مليونية ميدان التحرير: "الثورة أولا"، و"القصاص من القتلة"
خرج المصريون بالآلاف اليوم في تظاهرات حاشدة عمّت جميع أنحاء البلاد في يوم أُطلق عليه اسم «جمعة القصاص»، احتجاجاً على بطء وتيرة الإصلاحات، وعلى طريقة إدارة المرحلة الانتقالية التي يتولاها الجيش الممسك بزمام الأمور منذ تنحية الرئيس السابق محمد حسني مبارك قبل خمسة أشهر. ونصبت عشرات الخيام وسط ميدان التحرير في القاهرة رغم الحر الشديد، مع ارتفاع الحرارة الى 37 درجة مئوية.
وتجمع آلاف المتظاهرين في الميدان ملوحين بالعلم المصري وهم يحملون لافتات كتب على إحداها «ثورتنا مستمرة» وعلى أخرى «مش حاسين بالتغيير شيلنا مبارك جبنا مشير»، في اشارة الى وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، الممسك بزمام السلطة في مصر منذ سقوط مبارك. ولم تنحصر هذه التظاهرات في القاهرة فقط، بل شملت أيضاً الاسكندرية، التي تجمع فيها الآلاف والسويس، حيث جرت صدامات بين الأهالي وقوات الشرطة مطلع الأسبوع الحالي.
ويشكو المصريون من بطء وتيرة الإصلاحات التي وعد بها الجيش، وخصوصاً ما يتعلق منها بمحاكمة مسؤولي النظام السابق، ومرتكبي أعمال العنف بحق المتظاهرين. وتثير المحاكمات العسكرية المتواصلة للمدنيين أيضاً سخط المصريين، ويعدّ إلغاؤها من المطالب الرئيسية أيضاً للمتظاهرين، الذين ينتقدون كذلك بطء محاكمة الضباط المتورطين في قتل المتظاهرين خلال الثورة، إضافة الى بعض الخلافات على الجدول الزمني لإجراء الانتخابات ووضع الدستور.
ولا يلاحظ وجود لقوات الأمن في ميدان التحرير، حيث أعلن مسؤول امني الخميس أن عناصر الشرطة والجيش سيراقبون الميدان عن بعد تفادياً لأي احتكاك مع المتظاهرين قد يؤدي الى وقوع اشتباكات، فيما حذرت الحكومة من محاولات لزرع الفوضى. بدوره دعا مجلس الوزراء المصري في بيان صحافي له «القوى السياسية المشاركة في التظاهرة إلى المحافظة على النهج السلمي والحضاري الذي أرسته جماهير ثورة 25 يناير، والتحسب لمحاولة بعض القوى المناهضة للثورة خلق حالة من الفوضى والاضطراب للإساءة إلى الجماهير في الميدان وإلى مصر وثورتها».
وكانت جماعة الإخوان المسلمين قد أعلنت في اللحظة الأخيرة مشاركتها في تظاهرات الجمعة، بعد رفضها سابقاً المشاركة فيها بسبب مطالبة المتظاهرين بوضع الدستور قبل إجراء الانتخابات، وهو ما ترفضه بشدة هذه الجماعة.
وفي السياق، شدّد نائب رئيس محكمة النقض المصرية المستشار، أحمد مكّي، في حديث لصحيفة «المصري» نُشر اليوم، على ضرورة أن تُجرى محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك ونجليه وكل رموز الفساد على نحو علني وشفاف. وقال «يجب أن يحضر بعض المواطنين المحاكمات مع إمكان تصويرها ونشر تفاصيلها بإذن من هيئة المحكمة التي يمثلون أمامها، مع إعطاء كل متهم الفرصة الكاملة للدفاع عن نفسه في ظل إجراءات تقاضي سليمة، وخاصةً أن العالم كله يتابع ويراقب ما يجري من محاكمات». ودعا المصريين إلى التحلي بالصبر والاتزان حتى تجري محاكمات أعضاء النظام السابق، مطالباً أجهزة الشرطة بالاضطلاع بدورها بتأمين المحاكمات حتى يأخذ المتهم حقه بالدفاع دون التعرض للترويع أو الترهيب، وحتى تكون المحاكمات لائقة بتاريخ مصر. ومن جهة ثانية، رفض مكّي الجدل القائم حالياً في مصر بشأن قضية الدستور أولاً أو الانتخابات أولاً، مؤكداً أن من يثيرون هذا الاقتراح يسعون إلى أن يُشغل المواطن بقضايا فرعية لا هدف من ورائها سوى إحداث البلبلة وعدم الاستقرار، علاوة على أنها تزيد الأمور تعقيداً. وأكد مكّي ضرورة تطهير القضاء المصري ممن مارسوا الفساد السياسي خلال حُكم النظام السابق، وخاصةً ممن اشتركوا في تزوير الانتخابات البرلمانية، وهو إفساد للحياة السياسية.