ففي الموسوعة الفقهية
إحْيَاءُ اللَّيْلِ التَّعْرِيفُ :
1 - الْإِحْيَاءُ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ حَيًّا , وَيُرِيدُ الْفُقَهَاءُ مِنْ قَوْلِهِمْ : " إحْيَاءُ اللَّيْلِ " قَضَاءَ اللَّيْلِ أَوْ أَكْثَرَهُ بِالْعِبَادَةِ , كَالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْمُدَّةُ هِيَ أَكْثَرُ اللَّيْلِ , وَيَكُونُ الْعَمَلُ عَامًّا فِي كُلِّ عِبَادَةٍ . ( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) : أ - قِيَامُ اللَّيْلِ : 2 - الْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قَدْ لَا يَكُونُ مُسْتَغْرِقًا لِأَكْثَرِ اللَّيْلِ , بَلْ يَتَحَقَّقُ بِقِيَامِ سَاعَةٍ مِنْهُ . أَمَّا الْعَمَلُ فِيهِ فَهُوَ الصَّلَاةُ دُونَ غَيْرِهَا . وَقَدْ يُطْلِقُونَ قِيَامَ اللَّيْلِ عَلَى إحْيَاءِ اللَّيْلِ . فَقَدْ قَالَ فِي مَرَاقِي الْفَلَاحِ : مَعْنَى الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَغِلًا مُعْظَمَ اللَّيْلِ بِطَاعَةٍ , وَقِيلَ سَاعَةً مِنْهُ , يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَوْ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ يَسْبِقُهُ نَوْمٌ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَقَدْ لَا يَسْبِقُهُ نَوْمٌ . ب - التَّهَجُّدُ : 3 - التَّهَجُّدُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ نَوْمٍ . وَلَكِنْ يُطْلِقُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ مُطْلَقًا .
-----------------
تهجّد *
التّعريف :
1 - التّهجّد في اللّغة : من الهجود ويطلق على النّوم والسّهر . يقال هجد : نام باللّيل فهو هاجد والجمع هجود مثل : راقد ورقود وقاعد وقعود .
وهجد . صلّى باللّيل ، ويقال : تهجّد : إذا نام . وتهجّد : إذا صلّى فهو من الأضداد .
وفي لسان العرب : قال الأزهريّ : المعروف في كلام العرب أنّ الهاجد هو النّائم . هجد هجودا إذا نام . وأمّا المتهجّد فهو القائم إلى الصّلاة من النّوم . وكأنّه قيل له متهجّد لإلقائه الهجود عن نفسه .
وقد فسّرت عائشة رضي الله عنها وابن عبّاس رضي الله عنهما ومجاهد { نَاشِئَةَ اللَّيلِ } بالقيام للصّلاة بعد النّوم ، فيكون موافقا للتّهجّد .
وفي الاصطلاح : هو صلاة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم .
وقال أبو بكر بن العربيّ : في معنى التّهجّد ثلاثة أقوال :
الأوّل : أنّه النّوم ثمّ الصّلاة ثمّ النّوم ثمّ الصّلاة .
الثّاني : أنّه الصّلاة بعد النّوم .
والثّالث : أنّه بعد صلاة العشاء . ثمّ قال عن الأوّل : إنّه من فهم التّابعين الّذين عوّلوا على « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينام ويصلّي ، وينام ويصلّي » .
والأرجح عند المالكيّة الرّأي الثّاني .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - قيام اللّيل :
2 - الأصل في قيام اللّيل أن يطلق على الاشتغال فيه بالصّلاة دون غيرها .
وقد يطلق على الاشتغال بمطلق الطّاعة من تلاوة وتسبيح ونحوهما .
وقيام اللّيل قد يسبقه نوم بعد صلاة العشاء وقد لا يسبقه أمّا التّهجّد فلا يكون إلا بعد نوم .
ب - إحياء اللّيل :
3 - المراد بإحياء اللّيل قضاؤه أو أكثره بالعبادة كالصّلاة ، والذّكر ، وقراءة القرآن ، ونحو ذلك ، فبينهما عموم وخصوص وجهيّ ، فالإحياء أخصّ لشموله اللّيل كلّه أو أكثره ، والتّهجّد أخصّ لكونه بالصّلاة دون غيرها . وتفصيله في مصطلح ( إحياء اللّيل ) .
حكمه :
4 - التّهجّد مسنون في حقّ الأمّة لقوله تعالى : { وَمِن اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لكَ } .
أي فريضة زائدة على الفريضة بالنّسبة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ولمواظبته صلى الله عليه وسلم على التّهجّد ، ولما ورد في شأنه من الأحاديث الدّالّة على سنّيّته ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : « عليكم بصلاة اللّيل ، فإنّه دأب الصّالحين قبلكم ، وقربة إلى ربّكم ، ومكفّرة للسّيّئات ، ومنهاة عن الإثم » .
وقوله عليه الصلاة والسلام :« أفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل »والمراد بها التّهجّد.
وأمّا في حقّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقد اختلف العلماء في وجوبه أو نفله على قولين : ينظر في مصطلح : ( اختصاص ) .
وقته :
5 - أفضل أوقات التّهجّد جوف اللّيل الآخر لما روى عمرو بن عبسة قال : « قلت : يا رسول اللّه : أيّ اللّيل أسمع ؟ قال : جوف اللّيل الآخر فصلّ ما شئت » .
فلو جعل اللّيل نصفين أحدهما للنّوم والآخر للقيام فالأخير أفضل ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا حين يبقى ثلث اللّيل الأخير فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ » متّفق عليه .
قال الحنفيّة والشّافعيّة : لو أراد أن يجعله أثلاثا فيقوم ثلثه وينام ثلثيه ، فالثّلث الأوسط أفضل من طرفيه ، لأنّ الغفلة فيه أتمّ ، والعبادة فيه أفضل والمصلّين فيه أقلّ .
ولهذا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ذاكر اللّه في الغافلين مثل الشّجرة الخضراء في وسط الشّجر » والأفضل مطلقاً عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة السّدس الرّابع والخامس من اللّيل ، لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « أحبّ الصّلاة إلى اللّه عزّ وجلّ صلاة داود عليه السلام كان ينام نصف اللّيل ويقوم ثلثه وينام سدسه » . وأمّا المالكيّة فأفضله عندهم ثلثه الأخير لمن تكون عادته الانتباه آخر اللّيل ، أمّا من كان غالب حاله أن لا ينتبه آخره بأن كان غالب أحواله النّوم إلى الصّبح ، فالأفضل أن يجعله أوّل اللّيل احتياطا .
عدد ركعاته :
6 - اتّفق الفقهاء على أنّ أقلّها ركعتان خفيفتان لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إذا قام أحدكم من اللّيل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين » . واختلفوا في أكثرها فقال الحنفيّة : منتهى ركعاته ثماني ركعات .
قال ابن الهمام : الظّاهر « أنّ أقلّ تهجّده صلى الله عليه وسلم كان ركعتين ، وأنّ منتهاه كان ثماني ركعات » وستأتي الرّوايات الدّالّة على ذلك .
وقال المالكيّة : أكثره عشر ركعات أو اثنتا عشرة ركعة فقد روي « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّي باللّيل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة » وروي أنّه كان يصلّي فيه اثنتي عشرة ركعة ثمّ يوتر بواحدة . ينظر في مصطلح : ( اختصاص ) .
وقال الشّافعيّة : لا حصر لعدد ركعاته وهو ما يؤخذ من عبارات فقهاء الحنابلة .
لخبر : « الصّلاة خير موضوع من شاء أقلّ ومن شاء أكثر » .
ركعات تهجّده صلى الله عليه وسلم :
7 - قال ابن قدامة : اختلف في عدد ركعات تهجّده صلى الله عليه وسلم فروي أنّه ثلاث عشرة ركعة لما روى ابن عبّاس قال : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي من اللّيل ثلاث عشرة ركعة » أخرجه مسلم .
وقالت عائشة : « ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ، ثمّ يصلّي أربعا فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ، ثمّ يصلّي ثلاثاً » . وفي لفظ قالت : « كانت صلاته في شهر رمضان وغيره باللّيل ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر » وفي لفظ : « منها الوتر وركعتا الفجر » .
وفي لفظ « كان يصلّي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر » . وفي لفظ « كان يصلّي فيما بين العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلّم من كلّ ركعتين ويوتر بواحدة » .
ترك التّهجّد لمعتاده :
8 - يكره لمن اعتاد التّهجّد أن يتركه بلا عذر « لقوله صلى الله عليه وسلم لابن عمرو يا عبد اللّه لا تكن مثل فلان كان يقوم من اللّيل فترك قيام اللّيل » متّفق عليه .
وقوله صلى الله عليه وسلم « أحبّ الأعمال إلى اللّه أدومها وإن قلّ »
وقول عائشة رضي الله عنها : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلّى صلاة داوم عليها » هذا وتفصيل ذلك كلّه وما عداه ممّا هو متّصل به من صفة صلاته وما يقوله المتهجّد إذا قام من اللّيل يتهجّد وما يقرأ في تهجّده ، وإسراره بالقراءة وجهره بها ، وهل تهجّده في البيت أفضل منه في المسجد أو العكس ، وإيقاظه من يطمع في تهجّده إذا لم يخف ضررا ، وهل إطالة القيام أفضل من تكثير الرّكعات أو العكس ، تفصيل ذلك كلّه يرجع إليه في بحثي : ( قيام اللّيل ، وإحياء اللّيل ) .
------------------
( صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ ) التَّعْرِيفُ : 1 - تَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الصَّلَاةِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا فِي مُصْطَلَحِ : ( صَلَاةٌ ) . وَالتَّرَاوِيحُ : جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ , أَيْ تَرْوِيحَةٌ لِلنَّفْسِ , أَيْ اسْتِرَاحَةٌ , مِنْ الرَّاحَةِ وَهِيَ زَوَالُ الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ , وَالتَّرْوِيحَةُ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْجِلْسَةِ مُطْلَقَةً , وَسُمِّيَتْ الْجِلْسَةُ الَّتِي بَعْدَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ بِالتَّرْوِيحَةِ لِلِاسْتِرَاحَةِ , ثُمَّ سُمِّيَتْ كُلُّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ تَرْوِيحَةً مَجَازًا , وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِالتَّرَاوِيحِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيلُونَ الْقِيَامَ فِيهَا وَيَجْلِسُونَ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلِاسْتِرَاحَةِ . وَصَلَاةُ التَّرَاوِيحِ : هِيَ قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ , مَثْنَى مَثْنَى , عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِهَا , وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِهَا . ( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) : أ - ( إحْيَاءُ اللَّيْلِ ) : 2 - إحْيَاءُ اللَّيْلِ , وَيُطْلِقُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا قِيَامَ اللَّيْلِ , هُوَ : إمْضَاءُ اللَّيْلِ , أَوْ أَكْثَرِهِ فِي الْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ . ( ر : إحْيَاءُ اللَّيْلِ ) . وَإِحْيَاءُ اللَّيْلِ : يَكُونُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الْعَامِ , وَيَكُونُ بِأَيٍّ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ نَحْوِهَا وَلَيْسَ بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ . أَمَّا صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ فَتَكُونُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ خَاصَّةً . ب - التَّهَجُّدُ : 3 - التَّهَجُّدُ فِي اللُّغَةِ : مِنْ الْهُجُودِ , وَيُطْلَقُ الْهُجُودُ عَلَى النَّوْمِ وَعَلَى السَّهَرِ , يُقَالُ : هَجَدَ إذَا نَامَ بِاللَّيْلِ , وَيُقَالُ أَيْضًا هَجَدَ : إذَا صَلَّى اللَّيْلَ , فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ , وَيُقَالُ : تَهَجَّدَ إذَا أَزَالَ النَّوْمَ بِالتَّكَلُّفِ . وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ : صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ . وَالتَّهَجُّدُ - عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ , فِي أَيِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الْعَامِ . أَمَّا صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ النَّوْمِ , وَهِيَ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ خَاصَّةً . ج - التَّطَوُّعُ : 4 - التَّطَوُّعُ هُوَ : مَا شُرِعَ زِيَادَةً عَلَى الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا , وَسُمِّيَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ أَوْ النَّافِلَةِ تَنْقَسِمُ إلَى نَفْلٍ مُقَيَّدٍ وَمِنْهُ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ , وَإِلَى نَفْلٍ مُطْلَقٍ أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ . وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ : ( تَطَوُّعٌ ) . د - الْوِتْرُ : 5 - الْوِتْرُ هُوَ : الصَّلَاةُ الْمَخْصُوصَةُ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْعِشَاءِ , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِهَا وِتْرٌ لَا شَفْعٌ .
----------------
الْأَوْقَاتُ الْمُسْتَحَبَّةُ لِلنَّفْلِ : 10 - النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ تُشْرَعُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ وَفِي النَّهَارِ فِيمَا سِوَى أَوْقَاتِ النَّهْيِ , وَتَطَوُّعُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ النَّهَارِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { أَفْضَلُ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ , وَأَفْضَلُ التَّهَجُّدِ جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ } وَلِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ قَالَ { : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ ؟ قَالَ : جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ } . وَيُسْتَحَبُّ الْوِتْرُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ , رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ . وَالْأَفْضَلُ فِعْلُ الْوِتْرِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ , فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيَفْعَلْهُ فِي أَوَّلِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ , وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ , فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ } اُنْظُرْ : ( صَلَاةُ الْوِتْرِ ) .
------------------
قِيَامُ اللَّيْلِ التَّعْرِيفُ : 1 - ( الْقِيَامُ فِي اللُّغَةِ : نَقِيضُ الْجُلُوسِ ) . وَاللَّيْلُ فِي اللُّغَةِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ . وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ : قَضَاءُ اللَّيْلِ وَلَوْ سَاعَةً بِالصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا , وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْرِقًا لِأَكْثَرِ اللَّيْلِ . وَيَرَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما أَنَّهُ يَحْصُلُ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً وَالْعَزْمِ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ , وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ } . وَجَاءَ فِي مَرَاقِي الْفَلَاحِ : مَعْنَى الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَغِلًا مُعْظَمَ اللَّيْلِ بِطَاعَةٍ , وَقِيلَ : سَاعَةً مِنْهُ , يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَوْ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . ( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) : ( التَّهَجُّدُ ) : 2 - التَّهَجُّدُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْهُجُودِ , وَيُطْلَقُ عَلَى النَّوْمِ وَالسَّهَرِ : يُقَالُ : هَجَدَ : نَامَ بِاللَّيْلِ , فَهُوَ هَاجِدٌ , وَالْجَمْعُ هُجُودٌ , وَهَجَدَ : صَلَّى بِاللَّيْلِ , وَيُقَالُ تَهَجَّدَ : إذَا نَامَ , وَتَهَجَّدَ إذَا صَلَّى , فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ , وَمِنْهُ قِيلَ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ : التَّهَجُّدُ . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : أَنَّ الْهَاجِدَ هُوَ النَّائِمُ , هَجَدَ , هُجُودًا إذَا نَامَ , وَأَمَّا الْمُتَهَجِّدُ فَهُوَ الْقَائِمُ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ , وَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ مُتَهَجِّدٌ لِإِلْقَائِهِ الْهُجُودَ عَنْ نَفْسِهِ . وَقَدْ فَسَّرَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهم , وَمُجَاهِدٌ , قوله تعالى : { نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } , بِالْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ , فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِلتَّهَجُّدِ . وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ : فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ : أَنَّ التَّهَجُّدَ فِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ , وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ : { يَحْسِبُ أَحَدُكُمْ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ , إنَّمَا التَّهَجُّدُ : الْمَرْءُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ بَعْدَ رَقْدَةٍ } , وَقِيلَ : إنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ مُطْلَقًا . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ ( تَهَجُّدٌ ف 4 - 6 ) . وَالصِّلَةُ بَيْنَ قِيَامِ اللَّيْلِ وَالتَّهَجُّدِ : أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ أَعَمُّ مِنْ التَّهَجُّدِ . الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ : 3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قِيَامِ اللَّيْلِ , وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ , وَمَنْدُوبٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ , وَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ . وَاخْتَلَفُوا فِي فَرْضِيَّتِهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ ( اخْتِصَاصٌ ف 4 ) . كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ , قَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ , وَقَدْ صَرَّحَتْ الْأَحَادِيثُ بِفَضْلِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ , كَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ , فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ , وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ , وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ , وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ } .
مَا يُسْتَحَبُّ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ : يُسْتَحَبُّ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مَا يَلِي : أ - الِافْتِتَاحُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ : 14 - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِقَائِمِ اللَّيْلِ أَنْ يَفْتَتِحَ تَهَجُّدَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ } , وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : { لَأَرْمُقَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّيْلَةَ , فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ . . . } الْحَدِيثَ . ب - مَا يَقُولُهُ الْقَائِمُ لِلتَّهَجُّدِ : 15 - اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَقُولُهُ قَائِمُ اللَّيْلِ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ , تَبَعًا لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ سُلَيْمَانُ الْجَمَلُ : إنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ الْمُسْتَيْقِظُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ , وَأَنْ يَنْظُرَ إلَى السَّمَاءِ وَلَوْ أَعْمَى وَتَحْتَ سَقْفٍ , وَأَنْ يَقْرَأَ : { إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ } إلَى آخِرِ الْآيَاتِ . وَعَنْ عُبَادَةَ رضي الله عنه , عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ تَعَارَّ اسْتَيْقَظَ , مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , الْحَمْدُ لِلَّهِ , وَسُبْحَانَ اللَّهِ , وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ , وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ , ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي , أَوْ دَعَا , اُسْتُجِيبَ لَهُ , فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ } . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ , قَالَ : اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ , أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ , وَلَك الْحَمْدُ لَك مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ , وَلَك الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ , وَلَك الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ , وَلَك الْحَمْدُ , أَنْتَ الْحَقُّ , وَوَعْدُك الْحَقُّ , وَلِقَاؤُك حَقٌّ , وَقَوْلُكَ حَقٌّ , وَالْجَنَّةُ حَقٌّ , وَالنَّارُ حَقٌّ , وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ , وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ , وَالسَّاعَةُ حَقٌّ , اللَّهُمَّ لَك أَسْلَمْت , وَبِك آمَنْت , وَعَلَيْك تَوَكَّلْت , وَإِلَيْك أَنَبْت , وَبِك خَاصَمْت , وَإِلَيْك حَاكَمْت , فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت , وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت , أَنْتَ الْمُقَدِّمُ , وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ , لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ , أَوْ لَا إلَهَ غَيْرُك } وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ : " وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " . ج - كَيْفِيَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ : 16 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ : إنَّ قَائِمَ اللَّيْلِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْإِسْرَارِ بِهَا , غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا : إنَّ الْجَهْرَ أَفْضَلُ مَا لَمْ يُؤْذِ نَائِمًا وَنَحْوَهُ , وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ : إنْ كَانَ الْجَهْرُ أَنْشَطَ لَهُ فِي الْقِرَاءَةِ , أَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ , أَوْ يَنْتَفِعُ بِهَا , فَالْجَهْرُ أَفْضَلُ , وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ مَنْ يَتَهَجَّدُ , أَوْ مَنْ يَسْتَضِرُّ بِرَفْعِ صَوْتِهِ , فَالْإِسْرَارُ أَوْلَى , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَيْسٍ : { سَأَلْت عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها , كَيْفَ كَانَ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالَتْ : كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ , رُبَّمَا أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ , وَرُبَّمَا جَهَرَ } , وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : { كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اللَّيْلِ يَرْفَعُ طَوْرًا وَيَخْفِضُ طَوْرًا } . وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْجَهْرُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مَا لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى مُصَلٍّ آخَرَ , وَإِلَّا حَرُمَ , وَالسِّرُّ فِيهَا خِلَافُ الْأَوْلَى . وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : يُسَنُّ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ إنْ لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ أَوْ نَحْوِهِمَا . د - ( إيقَاظُ مِنْ يُرْجَى تَهَجُّدُهُ ) : 17 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَامَ يَتَهَجَّدُ أَنْ يُوقِظَ مَنْ يَطْمَعُ فِي تَهَجُّدِهِ إذَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ , فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا مِنْ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا , وَالذَّاكِرَاتِ } . هـ - ( إطَالَةُ الْقِيَامِ وَتَكْثِيرُ الرَّكَعَاتِ ) : 18 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ , وَالْمَالِكِيَّةِ فِي قَوْلٍ , وَالشَّافِعِيَّةُ , وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ , إلَى أَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الْعَدَدِ , فَمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا مَثَلًا وَطَوَّلَ الْقِيَامَ أَفْضَلُ مِمَّنْ صَلَّى ثَمَانِيًا وَلَمْ يُطَوِّلْهُ , لِلْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ بِطُولِ الْقِيَامِ , وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ } وَالْقُنُوتُ : الْقِيَامُ . ; وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ التَّهَجُّدَ , وَكَانَ يُطِيلُهُ , وَهُوَ صلى الله عليه وسلم لَا يُدَاوِمُ إلَّا عَلَى الْأَفْضَلِ . وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ قَوْلَهُمْ : هَذَا إنْ صَلَّى قَائِمًا , فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَالْأَقْرَبُ أَنَّ كَثْرَةَ الْعَدَدِ أَفْضَلُ , لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقُعُودِ الَّذِي لَا مَشَقَّةَ فِيهِ , حَيْثُ زَادَتْ كَثْرَةُ الْعَدَدِ بِالرُّكُوعَاتِ وَالسُّجُودَاتِ وَغَيْرِهَا . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِرْدٌ فَطُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ , وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وِرْدٌ مِنْ الْقُرْآنِ يَقْرَؤُهُ , فَكَثْرَةُ السُّجُودِ أَفْضَلُ . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ , وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ : إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ كَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { عَلَيْك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ , فَإِنَّك لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَك اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً , وَحَطَّ عَنْك بِهَا خَطِيئَةً } ; وَلِأَنَّ السُّجُودَ فِي نَفْسِهِ أَفْضَلُ وَآكَدُ , بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ , وَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى , بِخِلَافِ الْقِيَامِ , فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي النَّفْلِ , وَيُبَاحُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لِلْوَالِدَيْنِ , وَالْحَاكِمِ , وَسَيِّدِ الْقَوْمِ وَالِاسْتِكْثَارُ مِمَّا هُوَ آكَدُ وَأَفْضَلُ أَوْلَى . وَلِلْحَنَابِلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ , وَهُوَ : أَنَّهُمَا سَوَاءٌ , لِتَعَارُضِ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ . و - نِيَّةُ قِيَامِ اللَّيْلِ عِنْدَ النَّوْمِ : 19 - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَنْوِيَ الشَّخْصُ قِيَامَ اللَّيْلِ عِنْدَ النَّوْمِ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى , وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ } .