أمْطَارُ العَفْو

الســـــــــلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

أمْطَارُ العَفْو 500X361

أمْطَارُ العَفْو

آهٍ مِنَ الذُّنُوبِ مَا أثْقَلَها، وما أشَدَّ وَطْأَها، فَهِيَ أغْبِرَةٌ تُغَطِّي وُرَيْقَاتِ القَلْبِ وتَمْنَعُ عنْها نُور الشَّمْسِ، وَسَوَادٌ يَغْشَى مَصَابِيحَ الذَّاتِ، فَتُوقِظَ فيها الأرَقَ، وَتُثِيرُ الْعَتْمَةَ في الطَّرِيقِ. وَهِيَ تَقَرُّحَاتٌ تُصِيبُ قِيثَارَةَ النَّفْسِ، فَتَتَكَسَّرُ تَقَاسِيمُها، وتَضْطَرِبُ ألْحَانُها. وَهِيَ أتْرِبَةٌ تُخَالِطُ يَنَابِيعَ الأعْمَاقِ، فَتَتِيهُ عَنْ ضِفافِ الصَّفَاءِ، وَلا تَصِلُ إلى شَوَاطِئِ الْجُودِ. وَهِيَ قُضْبَانٌ تَحْبِسُ طُيُورَ الْعَقْلِ عَنِ التَّحْلِيقِ في سَمَاءِ الْفِكْرِ، فَلا تَنْعَمُ بِأنْجُمِهَا المُتَلألِئَة، وَلا تَجُوبُ أفْلاكَهَا الرَّحْبَةَ

فَكَيْفَ يُمْكِنُ مَسْحُ الغُبَارِ والسَّوادِ؟ وكَيْفَ يُمْكِنُ التَّخَلُّصِ مِنَ التَّقَرُّحَاتِ والأتْرِبَةِ؟ وَكَيْفَ يُمْكِنُ تَكْسِيرُ الْقُضْبَانِ والإفْلاتُ مِنْها؟ لِتَعُودَ إلى سَالِفِ عَهْدِكَ، وبِدَايَةِ طَرِيقِكِ، مُشْرِقَاً كَنَجْمَةِ صُبْحِ، حَانِيَاً كَجَدْوَلٍ رَقْرَاقٍ. مَا عَلَيْكَ إلاّ أنْ تَقِفَ على مَشَارِفِ التَّأَمُّلِ، تَتَفَيَّأ ظِلالَ الْوَعْيِ، مُتَّكِئَاً عَلَى صَخْرَةِ الصِّدْقِ، وَتَسْتَرْجِعُ مَا خَطَطْتَهُ بِيَمِينِكَ، ومَا أجْرَيْتَهُ بِيُسْرَاكَ، ومَا مَشَيْتَ إلَيْهِ بِقَدَمِكَ، وَمَا اجْتَرَحْتَهُ بِكُلِّ جَارِحَة مِنْ جَوَارِحِكَ، وتَمُدَّ أكُفَّ الاسْتِغْفَارِ، وتُطْلِقَ صَرَخَاتِ النَّدَمِ، وتَعْزِفَ ألْحَانَ الوَجْدِ، وتَتَرَنَّمَ بِأنْغَامِ الشَّوْقِ، فَتَئِنّ حِينَ يَلْزَمُ الأنِينُ، وتَبْكِي حِينَ يَلْزَمُ البُكَاءُ، وتَبْذِلُ حِينَ يُفْتَرَضُ البَذْلُ، وتُعْطِي عِنْدَما تَرى أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ العَطَاءِ

لا تَتَرَدَّدْ! مُدَّ يَدَيْكَ، وَجَرِّبْ. أطْلِقْ صَوْتَكَ، وافْتَحْ صَفْحَةَ قَلْبِكَ؛ لِتَرَى كَيْفَ تَتَسَاقَطُ عَلَيْكَ شَآبِيبُ الرَّحْمَةِ، لتُعِيدَ وُرَيْقَاتِ قَلْبِكَ خَضْرَاءَ لامِعَةً، تَمُدُّهُ بألْوَانِ الطَّيْفِ، وتُغَذِّيهِ بأنْوارِ السَّمَاءِ، وَكَيْفَ يَمْسَحُ نَدَى المَغْفِرَةِ مَصَابِيحَ ذَاتِكَ، لِيَسْتَرِدَّ إلَيْهَا سُكُونَها وَيَسْتَعِيدَ إلى الطَّرِيقِ الضِّيَاءَ، وَكَيْفَ تُخَالِطُ أمْطَارُ العَفْوِ يَنَابِيعَ أعْمَاقِكَ، لِتُعِيدَهَا صَافِيَةً نَقِيَّةً، وَكَيْفَ تَلُفُّ نَسَائِمُ الرَّأْفَةِ قِيثَارَةَ نَفْسِكَ، لِتَنْطَلِقَ صَدَّاحَةً بِكُلِّ لَحْنٍ رَائِعٍ، وَنَغَمٍ جَمِيلٍ، وَكَيْفَ تُطْلِقُ يَدُ الْعَطْفِ عَقْلَكَ مِنْ سِجْنِهِ، لِتُحَلِّقَ طُيُورُهُ في الأجْوَاءِ السَّامِيَةِ، والآفَاقِ الْبَعِيدَةِ

مُدَّ يَدَيْكَ وَجَرِّبْ

أمْطَارُ العَفْو 190486