وفاة الخليفة الراشد أبي بكر الصديق
21 جمادى الآخرة 13 هـ ـ 22 أغسطس 634م
مفكرة الاسلام: سيرة هذا الرجل أكبر وأجل وأعظم من أن نؤرخ لها في هذا المقام المتواضع، فهو تقصر عن مكانته وبعض حقه مجلدات كثيرة لو كتبت، فهو خير الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم وخير البشر كلهم بعد الأنبياء والرسل، ولكن نعرض لسيرته في لمحات سريعة لتعريف الخلف بما كان خير السلف.
اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، بنو تيم أحد بطون قريش الاثني عشر، ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنوات، وكان من وجهاء قريش وأشرافهم وإليه ولاية المغارم، وكان كريم الشمائل عظيم الخصال، لم يسجد لصنم قط في الجاهلية، وكان ممن حرَّم على نفسه الخمر في الجاهلية.
أول من أسلم من الرجال، بلا تردد ولا نظر، وأول داعية للإسلام حتى إنه قد أسلم على يديه في يوم واحد ستة من المبشرين بالجنة، وظل طوال حيات النبي ملتصقًا به، وصاهره النبي على ابنته عائشة، ولم يتخلف عن النبي في حل ولا ترحال ولا أي موطن قط، حتى عرف بين الناس بوزير محمد.
وبعد وفاة النبي كان أبو بكر رجل الساعة وفارس الميدان المقدم الذي قيضه الله عز وجل لعصمة هذه الأمة من الفرقة والاختلاف، واجتمعت الأمة عليه وأصبح خليفة الرسول في أمته وقام بهذا الدور على أروع ما يكون، حتى إنه كما قال عمر بن الخطاب: «أتعب من بعده»([1])، ومن أعماله العظيمة:
1ـ محاربته للمرتدين ومانعي الزكاة، وقد عصفت هذه الحركة بجزيرة العرب كلها إلا مكة والمدينة، ورغم قلة من ثبت على الإسلام، فإن ذلك لم يفت في عضده ولا عزيمته، وقاد المسلمين حتى قضى على حركة الردة العاتية وجعل شعاره في الحياة «أينقص الدين وأنا حيّ».
2ـ جمع القرآن الكريم.
3ـ قيادة حركة الفتوح الإسلامية الكبرى في العراق والشام.
4ـ قام أبو بكر الصديق بهذه الأعمال العظيمة الحاسمة في فترة وجيزة؛ سنتين وعدة شهور، وقد توفاه الله عز وجل في 21 جمادى الآخرة 13هـ، وقد اختلف الناس في سبب موته، فقيل إن اليهود قد سموه هو والحارث بن كلدة «طبيب العرب»، وقيل إنه أصيب بالحمى بعد أن اغتسل في ليلة باردة، فمات من الحمى، وهذا هو الراجح والذي عليه الجمهور من المؤرخين.
([1]) انظر: سنن البيهقي الكبرى (6/353)، طبقات ابن سعد (3/187، 192)، مصنف ابن أبي شيبة (4/466).