يمر الطفل بمرحلة في حياته وخصوصا في سنته الثانية، يعلن فيها عن معارضته لك في كل
شيء، مثلا: كالاستحمام والذهاب للنوم والتمسك بيدك عند عبور الشارع وهكذا! وذلك تعبيرا
عن استقلاليته واختلافه وبداية ممارسة الأمور بنفسه وتسمى هذه الفترة بفترة الخبرة. حيث
يبدأ بالتنقل وحده من منطقة إلى أخرى، ومسك الأشياء وتفحصها، والتفكير بمفرده. ويبدأ
يختبر مدى سلطته وقوته وتأثيره فيك ويبدأ بإعلانه الرفض ومحاولة العثور على حدود أوسع
لعالمه، ويحاول في بعض الأحيان استفزازك ليعرف أمور جديدة وقوانين مخفية وذلك من باب حب
الاستطلاع.
وهنا يأتي التحدي الكبير لك، بحيث تحافظين على برودة أعصابك في الوقت التي يمارس فيه
طفلك موجات من الرفض المتكرر. وهنا ينصحك الخبراء بالمحافظة على الهدوء والتفكير مليا قبل
القيام بأي رد فعل قد يشوش العلاقة مع طفلك، فهذه المرحلة لا بد أن يمر بها كل طفل وهي
ضرورية جدا، ولن تؤثر على قدراتك كمربية. وقد يلجأ الطفل للصراخ والبكاء لكي يحقق مطلبه
في أي أمر، ولكن عليك أن لا تعيريه أي اهتمام نتيجة لبكائه، فالتفاعل مع البكاء يعلمه عادة
البكاء كل ما أراد أن يحصل على شيء معين. بل أخبريه أنك تتفهمين غضبه إلا أنك لن تخضعي
لمطلبه، وأظهري لطفلك أنك تسيطرين على الوضع من خلال الحفاظ على رباطة جأشك وعدم
الوقوع في فخ الصراخ عليه بصوت عال. فإن إصرارك على موقفك وعدم تراجعك عنه يعلم طفلك
أصول احترام القوانين والأنظمة والقواعد بشكل جيد.
ومن المهم أن تحاوري الطفل عندما يهدأ غضبه، بهدف مناقشة ما قد حصل، وبسبب عناده في
بعض الأمور حيث أنه يجب أن يتعايش مع الآخرين ويتصرف بما يناسب المجموعة وليس نفسه
فقط، فهذه أول الخطوات لتكوين كائن اجتماعي ناجح، يعمل مع الآخرين كفريق بعيدا عن الأنانية.
والمهم في هذا الموضوع عدم مناقضة ذاتك أمامه أو تغيير رأيك باستمرار. لأنك بذلك تعززين
شكوكه وتعطينه مبررا لقول لا والتمرد أكثر.
وطبعا ينصح الخبراء بترك الطفل يكتشف بعض الأمور بنفسه في هذه المرحلة من عمره، لما لها
من تأثير إيجابي على بناء شخصيته المستقلة والانفتاح والنمو، ولكن هذه التجارب الفردية لا
تخلو من الخطر، لذا عليك توفير بيئة آمنة له للحركة والاستكشاف وذلك بالحرص على إبعاد أي
خطر كهربائي، أو عراقيل قد تسبب وقوعه وصدم أجزاء من جسده، أحكمي إغلاق الخزائن التي
تحتوي على مواد ضارة وسامة مثل مواد التنظيف، وأبعدي الكراسي عن النوافذ العالية حتى لا
يتسلق إليها، وبعد ذلك يمكن أن تعطيه مساحة من الحرية للتحرك واللعب، وقضاء وقت خاص به
كما يحلو له، فهذا ما يساعده على تفريغ طاقته المكبوتة، والخضوع لأي تعليمات قد تصدر من
طرفك لاحقا.
لقد وضع الله بين يديك هذه الأمانة العظيمة والجميلة في نفس الوقت، وأنت الكائن الوحيد الذي
يستطيع تشكيل شخصية الطفل لما لك من تأثير قوي عليه، فالحب الذي يربط الطفل بأمه يمهد
لها الطريق رحبا لكي تزرع فيه كل البذور الجيدة والصفات النبيلة التي تقطف ثمارها فيما بعد،
فعليك بطلب الحكمة من الله لكي تنجحي في هذه المهمة النبيلة وترعي الأمانة بالحق