فضل شاكر
فضل شاكر
يمكن أعتبار فضل شاكر أاحد القلائل من المطربين العرب الذين ينتظر الجمهور السمّيع أعمالهم بكثير من الحماس والشوق . وعندما يطل فضل بعمله الجديد ، سواء كان أغنيه فرديه أو ألبوم كاملا ، فهو يحرّك المياه الراكده في عالم الغناء بعنف . ويلهب المشاعر من مختلف الأجيال . وعندما لا يكون جديد فضل أو أي فنان بمستواه بحجم الآمال المعلّقه عليه ، يصاب الجمهور بخيبة أو لنقل بنوع من التشاؤم الفني .
منذ بضعة أيام ظهر عمل فضل الجديد الذي أنتجته شركة ” روتانا ” ، وهو يحمل أسم إحدى أغنيات الألبوم ” بعدا ع البال ” … وهي أغنية لبنانيه ، وكأن فضل تعمّد أن يحمل ألبومه أسم أغنية لبنانيه ، ربما لكي يثبت أنه لبناني الهوى غناء ، بعدما تعرّض لبعض التعليقات المزعجه ، التي تقول أنه مطرب بالمصري أكثر مما هو باللبناني . وهنا في ألبومه الجديد ، تبين أنه باللبناني أستاذ مخضرم ، وأن الإحساس العالي لا يرتبط بلهجة أو لغة ….
ألبوم ” بعدا ع البال ” لفضل شاكر … يستحق وقفة طويله ، لأنه ليس مجرد عمل عادي …
غلاف الألبوم ليس فيه أي لمسة تميّز ، مجرد صور عاديه جدا ، بإخراج عادي جدا ، والغلاف الذي صمّمه فراس مغامس وصوّره حسين سلمان لم يكن فيه أي جديد … أما ال ” أمبلاج ” فمتواضع جدا جدا . ولن تشفع له الصوره المرفقه للفنان الذي يحظى بغرام الجمهور وليس فقط بحبه . وتبدو حالة من الفقر على العلبة والأسطوانه تكاد تجعلهما أقرب الى المنتج المزيّف منه الى النسخه الأصليه . على الأقل هذا ما يباع في ” فيرجن بيروت ” بالسعر المخفض الذي أعتمدته ” روتانا ” منذ فتره – أربعة دولارات – لضرب المزوّرين !!
وما همّنا من الشكل اذا كان المضمون جيدا ؟
فاكر لمّا تقوللي
أغنية كتبها الشاعر المعروف عوض بدوي ، ولحنها الفنان الذي لا أتردد بأستمرار بالتأكيد على موهبته الفذّه كملحن منذ أطلّ على الجمهور بصوت وائل جسّار . وفي هذه الأغنيه يعود وليد سعد لأستجرار بعض أجواء الروح التي يتميّز بها . الجميل هنا أن وليد ، أكثر سخاء مما هو مع مطربين آخرين ، فقد تنوّع قليلا ، ولم يكتب لحنا من مذهب وكوبليه فقط ، بل أضاف بعض الجمل اللحنيه التي تعوّدناه يقسّمها لعدة ألحان … الأغنيه فيها الكثير من الفرح ، وهي نوع من الخصام بين حبيبين ، لا يتلاقى اللحن مع معاني الشعر ، الا إذا أعتبرناها مجرد خصام ببعض الدلع بين حبيبين . التوزيع الموسيقي لمحمد مصطفى ، يُظهر أن محمد ما زال يعيش الفرح الذي تتسم به كل توزيعاته الموسيقيه . لكنه لم يتفلسف كثيرا باللحن ، وهذا أفضل . نقطة جيده تحتسب للملحن والموزع ، أما فضل فهو هنا بكل بساطته وجمال الأداء … هذه أغنية للتسخين والآتي أجمل .
” هخللي بالي من نفسي ” ،
الشاعر هاني عبد الكريم هنا يحاول أن يخرج قليلا من صديقه وشريكه وليد سعد ، فيوكل للملحن الشاب أحمد الهرمي ، هذا اللحن الرومانسي ، وهو – أي الشاعر – أستعار فكرة أستدراك في التعبير الشعري عندما قال ” … وحياة اللي ما بينّا … قصدي اللي كان ف يوم بينّا .. ” ، وهي فكرة تعبيريه رددها حليم من أغنية ” راح راح خد أملي وراح ” للراحل عبد الحليم حافظ … عندما قال ” … حبيبي … قصدي اللي كان حبيبي … ” الى آخر الأغنيه التي كتبها الشاعر الراحل مرسي جميل عزيز ، وغناها حليم في فيلم ” البنات والصيف ” .
. أغنية رومانسيه ، تليق بصوت فضل ، لكن هنا أيضا لم نصل الى الجديد المنتظر . فالموزع الموسيقي عصام الشرايطي الذي لم نسمعه كثيرا ، لم يقدّم شيئا غير عادي .. وهذا ليس أنتقاصا من قيمة الأغنيه بالإجمال أبدا . لكن ما زلنا ننتظر الأفضل من فضل وإن كان الأداء المتفوّق لفضل هو الذي يزيّن أي أغنية مهما كان حجمها فنيا .
ديو ” جوا الروح ” ، مع أليسا ،
دخول فضل واضح بأفضلية متفوقه أداء ولحنا وكلاما … التوزيع الموسيقي الذي رسمه وكتبه ناصر الأسعد ، تفوّق على اللحن ، بل هو أخترع له شخصية جعلت هذا الديو عملا يصل الى القلب ، رغم أن الشعر المكتوب ليس فيه روائع تعبيريه ، بل بساطة غير ملفته . وعلى أحمد ماضي ألشاعر والملحن صلاح الكردي ، أن يتقدما بشكر خاص لناصر الأسعد لأنه جعل الديو أمراً واقعا على المشاعر تماما كما أداء فضل وأليسا …
بفكر بالساعات
هنا الأخ وليد سعد يظهر أنه ملحّن الأغنيه قبل أن نقرأ أسمه ملحنا لها ، والتي لا ننكر أنها جميله جدا ، لكنها مستوحاة من مجموعة أغاني … أولها لحنه لوائل جسّار ” توعدني ليه ” في ألبومه الأخير . وإذا كان من حقه فنيا أستعارة أعماله ، فليس من حقه أن يقوم بهذه التجربه مع فنان بحجم وقيمة فضل شاكر …
.. ” واللي باقيلي م اللي فات … ” كل الذين سيسمعون هذه الجمله الموسيقيه سيتذكرون أغنية معروفه أعتقد أنها للفنان بهاء سلطان ، الذي لطش تامر حسني له لحن ” قوم أوقف وأنت بتكلمني” من لحن الموسيقار محمد عبد الوهاب ” في يوم وليله” … وتحديدا من مقطع ” وأنا لمّا صحيت على حبك … وشفت الدنيا من عندك … ”
في الكوبليه الثاني ، ومن الدخول الموسيقي ، سنستشف مرة أخرى موسيقى فيلم
” حدّ السيف ” التي كتبها الراحل حسن أبو السعود ، والتي منها أستعار كاظم الساهر الكثير من نغماته ..!
لكن أداء فضل الساحر دائما ، سيجعل كل الذنوب مغفوره لكل الملحنين ، فهو الذي يقنعك بأي عمل ، ويجعلك تغضّ الطرف والسمع عن أية أخطاء أو أستعارات بعذوبة أداء غير عاديه .
من آخرها
آسف بحق لكن ماذا أفعل ؟ الحقيقه تفرض نفسها ، مقدمة أغنية ” من آخرها ” تشبه كثيرا مقدمة أغنية ” يا ليل يا آخر المشوار يا ليل ” للرائعه ورده والملحن الكبير صلاح الشرنوبي والتي وزعها في حينه العبقري طارق عاكف . هذا عن الدخول الموسيقي ، أما اللحن فلست أدري لماذا شيطان السمع عندي يرشدني الى أغنية ” كل ما قول التّوبه يا بوي ” التي لحنها ملحن العصر والزمان بليغ حمدي ، مستوحيا من الفولكلور المصري هذا اللحن الخالد ، والذي من سخرية القدر أعتُبر في حينه مجرد لحن لم يحقق النجاح الكافي .
أحببت في هذه الأغنيه عبارة ” دي واحده ما يتزعلش منها ولا يتزعل عليها … ” . وهي تُحتسب للشاعر نادر عبدالله .
لكن كلمة إنصاف ، لا بد منها ؟ الأغنية فيها توليفة تشعرك بالفرح والحب والعاطفه والحاجة الى الرقص بلا هواده … هذه هي الموسيقى الحلوه . فكل الناس تستعمل نفس الأدوات للطبخ لكن لكل طبّاخ نفَسه الخاص .
بعدا ع البال
هنا فضل يلعب في الملعب الأرقّ ، والأعذب . أغنية فيها روح تنوّع غير عاديه . وبلال زين هنا يقدّم لفضل هدية غير عاديه ، لكن صولو الناي يذكرني بأغنية ” يا زمان الوفا ” للكبيره نجاح سلام التي لحنها لها الفنان جورج مردروسيان … ومن لا يقتنع بكلامي فليذهب الى هذا اللحن …
بأستثناء هذه الثغره البسيطه ، يبقى الفنان بلال زين أحد آمال الموسيقى اللبنانيه الجدد . وهو فنان قديم ، أخذ فرصته منذ عدة سنوات فقط . وأنا أذكره رفيق درب فضل منذ سنوات ، وقبله رفيق الفنان اللبناني بيار صفير . بلال أستاذ كبير وملحن أكثر من رائع ، وتكفي شهادة الفنانه الكبيره ورده فيه وما قالته عن أغنية “وافترقنا ” … التي سنصل أليها …
أما كلمات الأغنيه التي كتبها بيار حايك ، ففيها روح شاعر كبير وقدير . من قال أننا في زمن قحط شعري ؟
نسيت أنساك
جرأة كبيره من فنان كبير أن يغني بلغة الأنثى ، كلمات كتبها هاني عبد الكريم ، وهي ليست المرة الأولى ، ففي ألبوم سابق فعلها فضل ، وكان على حق عندما لمناه . فضل هنا مطرب مشاعر بصوت وإحساس العاشق والعاشقه … وبلال الزين كملحن وموزع ذوّبنا مع أداء فضل بأغنية تميّز توزيعها بضخامة الإيقاع المترافق مع ثورة الحب التي تكمن بداخل كل منا ، مما يجعلنا نصفق لل ” درامر ” … رومانسيه بكل مواصفاتها … هنا فضل … أستاذ كبير أيضا .
وأفترقنا
هذه تحفة العام منذ اليوم ، ومضمون أنه من الصعب أن يأتي أحدٌ بما أتاه فضل المطرب ، وبلال زين الملحن والموزع ومنير بوعسّاف الشاعر ، وأيضا سعيد الماروق المخرج الذي قدّم كليب غير عادي ، بصورته … هل سمعتم عن الأغنيه الكامله ؟ أنها أغنية ” وأفترقنا ” … كيف أنتقل بلال الملحن بين المقامات الموسيقيه بهذه الرشاقه ؟ وفضل الذي تنقّل بحرفنة غير مسبوقة في الأداء بين المقامات الصعبه بكل بساطه وسلاسة … من قلب قلب قلبي ، أقبّل جبين هذا الرباعي على هذا العمل الذي أتحمس له بعنف شديد … ولا أخاف لومة لائم … إن وُجد أصلاً .
روح
الأغنيه التي عندما أسمعني إياها فضل منذ عدة أشهر ، أعتقدت أنها ستكون أجمل ما سيغنيه في العام 2008 ، ومنها أكتشفت مدى رومانسية بلال زين وبيار حايك الشاعر … لكن تبين أنها ببساطه واحدة من روائع وليست كل الروائع …
وإن كنت أسشفّيت نغمة المدخل الموسيقي للكوبليه الثاني من أغنية فضل ” جمالك جمال …. ألخ ” وهي جملة لا يجب أن يفرح بها ملحنها طارق أبو جوده كثيرا لأنه أستعارها من المقدمه الموسيقيه لأغنية ” أنا بستناك ” للكبيره نجاة الصغيره التي لحنها لها العبقري الذي يستعير منه كل جيل بليغ حمدي … ومنذ عقود طويله .
مجروح
حضر الأستاذ طارق أبو جوده وحضر واجبه كما نقول في لبنان ، والأغنية التي كتبها الشاعر المرهف سمير نخله ، ووزعها الموهوب دائما جان ماري رياشي ، يمكن أعتبارها من رومانسيات فضل التي لا يجوز أن يقدّم البوما الا اذا كانت فيها مثل هذه الجماليات ، وإن كنت أرى مع كل أعتذاراتي للأستاذ جان ماري أن الكمنجات كانت فيها الكثير من التكثيف الموسيقي الذي يصل أحيانا الى مرحلة المبالغه . لكن الأغنيه تستحق الإعجاب ، خصوصا أنها تأتي مختلفه قليلا عن الباقيات …
فضل أولا وأخيرا هو الأستاذ بالأداء والإحساس … ولا يمكن إلا أن نقدم له تحية الإعجاب التي نقدمها للكبار .منقول