بسم الله الرحمن الرحيم
أضواء على حياة المفكر الجزائري العالمي مالك بن نبي : رحلته إلى مصر : التعرف على الشرق العربي والإسلامي كان أملا يراود مالك بن نبي منذ مراحل وعيه الأولى ، فهو يذكر بأنه ـ منذ صباه وشبابه المبكر ـ نوى السفر والتعرف على بعض الأقطار والمدائن الإسلامية ، مثل : جدة ( السعودية ) وتومبكتو ( مالي ) ـ وهي مدينة لعبت دوراً حيوياً في نشر الإسلام في إفريقيا ما وراء الصحراء ـ وأفغانستان وباكستان وأندونيسيا ومصر ..الخ.
خلال سنة 1956م سافر بن نبي إلى مصر ، حيث أتيح له التعرف عن قرب على زعمائها السياسيين والمصلحين ، ويبدو أن بعض دوائر الجهات الرسمية أدركت أهمية طروحاته الفكرية فراحت تتقرب منه ، وتتفاعل مع نشاطه الفكري والسياسي ، كما تمكن أيضا من التعاون مع بعض قادة ثورة التحرير الجزائرية ممن كانوا يقدمون إسهاماتهم النضالية من القاهرة ، وتعدّ مرحلة بن نبي القاهرية من أخصب مراحل حياته ، فخلالها أنجز العديد من الدراسات الفكرية مثل " شروط النهضة " و" مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي " .. غير أن ما ميز هذه المرحلة هو ترجمة بعض مؤلفاته إلى اللغة العربية ، لأنه يكتب أساساً باللغة الفرنسية التي يجيدها أكثر من أي لغة أخرى ، وذلك بفضل بعض تلاميذه ومريدي فكره ، لذلك ينبغي أن نذكر ـ من باب الأمانة التاريخية العلمية ـ أن المشارقة هم مكتشفو القيمة المنهجية والبنائية لفكر بن نبي ، ومن أبرز هؤلاء المريدين الذين أصبحوا فيما بعد من رموز الاصلاح والعلم والتغيير في أقطارهم ، نذكر المؤرخ علي الغتيت ( من مصر ) و المحامي الشهير عمر كامل مسقاوي ( من لبنان ) و المفكر واللغوي الدكتور عبد الصبور شاهين ( من مصر أيضا ) والأديب الدكتور عبد السلام الهراس ( من المغرب ) ورشيد بن عيسى ( من الجزائر )... الخ.
وفي هذه المرحلة أيضا التقى بن نبي بالعديد من القادة والزعماء ممن عُرف عنهم النضال والتصدي للإستعمار والعمل من أجل تحقيق الاستقلال و
للإنسان والأوطان ، كان منهم
الصيني شو آن لاي ( chou en lai ) ، و
الهندي جواهرلال نهرو ( nehru ) و
المصري جمال عبد الناصر .. وغيرهم .
ولايجوز أن ننسى ـ ونحن نتحدث عن مرحلة بن نبي المصرية ـ إدارته للعديد من المناقشات والسجالات الفكرية ، مع أبرز مفكري وعلماء مصر ، أمثال الشيخ محمد أبو زهرة ، والدكتورمحمد عبد الله دراز ، والكاتب الإسلامي الشهيرالشهيد سيد قطب ، وما تزال النخبة الثقافية في مصر تتذكر هذه المرحلة ، وتكتب عنها العديد من الصفحات ، كمناظرة بن نبي وسيد قطب حول مفهوم الحضارة والمدنية ، وكذا تأثير فكر بن نبي في العديد من أصحاب الأقلام الذين كانوا ينتبذون بفكرهم جهة اليسار أو يعيشون حالة من الشك والاضطراب المنهجي والمفاهيمي ، ومن أشهر هؤلاء الكتاب ، الطبيب المفكر" مصطفى محمود " . فلا غرو أن نجد الدكتور عبد الحليم عويس يقول عن هذه القضية : " أصرح بأن الفكر الذي يمكن أن يُعزى إليه قيادة مصطفى محمود إلى الإسلام هو فكر أستاذنا مالك بن نبي.. فمالك بن نبي ـ ذلك المفكر الإسلامي الجزائري الكبير ـ قد تمكن من خلال كتبه الرائدة العظيمة : شروط النهضة ، الظاهرة القرآنية ، مشكلة الثقافة ، في مهب المعركة ، وغيرها ، قد تمكن من تكوين جيل من المثقفين الإسلاميين ولاسيما في مصر والجزائر.. " ( من كتابه : العقل المسلم في مرحلة الصراع الفكري . ص 106 ) ... وقد سمعت شخصياً من الشيخ الغزالي ـ الذي تعرف على بن نبي في القاهرة في لقاء خاص ببيت المؤرخ علي الغتيت ـ شهادته في بن نبي ، وهي شهادة تنحو منحى ما ذكره الدكتور عويس .
المرحلة الأخيرة من حياة بن نبي : في سنة 1963م عاد الأستاذ مالك بن نبي إلى الجزائر ، بعد عدة سنوات قضاها في مصر والمشرق العربي ، حيث تقلد مناصب كثيرة منها : مستشار التعليم العالي ، ومدير جامعة الجزائر ، و وزير التعليم العالي ، غير أنه ولظروف أحاطت به ، استقال سنة 1967م ، ليتفرغ تفرغا كاملا للعمل الفكري ، وتنظيم الندوات ، وإلقاء المحاضرات ، كما اهتدى إلى تأسيس ملتقى الفكر الإسلامي ، الذي كان يُعقد أسبوعيا في بيته ، وكان يؤمه كثير من الشباب من الجزائر والبلاد العربية وأوروبا ؛ وقد تبنت السلطات الجزائرية في ذلك الوقت ، فكرة هذا الملتقى ، فأصبح يُعقد سنوياً ، وقد اشتهرت به الجزائر ، إذ كان تظاهرة فكرية ثقافية فريدة من نوعها ، حتى أصبحت الرحال تُشد إليه ، لنوعية المحاضرات التي تلقى في رحابه ومستوى العلماء والمفكرين والإعلاميين الذين يحضرون أشغاله . وظل كذلك حتى أقبلت السنوات العجاف ، ودخلت الجزائر في مفازة من الفوضى ، بسبب فتنة سياسية بغيضة مؤلمة ، فتوقف هذا الملتقى العظيم الذي كان بحق جامعة إسلامية فكرية متنقلة .
ظل بن نبي دؤوباً في عمله الفكري ، وتأليف الكتب القيمة ، كما بدأ يجدّ في تعلم اللغة العربية ، ويستدرك على نزوع قديم في نفسه ، حتى أتقنها ، فكان أول كتاب ألفه باللغة العربية هو كتاب " الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة " ، كما أكمل مذكراته " شاهد القرن " أيضا باللغة العربية ، ونحن لانستبعد أن يكون بن نبي ، قد كتب العديد من مؤلفاته المفقودة بلغة الضاد.. ومنذ حلول العام الميلادي 1973 بدأ يشعر بإرهاق عام يسري في أوصاله ، وما يكاد يختفي حتى يعود من جديد ، وفي يوم 31 أكتوبر 1973 أسلم الروح الطاهرة لبارئها الكريم ، فحزنت الجزائر على فقده و ودعته الجماهير إلى مثواه الأخير.. رحمه الله وطيّب ثراه وجعل الجنة مثوه... لكن أفكاره البديعة ، التي تشبه في عمقها وترتيبها ، نظام المعادلات الرياضية ، استمر إشعاعها وتأثيرها ، حتى اليهود تفطنوا لأفكار بن نبي ، حيث أُنجزت حوله أطروحات جامعية ، نوقشت في بعض جامعات " إسرائيل " !! وربما جاز لي القول بأن المثقفين الجزائريين هم أقل الجميع اهتماما بأفكار هذا الرجل العبقري الذي لانكاد نعثر له على نظير من بين مفكري الأمة الإسلامية.. وصدق العرب القدماء الذين كانوا يقولون ( أزهد الناس في العالِم أهلُه وجيرانُه !! ).
آثار مالك بن نبي الفكرية : خلّف بن نبي تراثاً فكرياً ، أعتُبر فريداً ومتميزاً في مجال تصوير الأزمة الحضارية لدى المسلمين ، وتجسيد الأوهاق والعقابيل التي تعوق المجتمع الإسلامي المعاصر ، وتحول دون إقلاعه الحضاري المرتقب ، واستئناف دوره الرسالي في الشهود الحضاري ، ذلك الدور العظيم الذي توقف ، وفقد جميع عناصره المشعة ، بل ضمرت فعاليته ، حتى على مستوى الذات منذ انقضاء عهد الموحدين . وتراث بن نبي الفكري قسمان. يتمثل القسم الأول في المؤلفات المطبوعة المشهورة ، بينما يتمثل القسم الثاني في المؤلفات التي ما تزال مفقودة إلى يومنا هذا.
أ ـ المؤلفات المطبوعة :1ـ الظاهرة القرآنية.
2ـ شروط النهضة.
3ـ حديث في البناء الجديد.
4ـ الإسلام والديموقراطية ( يوجد ضمن كتاب تأملات في طبعته الجديدة ).
5ـ مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي.
6ـ مذكرات شاهد القرن ( الطفل + الطالب ).
7ـ ميلاد مجتمع.
8ـ أثر المستشرقين في الفكر الإسلامي الحديث.
9 ـ المسلم في عالم الاقتصاد.
10ـ فكرة كومنولث إسلامي.
11 ـ في مهب المعركة.
12 ـ مشكلة الثقافة.
13ـ بين الرشاد والتيه.
14 ـ تأملات.
15 ـ لبيك ( وهي الرواية الوحيدة التي كتبها بن نبي ولم تترجم للعربية بعدُ ).
16 ـ وجهة العالم الإسلامي ( هذا الكتاب نُشر بعنوان: نداء الإسلام ، كما نُشر بعنوان : مستقبل الإسلام ، أي أن له ثلاث ترجمات على الأقل ).
17 ـ النجدة : الشعب الجزائري يُباد ( وهو رسالة صغيرة كتبها في القاهرة ، مساهمة منه في كشف جرائم الإبادة التي تعرض لها الشعب الجزائري على يد الاحتلال الفرنسي ).
18 ـ دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين.
19 ـ الفكرة الإفريقية الآسيوية.
20 ـ الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة.
ب ـ المؤلفات المفقودة :21 ـ دولة مجتمع إسلامي.
22 ـ العفن أو( الغسيل ) ( هو الجزء الثالث من مذكرات شاهد القرن ).
23 ـ خطاب مفتوح لخروتشوف.
24 ـ نموذج المنهج الثوري.
25 ـ المشكلة اليهودية.
26 ـ اليهودية أم النصرانية.
27 ـ دراسة حول النصرانية.
28 ـ العلاقات الاجتماعية وأثر الدين فيها.
29 ـ مجالس دمشق ( وهي مجموعة من المحاضرات والمسامرات الفكرية قدمها في دمشق ).
30 ـ مجالس تفكير ( مجموعة من الدروس والتحليلات الفكرية أدارها في بيته قبل وفاته ) .