ حرق
ـ تناول جرعات زائدة من الأدوية مثل الباراسيتامول (paracetomol)
ـ ضرب الرأس بعنف ـ جذب وقطع فروة الرأس بعنف ـ السقوط عمدا أو تعريض أنفسهم للإصابة
مخاطر إيذاء النفس
عندما يؤذي الطفل نفسه يقصد من ذلك تخفيف بعض الألم الداخلي الذي يشعر به، ومعظم الخدوش والجروح يمكن التعامل معها في المنزل، لكن إذا كانت الإصابة خطيرة أو إذا تم تناول جرعة زائدة من الدواء، من المهم التماس العناية الطبية على الفور.
وعلى الرغم من أن إيذاء النفس ليس سلوكا انتحاريا، فإن الاضطراب العاطفي قد يؤدي إلى التفكير في الانتحار، وعليه من المهم إذا اكتشف أحد الوالدين أن طفله يؤذي نفسه يجب أخذه على محمل الجد، ومحاولة العمل مع الطبيب في إدارة مثل هذه الحالة.
من هم الأكثر عرضة للخطر؟
بعض الناس أكثر عرضة لإيذاء أنفسهم من غيرهم، وتشير البحوث إلى أن أكثر الفئات ضعفا تشمل:
- الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 ـ 25 عاما
- البنات أكثر عرضة لإيذاء النفس أكثر من الفتيان، وحتى سن 16، تكون الفتيات 4 مرات أكثر عرضة للمعاناة من أذى النفس من الأولاد
- ذوي الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب وانفصام الشخصية واضطرابات الشخصية
- الأشخاص قليلي الاعتداد بالذات
- ذوي الشخصيات المتهورة
- الناس الذين يجدون صعوبة في التعامل مع المواقف الصعبة علامات تحذيرية كما ذكرنا فالأطفال والكبار الذين يؤذون أنفسهم يبذلون جهدا كبيرا لإخفاء إصاباتهم، ولكن على الآباء والأمهات ضرورة البحث عن دلائل يمكن أن تبين أن الطفل قد يكون يعاني من شيء خطير، مثل:
- تغيرات المزاج، مثل أن يتحول الطفل الذي كان يبدو سعيدا إلى حزين وبائس لبضعة أيام، أو ينعزل اجتماعيا عن الآخرين.
- مشاكل في النوم، إما قلة النوم أو كثرته.
- اضطرابات الأكل قلته أو كثرته أو فقدان الشهية.
- عدم القيام بالأنشطة العادية التي كانوا يقومون بها. وهنالك أيضا علامات واضحة مثل:
- إصابات غير قابلة للتفسير، وخاصة في الأطراف السفلية أو العلوية التي يمكن إخفاؤها بسهولة.
- وقوع العديد من الحوادث لطفلك.
- أن يصبح الطفل منطويا أو منعزلا. دور الوالدين رد فعل المبدئي عند اكتشاف أن طفلك يؤذي نفسه له تأثير كبير على الطفل، وسوف يؤثر على مدى ثقته بك وتقبله لمساعدتك والثقة بك في المستقبل.
ولكن من المهم أن نعرف أن كل طفل مختلف، وللوالدين علاقة خاصة وفريدة مع طفلهما، إن كيفية التعامل مع الوضع تعتمد على عمر الطفل، والأسباب الكامنة وراء إيذاء النفس، والطريقة التي تم اكتشاف بها إيذاء النفس.
وعلينا أن ندرك أنه مهما كانت الإصابات التي ألحقها طفلك بنفسه، فهي مجرد وسيلة لجأ إليها لمواجهة موقف صعب، تأكد من أنك دائما قريبا من طفلك وأنك قادر على التعامل مع المشاكل المختلفة التي يمكن أن تحدث في كل أسرة، ولكي يعالج الطفل من هذه العادة يجب أن لا ننسى أن نعطيه كل الحب والحنان حتى يستطيع من التخلص من إيذاء نفسه لكي يرتاح، ومهما صنع الطفل من خطأ فهو ما زال طفلك الصغير الذي يحتاج إلى التوجيه السليم والعطف عليه.
تعتبر المنظمة البريطانية «هارملس» أن إيذاء النفس:
ـ ليس سعيا للاهتمام أو للتلاعب
ـ ليس مرضا عقليا
ـ ليس محاولة انتحار
ـ ليس مشكلة لا يمكن حلها
اقتراحات للآباء الذين لديهم أطفال يؤذون أنفسهم
1. تأكد من تثقيف نفسك عن إيذاء الذات، وبحيث تستطيع التعامل مع الوضع بشكل فعال.
2. لا تبدِ الغضب أو الاشمئزاز إزاء ما يقوم به طفلك أبدا، فهذا لن يؤدي إلا إلى إبعاد طفلك أكثر وسوف تجعله يخفي ما يقوم به عنك.
3. تذكر دائما أنك لست المسؤول عن سلوك طفلك، ولكن تعاملك مع طفلك سوف يؤثر على علاقتك معه.
4. تأكد من التركيز على مشاكل طفلك لتفادي إيذاء نفسه.
5. لا تعاقب طفلك لسلوكه أبدا، ما تشاهده هي وسيلته لمواجهة الحياة، وعلى هذا النحو حاول العمل مع طفلك للبحث عن بديل لمواجهة مشاكل الحياة.
6. لا تجبر طفلك على الذهاب إلى الطبيب، أو البحث عن المساعدة الطبية، وطفلك يحتاج إلى قناعة بأن هذا هو الحل الأفضل بالنسبة له، أيا كان عمر الطفل.
7. شجع طفلك على تعلم كيفية التعامل مع الحالات الصعبة أو لإيجاد حل بديل لإيذاء النفس، على سبيل المثال، بدلا من التسبب في إيذاء أنفسهم فإنهم قد يسعون للقيام بعمل مختلف من شأنه أن يخفف عليهم، مثل كتابة الشعر للتعبير عن عواطفهم أو مشاعرهم أو الرسم.
8. لا تخف من طلب المساعدة ودعم المقربين لكم في هذه الحالة، لأنك ستحتاج لطاقة كبيرة للتعامل مع الضغوط النفسية.
9. شجع طفلك دائما أن يشعر بإيجابية عن نفسه، والتأكيد دائما على الجوانب الإيجابية لطفلك.
10. حاول ألا تجعل طفلك يشعر بالذنب إذا أخطأ، ولا تتجاهل ما يحدث له